20 يوليو 2022

هل أصبح الطلاق ترفاً؟ وما أسباب انتشاره؟

محررة في مجلة كل الأسرة

هل أصبح الطلاق ترفاً؟ وما أسباب انتشاره؟

شرع الله تعالى الزواج ووصفه بـ«الميثاق الغليظ» ووضع المودة والرحمة بين الزوجين، لكنه في المقابل أحل الطلاق حيث قال تعالى «وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، ووصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بـ«أبغض الحلال عند الله»، لكن ظهوره في مجتمعاتنا العربية كظاهرة وارتفاع معدلاته بنسب كبيرة يدعونا للتوقف لمعرفة أسبابه ومسبباته.

إذاً متى يكون الطلاق مرفوضاً ومتى يصبح ضرورة ولماذا انتشر في السنوات الأخيرة؟

هذا التساؤل يقودنا لقصة «مواطنة تزوجت من مواطن في سن مبكرة عاشت معه حياة طبيعية أكرمها الله فيها بولدين الأول بعمر عشر سنوات والثاني ثماني سنوات، أراد الله أن يبتليها فتبين بعد مراجعتها الأطباء وإجراء الفحوص نتيجة إحساسها بالتعب إصابتها بالسرطان وحاجتها للمال والوقت لعلاجه، لم يقف المال عقبة لعلاجها، لتوفر هذا العلاج في المؤسسات الصحية الحكومية. لكن المشكلة أصبحت في تحول زوج هذه السيدة بعد مرضها ولومها كأنها أمرضت نفسها، ما سبب لها صدمة كبيرة في شريك حياتها و فوجئت بعد ذلك بمصارحته لها بزواجه من فتاة صغيرة، فما كان لها منها إلا أن تدعو له بالسعادة، لكن إصراره على معايرتها دعاها لطلب الطلاق وكان جوابه الرفض، ليس حباً بها أو بقاء على عشرتها إنما انتقاماً منها فما كان منها إلا أن ترفع دعوى قضائية تطلب فيها تطليقها وإثبات حضانتها لأولادها والتوقيع على تعهد يلزمه بعدم التعرض لها»،

هل تغيرت نظرة المجتمع للطلاق؟

يجيب المحامي الدكتور يوسف الشريف «في السابق كان الفقر سبباً في تزويج البنت في سن صغيرة، ما إن تبلغ الفتاة سناً معينة يتم تزويجها للتخلص من عبء العوز والحاجة، وحتى لو لم تكن الزيجة غير ناجحة لا تسعى أسرتها لتطليقها ويكون قبول التعدد واقعاً وبديلاً عن الطلاق».

يبين الدكتور يوسف الشريف الأثر الذي أحدثه تطور الفكر والثقافة «ما عاد المجتمع ينظر للطلاق على أنه عبء أو عيب أو سبة في جبين المطلقة أو المطلق، وارتفاع الوعي بأن الطلاق يمكن أن يقع لأسباب عديدة لا تنال من سمعة أي من الطرفين أو شرفه أو طباعه وسلوكياته وإمكانية وقوعه لعدم التفاهم واختلاف وجهات النظر في أمور الحياة أصبح ملموساً، ومن بات يراه بغير ذلك هو من آثر البقاء في الماضي على حساب الواقع».

الفرق بين طلاق الضرورة وطلاق الترف

يكشف الدكتور يوسف الشريف الفرق بين طلاق الضرورة وطلاق الترف «لا يهم وصف الطلاق بأي وصف بقدر ما أن يكون حلاً شرعياً ناجحاً، ينصح به في العلاقات الزوجية والأسرية، لا يضر أحد سواء كان الزوج أو الزوجة أو الأبناء، وتتحول فيه العلاقة من علاقة زواج إلى علاقة صداقة. هذا الأمر يقودنا لقصة زوجين عربيين «يعمل كلاهما في مجاله، الزوج في هندسة الإلكترونيات والزوجة في مجال المحاسبة، تزوجا في بلدهما الأم قبل 15 سنة ثم انتقلا للعمل في دولة الإمارات في بداية زواجهما، كان من نتاج هذه الزيجة ولدان أولهما يبلغ من العمر اثّني عشر عاماً والثاني تسعة أعوام، بدت حياتهما مستقرة إلى فترة قريبة حتى دبت الخلافات بينهما نتيجة تغير بعض المفاهيم، بينما يرى الزوج أن علاقته بفتيات وسيدات، سواء في العمل أو خارجه، أمر عادي ومن مظاهر العلاقات الاجتماعية، ولكن رفضت الزوجة تقبل هذه الفكرة على الإطلاق، وحتى يحافظا على عشرة السنين بينهما اتفقا بكل ود واحترام على إنهاء علاقة الزواج وحفظ حقوق جميع الأطراف باتخاذ الإجراءات القانونية لتوثيق اتفاقهما بشكل قانوني يحفظ لكل ذي حق حقه».

لا يمكن أن يكون الطلاق غراماً وانتقاماً بأن يتفرغ كل طرف لهدم الآخر فالزواج شركة يمكن أن تنجح ويمكن أن تفشل

هل أصبح الطلاق ترفاً؟ وما أسباب انتشاره؟

أسباب غير منطقية للطلاق

يوضح الدكتور يوسف الشريف «للأسف هناك من تطلب الطلاق لتضجرها من عدم السفر للسياحة، أو تشتكي الملل بسبب عدم الخروج وملازمة البيت، وتلك التي تطلب الطلاق لعدم توفير خادمة أو سيارة أو فيلا بدل بيت أو شقة على سبيل المثال، وهذا لا يعني أن نحصر الأمر بالنساء بل هناك طلاق ترف أيضاً رأيناه من جهة الرجال كذلك، كالزوج الذي يطلق زوجته لأنها لا تقوم على خدمته كما يقول ويدعي بأن الخادمة هي من تقوم بذلك، وغيره من يطلق لاكتشافه (أكذوبة الحب) وعدم تحقق أحلامه وتطلعاته التي كان يتصورها عن الزواج.. وأسباب أخرى كثيرة».

ويوجز الدكتور يوسف الشريف «يجب ألا يكون الطلاق نهاية الحياة لأي من الطرفين، على المطلقة أن تصحح مسارها والبدء بحياة جديدة، تسعى للتعلم والدراسة أو تحصيل فرصة عمل وتقبل على زواج جديد، كما لا يجب أن يكون الطلاق غراماً وانتقاماً بأن يتفرغ كل طرف لهدم الآخر، فالزواج شركة يمكن أن تنجح ويمكن أن تفشل، والفشل لا يعني نهاية الحياة».

ما الأسباب المنطقية لطلب الطلاق؟

تأسف المستشارة الأسرية واللايف كوتش سهير عليان لإنعدام الوعي بأهمية مفهوم الأسرة والتوعية بأسس الحياة الزوجية والتعاون، وتصنف الطلاق بحسب أسبابه «يكون الطلاق منطقياً عندما يختلف الزوجان في الرأي والبيئة الاجتماعية والعادات والطباع، وتزداد الخلافات بينهما وتستحيل العشرة»

وتوضح أسباباً أخرى:

  • تدخل الأهل وأحكامهم وسيطرتهم على حياة أبنائهم الزوجية بإدلاء الآراء المختلفة :عدم تمكن الزوجان من احتواء الخلاف بين جدران المنزل، يمكن أن يسبب اضطراباً وإرباكاً
  • فقدان أحد الزوجين القدرة على الإنجاب
  • هجر أحدهما فراش الزوجية
  • عجز الزوج عن الإنفاق وتلبية احتياجات الزوجة والمنزل

الأسباب غير المنطقية للطلاق

هل أصبح الطلاق ترفاً؟ وما أسباب انتشاره؟

على الجانب الآخر تكشف عليان الأسباب غير المنطقية للطلاق «تكون الصدمة الحقيقية للفتاة بعد الزواج في الصورة الذهنية التي كونتها عن الزواج والزوج على اعتبار أنه الفارس القادم على ظهر حصان أبيض حاملاً معه الفانوس السحري ليلبي جميع طلباتها دون استثناء، كذلك هو تصور الزوج وتوقعاته عن الزوجة على أنها من ستقوم على خدمته وتلبي له كل احتياجاته دون اعتراض أو نقاش، فتصبح دوافع مقنعة بالنسبة لهما لطلب الطلاق».

على الأهل توعية أبنائهم المقبلين على الزواج بثقافة إدارة المنزل

تشير المستشارة الأسرية سهير عليان «في كثير من الأحيان ينصب الاهتمام على المظاهر، والطلاق لأسباب مادية هو ظاهرة جديدة على مجتمعاتنا العربية، للأسف أصبح التصور لدى الكثير من الفتيات أن التعبير عن الحب والاهتمام يكون بشراء الأشياء الباهظة أو «البراند»، وبالتالي كل ذلك سيكون على حساب راحة الزوج وميزانية المنزل واحتياجات أكثر أهمية».

وتكشف سهير عليان «استقلال المرأة المادي وعدم احتياجها للزوج من الناحية المالية زاد من حجم الخلافات لإحساس الزوجة بعدم أهمية وجود الزوج في حياتها، والصراع النفسي للزوج لشعوره باكتفاء الزوجة وقدرتها في التخلي عنه».

تنصح المستشارة الأسرية سهير عليان«على الأهل توعية أبنائهم المقبلين على الزواج بثقافة إدارة المنزل وهذا ما يقود لأهمية تعليم الأطفال منذ الصغر على حسن إدارة مصروفهم وتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم دون إسراف أو إسفاف وتبذير ليكوّنوا مفاهيم صحيحة تجاه الإنفاق وإدارة المال».