أطلق مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف خلال الأسابيع الماضية حملة توعوية مكثفة لمواجهة المغالاة في تكاليف الزواج وتعسيره على كثير من الشباب والفتيات وأسرهم، حيث طالب الأزهر بضرورة تيسير الزواج على كل الراغبين فيه والتخلي عن مظاهر السفه في تكاليفه ومظاهره والحد من ظاهرة المغالاة في المهور المنتشرة بين الأسر مع الحفاظ على حقوق الزوجات.
ورفع الأزهر في حملته التوعوية شعاراً «يسروا ولا تفرطوا»، و«لتسكنوا إليها» مؤكداً ضرورة الاعتدال في تكاليف الزواج، ومواجهة ظاهرة المغالاة في المهور، وذلك في إطار تعاليم وتوجيهات الإسلام.
طرحنا ظاهرة المغالاة في تكاليف الزواج على نخبة من كبار علماء الإسلام ليوضحوا لنا هدى الإسلام في بناء الأسر، وخطورة وضع عقبات في طريق الزواج أمام الشباب من الجنسين. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء وخبراء شؤون الأسرة ونصحوا به:
ضرورة الاعتدال في المهور والحقوق المرتبطة بالزواج
أكد د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن اليسر مقصد وأساس في كلّ تكليف شرعي عملي، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حافلان بالنصوص التي تحض على عدم التكلف والغلو، «فلن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، مضيفاً أن المجمع وانطلاقاً من هذا المقصد الشرعي السامي أطلق هذه الحملة التي تدعو إلى تيسير أمور الزواج وتخفيف تكاليفه.
الأسرة المثالية التي ينشدها الإسلام هي التي تُبنى على الاعتدال والرفق والتيسير في أمور الزواج تطبيقاً لتعاليم ديننا
وأوضح د. عياد أن المغالاة في تكاليف الزواج لها عدة مراحل، تكون الأولى منها خلال فترة الخِطبة، والثانية في مرحلة الإعداد للزواج، وتأتي الأخيرة في أثناء الزواج؛ مشدداً على حاجة المجتمعات العربية إلى مزيد من الجهود التوعوية دينياً واجتماعياً وإعلامياً من أجل القضاء على الظواهر السلبية، ومواجهة كل المفاهيم المغلوطة، والتخلي عن التقاليد التي تمثل عبئاً على الأسر وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها كافة المجتمعات العربية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار متطلبات بيت الزوجية.
وشدد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر على ضرورة الاعتدال في المهور والحقوق المرتبطة بالزواج، مؤكداً أن المغالاة فيها يمثل عقبة كبيرة في طريق الزواج وإعفاف شبابنا من الجنسين وحمايتهم من كل ما يحيط بهم من مخاطر.. ويقول «لا شك أن المغالاة في تكاليف الزواج من أخطر القضايا والمشكلات المجتمعية التي تهدد بناء الأسرة والمجتمع، موضحا أن الأسرة المثالية التي ينشدها الإسلام هي التي تُبنى على الاعتدال والرفق والتيسير في أمور الزواج تطبيقاً لتعاليم ديننا، وتوجيهات نبينا صلى الله عليه وسلم، والتي تضمن بناء الأسرة على أسس اجتماعية سليمة تقوم على منهج المودة والرحمة في التعايش بين أفراد الأسرة الواحدة». وأوضح أن التيسير في الزواج لا يعني ضياع حقوق المرأة، وإنما هو تيسير يقوم على التراضي بين الطرفين مع حفظ الحقوق لجميع الأطراف.
ويؤكد د. نظير عياد أن مبادرة الأزهر لتيسير الزواج لا تقف عند الإرشاد الديني من خلال منابر الأزهر ومواقعه الإلكترونية فحسب، بل تشمل المبادرة أيضاً «تأهيل الشباب المقبل عن الزواج من الجنسين» من خلال دورات تدريبية مكثفة لتوعيتهم بتعاليم الدين وتوجيهاته المتعلقة بإعداد بيت الزوجية وكيف يؤكد الإسلام على التيسير.
الشباب في بلاد المسلمين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة للغاية
علينا أن نيسر لشبابنا سبل الزواج، ونحثهم عليه، ونوفر لهم مقوماته، ونزيل كل العقبات من أمامهم
ويرى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن المبالغة في نفقات الزواج مما تعارف عليه في كثير من البلاد العربية سيضاعف من مشكلة عزوف الشباب من الجنسين عن الزواج، وهو أمر له خطورته على واقع ومستقبل الاستقرار الأسري والاجتماعي في بلادنا العربية، مضيفاً «بدون الضغوط الاقتصادية الحالية نحن نعاني مشكلة انصراف الشباب من الجنسين عن الزواج لأسباب كثيرة ومتنوعة، معظمها يتركز في المعوقات الاقتصادية والمشكلات النفسية تصرفهم، ويجب أن نواجه ذلك من خلال حملات توعية دينية واجتماعية وإعلامية، وواجب وكيفية ضمان حقوق البنت حيث يلجأ بعض أولياء الفتيات إلى تكبيل العريس بمتطلبات مادية تفوق قدرته، وهنا نذكر هؤلاء بحديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» ولم يقل الرسول إذا جاءكم من يمتلك المال والمنصب والنفوذ، فكل هذه الاعتبارات وإن كان البعض يحرص عليها ويبحث عنها إلا أنها لن توفر الاستقرار والأمان لبناتنا في حالة نفور الأزواج منهن، وبعض الأسر تكبل أزواج بناتها بالتزامات مادية مبالغ فيها، وعندما تجد البنت ضرورة الافتراق عن الزوج تتنازل عن كل حقوقها وتلجأ إلى الطلاق خلعاً ولن تفيدها شروط والتزامات أخذت على زوجها عند الزواج».
لذلك ينصح د. هاشم كل الأسر بتيسير الزواج على أبنائها والتخلي عن التقاليد المتوارثة التي تمثل عقبة في طريق العفاف الكريم «علينا أن نيسر لشبابنا سبل الزواج، ونحثهم عليه، ونوفر لهم مقوماته، ونزيل كل العقبات من أمامهم، لأن الزواج حماية وعصمة من كل الأخطاء والمصائب، وقد دعا الإسلام إلى الزواج وحث عليه ورغب فيه لكل من كان مستطيعاً قادراً عليه، ففي الزواج عصمة للشباب من الزلل والخطيئة وحفاظ لحياته وخطاه من الانزلاق في وحل المعصية والرذيلة، وفيه حفظ للعين من النظر إلى ما حرم الله».
المغالاة في المهور أصبحت رذيلة من الرذائل الاجتماعية
الداعية الأزهرية د. أمنة نصير، أستاذة الثقافة الإسلامية بالأزهر، تثمن مبادرة الأزهر ودعوته إلى تيسير الزواج على الشباب من الجنسين، وتؤكد أنه رغم ما نعانيه في بعض بلداننا العربية من بطالة وأزمات اقتصادية متلاحقة، فإن رذيلة المغالاة في المهور لا تزال تسيطر على عقول البعض من أولياء الفتيات، وهي لا تضر بالشاب الراغب في الزواج وحده، بل تضر أيضاً بالفتاة، وهذا الرذيلة المتأصلة في عقول البعض من الآباء في بلادنا العربية تقف عقبة في طريق الزواج نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها الشباب في كثير من بلادنا العربية، وهذا إضرار بمصالح الطرفين، فالمغالاة في المهور أصبحت رذيلة من الرذائل الاجتماعية التي ينبغي أن نواجهها بكل الوسائل لأنها تتسبب في رواسب نفسية سيئة في نفوس الشباب، ويكفي أن نعلم أعداد الفتيات اللاتي بلغن سن الزواج في البلاد العربية ولم يتزوجن حتى الآن.
الشريعة الإسلامية لم تحدد قدراً معيناً للمهر بل جعلته لاتفاق الطرفين على حسب الطاقة والعرف والحالة
وتضيف «تعاليم ديننا تؤكد ضرورة وجود مهر للمرأة عند الزواج وهو من مظاهر تكريمها في نظر شريعتنا، فالمرأة دائماً مرغوبة حتى ولو تأخر زواجها، لكن الإسلام يرفض المغالاة في المهور، وجعلها عقبة في طريق الزواج. وإذا كان الإسلام قد جعل الصداق أو المهر حقاً من حقوق المرأة التي لا يجوز إتمام الزواج بدونها، فالرسول صلى الله عليه وسلم وجه إلى التيسير والتخفيف في هذا الأمر».
ولذلك تضم الأستاذة الأزهرية صوتها لصوت عضو هيئة كبار العلماء، وتقول «واجب الآباء النظر إلى مصالح أولادهم، والاهتداء بهدي الإسلام في مسألة الزواج، فالشريعة الإسلامية التي أرادها الله لتنظيم حياتنا، وتحقيق العدل فيما بيننا، لم تحدد قدراً معيناً للمهر بل جعلته لاتفاق الطرفين على حسب الطاقة والعرف والحالة».
ومن هنا تطالب د. أمنة بالعودة إلى تعاليم وتوجيهات الإسلام في هذا الأمر، وتحث الآباء على التخلص من المظاهر الاجتماعية الفارغة التي سيطرت على حياتنا وأبعدتنا عن تعاليم ومبادئ وتوجيهات ديننا.