«هات عينيك تسرح في دنيتهم عينيا»، هكذا غنت السيدة أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة: «أنت عمري»، وليس الرجاء من الحبيب بأن يمنح من يحب نظرات العينين لتسرح في «دنيتهم» عيناه، هو وحده ما صدح به صوت أم كلثوم في واحدة من أكثر أغانيها تمجيداً للعين ونظراتها، وما لها من أثر في عالم العشق والعاطفة.
فالعينان، حسب الأغنية: «رجعوني لأيامي اللي راحوا/ علموني أندم على الماضي وجراحه». وأكثر من ذلك فإن «اللي شفته قبل ما تشوفك عينيا/ عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا».
العين هنا هي الدليل والحكم. القلب كمفردة لا يحضر في كلمات هذه الأغنية، فالعين هي بمثابة القلب الدليل إلى الحب وعالم الحبيب. فيهما تسرح عيناه، وهما من تعيدانه إلى الماضي، ليرى كم كان هذا الماضي شاحباً وبائساً وبارداً قبل أن يرى عين من بات يحب، وليدرك أن كل ما رأته عيناه قبل أن تريا عيني الحبيب ليس محسوباً من العمر. العمر يبدأ بلقاء الحبيب. ما قبله ليس عمراً.
ليت من كتب هذا الكلام الجميل، أحمد شفيق كامل، ومن لحنّه، الموسيقار محمد عبدالوهاب، وبالطبع من غنته بصوتها الآسر، أم كلثوم، ما زالوا بيننا أحياء، ليقرأوا ما جاء في تقرير علمي عن أثر ما تفعله العيون في النفوس، مصداقاً لما كانت أغنيتهم الجميلة قد قالته، كلمات ولحناً وغناء، قبل عقود من اليوم، ففي التقرير جاء أن «فقدان الإحساس بالوقت وعدم التركيز في الأصوات المحيطة والشعور وكأن ستارة بيضاء تحجب النظر. هذه ليست أعراض تعاطي مادة مخدرة ولكنها نتيجة التواصل بالعيون، والتي يعتقد الخبراء أنها تلعب دوراً رئيسياً في الحب والثقة».
«العين مرآة الروح»، هذا ما أكدّته تجربة باحثين إيطاليين طلبوا من المشاركين في التجربة اختيار شخص يشاركهم إياها، ثم جلس الجميع أمام بعضهم في غرفة ذات إضاءة خافتة وطلب منهم الباحثون، النظر في عين الشخص المقابل لمدة عشر دقائق. وفي نهاية التجربة، تحدث كل شخص من المشاركين فيها عن انطباعه خلال تلك الدقائق. وكانت المفاجأة أن معظم المشاركين في الدراسة قالوا إنهم شعروا بما يشبه النشوة مع نهاية التجربة، فيما وصفها البعض أن النظر في عين الآخر، له آثار مشابهة للمواد المخدرة.
العلم، لا المجاز ولا مخيلة الشعراء والفنانين، هو الذي يقول إن حدقة العين تفصح عن مقدار الشعور بالسعادة إذ تتسع بشكل ملحوظ وتضييق في مواقف الغضب والحزن، أما في حالات الحب فإنها لا تتسع فقط، وإنما تلمع، أيضاً، بشكل واضح.