نعلم تماماً أن هناك تحديات اقتصادية واجتماعية ونفسية تواجه الشباب المقبلين على الزواج ، بعضها قهرية وأخرى اختيارية ، فتدفعهم أحياناً إلى تأجيل فكرة الزواج أو حتى إلغائها. ويأتي في مقدمة هذه التحديات ارتفاع تكاليف الزواج والمغالاة والبذخ في حفلات الزفاف وبالتالي خوف الشاب من الأعباء المادية الناجمة عن الاقتراض، بينما تتأثر الفتاة بأفكار وأطروحات متناقلة وشكلية بعيدة عن واقع المجتمعات العربية.
وما بين هذا وذاك ، نرى تغلغل التصور الخطأ للزواج على أنه منظومة ملأى بالخلافات ، والتخوف من تحمل المسؤولية ، واعتياد حياة العزوبية ، وضعف الجانب الديني، والتأثر بالأطروحات السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام عن الزواج والتأثر بأحاديث المختصين حول تحديات الزواج والطلاق.
المغالاة في الإسراف ودروس «كورونا»
تشير ناعمة الشرهان، النائب الثاني لرئيس المجلس الوطني الاتحادي، لتأثير العامل الاقتصادي والمغالاة في الإسراف التي ترافق الزواج على رغبة الشباب في الارتباط بالدرجة الأولى، وتثني على الدروس التي أفرزتها أزمة COVID-19 في الحد من هذه المظاهر «ساهمت التجربة بالرغم من جميع تحدياتها على الحد في الكثير من مظاهر المبالغة التي تشهدها حفلات الزفاف من حيث البذخ في الإنفاق والمباهاة التي باتت أكبر تحدٍ يواجه الزوج الذي يجد نفسه بعد الزواج مثقلاً بقائمة ديون تحتاج لوقت طويل لسدادها متسببة بخلافات كثيرة في محيط الأسرة».
تكشف الشرهان التحديات الأخرى «لا تتوقف تحديات الزواج عند المشكلة الاقتصادية فما يشهده اليوم الشاب أو الفتاة من مشاكل وخلافات من محيطهم المقرب والتأثر بمواقع التواصل الاجتماعي التي تبث أفكاراً تدعو للتحرر من قيود المسؤولية والارتباط سبباً في إضرابهم عن الزواج». لذلك تؤكد على أهمية تكامل الأدوار لتجاوز هذه المشكلة «نشر ثقافة القناعة والبساطة مسؤولية يشترك فيها الزوجان والأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام، لتجنب مشكلة العنوسة وانخفاض معدلات الخصوبة".
العامل المادي ليس السبب الوحيد لتأجيل الزواج
من واقع اطلاعه، يواكب مدير التلاحم الأسري في هيئة تنمية المجتمع الدكتور عبد العزيز الحمادي، الكثير من القضايا التي تكشف التحديات التي يعانيها الشباب أثناء اتخاذ قرار الزواج أو تأجيله، والتي يمكن تقسيمها إلى أسباب قهرية «إجبارية» وأخرى اختيارية، يقول «تصدير وسائل الإعلام العامل المادي على أنه السبب الرئيسي والأوحد في عزوف الشباب عن الزواج خطأ كبير، لكن ذلك لا يمنع وقوفه كأحد التحديات القهرية التي تقف وراء عزوف بعض الشباب من الإقدام على هذه الخطوة، بينما يكون عدم تقدم شاب لخطبة الفتاة من أكثر التحديات التي تقف وراء عدم زواج الفتيات القهرية».
يرصد د. الحمادي أبعاد هذه الإشكالية «دائماً ما تقتصر التوعية بخطورة المبالغة في التباهي بمسألة الإنفاق والبذخ في حفلات الزفاف على الزوجين، بينما يكون لأهل العروس أو العريس دور كبير في هذه المشكلة التي ينجم عنها زواج متخم بالمشكلات المادية وربما يكون سبباً في عجز الزوج عن الإنفاق على بيت الزوجية تتبعها خلافات كثيرة».
يتلمس د. الحمادي أهمية الزواج «هو نعمة من نعم الله، لكن ليس من المعيب أو المحرم أن تبقى المرأة عزباء أو يبقى الشاب أعزباً، فالمشكلة ليست تأخر الشاب أو الفتاة في اتخاذ قرار الزواج، بل تكمن في ردة الفعل النفسية التي لربما يحتاج الشاب لتخطيها إلى علاج نفسي تخصصي، إضافة إلى تخلي الأهل عن دورهم في توجيه الأبناء نحو قضية تحمل المسؤوليات وإيلاف حياة العزوبية». ويشير إلى التحديات الاختيارية أمام الشباب التي يمكن أن تقف عائقاً أمام إقبال الشباب على أخذ خطوة الزواج:
علاجات لمواجهة تحديات الزواج
وللوقوف على علاج المشكلات التي تواجه الشباب، يقدم الدكتور الحمادي جملة من التوصيات:
متطلبات الزواج بين الماضي والحاضر
بدوره، يوضح المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، أهمية الزواج وأثر المغالاة على الإقبال عليه «الزواج في مبدئه نظام شرعه سبحانه وتعالى لاستئناس الرجل بالمرأة وعمارة الكون، لذلك فإنه لم يشرع إلا لخير الإنسان والإنسانية ومصلحة الدين والدنيا، وهو ما يحدو بنا للجزم بأن ما تعانيه المجتمعات اليوم من مشكلات في هذا الصدد مرده البعد عن المنهج الإلهي والمقاصد الشرعية والحقوق والواجبات المتبادلة المحددة شرعاً، لتصبح المفاهيم الدخيلة والغريبة على الأعراف والعادات والتقاليد هي السائدة في هذا النظام وينعكس على اتفاقات الزواج والخروج على الأصول الشرعية له، لتصبح المغالاة وزيادة المتطلبات من مهر ومسكن وعرس ومستلزمات وكماليات بل ورفاهيات هي واقع حال».
يسجل د. الشريف بعض فروقات متطلبات الزواج بين الماضي والحاضر «لم تعد آيات من القرآن الكريم تكفي من يزوج ابنته الآن، ولا وجود لمن يلتمس لها خاتماً من حديد بل ولا فضة ولا ذهب حيث هناك من لا تقبل بغير الألماس متناسين أن الفتاة ليست سلعة وأن قيمتها ليست في قيمة مهرها، أما المسكن فيجب أن يكون في مكان مميز وبشكل معين (فيلا أو بيت كبير) ومؤثثاً بأفخم الأثاث وقد يشترط أن يكون تصنيعه خصيصاً من بلاد معينة، أما عن الأعراس فحدث ولا حرج، فكم من زيجات لم تتم بسبب فستان أو مكان العرس أو بطاقات الدعوة أو فقرات الحفل وغيرها».
العولمة والتغير الثقافي وصراع الإرادات
عن أبعاد الخوف كتحدٍ يواجه الشباب عند التفكير في اتخاذ قرار الزواج، أشارت أستاذ علم الاجتماع، رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي، الدكتورة موزة غباش إلى «أن الخوف بشكل عام ظاهرة إيجابية فهو لا يعني الامتناع إنما التريث والحذر في اتخاذ القرار المناسب بشكل ملازم في جميع الخطوات سواء كان في الزواج أو العمل أو تربية الأبناء». تشرح غباش تخوف الشباب من الزواج «يكمن خوف الشباب المقبلين على الزواج في نتيجة فشل العلاقات الزوجية المحيطة بهم وظاهرة عدم التوافق الزواجي للعلاقات سواء تلك التي شهدوها في علاقة الأبوين أو الإخوة أو للأقرباء والأصدقاء أو في قصص لعلاقات سمعوا عنها أو قرأوها».
تشير د. غباش لأسباب أخرى ربما تشكل تحدياً أمام اتخاذ الشباب خطوة الزواج «مشكلة توفير السكن الملائم وتخصيص منزل الزوجية هي مشكلة يعانيها بعض الشباب نتيجة ارتفاع تكلفة الاستئجار وصعوبة تملك منزل في بداية الحياة، يضاف لها مشكلات كثيرة خلقتها العولمة والتغير الثقافي الذي أحدثته منها التأثر ببعض العادات والتقاليد التي أثقلت كاهل الزوج بنفقات مستحدثة أو رغبة المرأة في الحصول على استقلاليتها التي جعلتها تشعر بإمكانية العيش بعيداً عن ظل الرجل هو تصور خطأ، فالحياة الزوجية لا تقوم على صراع الإرادات بل هي سكن نفسي يستوجب التنازل من الطرفين».
أسباب عزوف الشباب عن الزواج
يشير المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية بالإنابة، الشيخ طالب الشحي، إلى حديث الرسول (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ)، ويقول «مع أهمية الزواج في تحقيق استقرار وتحصين الأسرة، إلا أننا نجد تراجعاً كبيراً في أعداد الشباب الراغبين باتخاذ هذه الخطوة، لأسباب عديدة لعل من أبرزها:
ولتجاوز أزمة عزوف الشباب يوصي الشحي بالمقترحات التالية: