بعد أن اعتاد الناس فترة الجائحة للتخلي عن الكثير من مظاهر الترف والبذخ خاصة في حفلات الزفاف التي أثقلت كاهل الزوج بالتزامات تدخله في دوامة الاقتراض والديون، تعود هذه الحفلات بالمزيد من المغالاة والإسراف المدفوعة بنزعة التباهي والتفاخر وتقليد بعض المظاهر الدخيلة على تقاليد المجتمع كالكوشة وفستان الزفاف والحفلات الموسيقية وكثرة المآدب لتستنزف من طاقة وجهد الزوج وتعكر صفو علاقته بعروسه.
يعكس هذا الواقع قصة الشاب «عمر» الذي اختار انتظار انجلاء جائحة «كورونا» ليقيم حفل زفافه، يقول «لم اعرف أن أزمة كورونا التي اجتاحت العالم بعد خطبتي بأيام قليلة ستمتد لفترة طويلة، قررت تأجيل الزفاف بناء على رغبة زوجتي التي رغبت في إقامة حفل يجتمع فيه الأهل والأحبة ووالدتي التي تتطلع لهذا اليوم منذ زمن كوني ولدها الوحيد، وضعت الميزانية المطلوبة لكني فوجئت عند التحضير للزفاف بحجم التكاليف والمبالغ الخيالية التي أنفقت على حفل القاعة والكوشة وفستان الزفاف وأجور المنظمين وغيرها من متطلبات غير ضرورية تتطلب مبالغ خيالية».
على الجانب الآخر، استثمر محمد سعيد سالم الطنيجي، الحفلات الجماعية التي تقام من قبل جمعية النهضة النسائية، «حالفني الحظ أن أكون ضمن الأشخاص الذين حظوا بمساعدة الدولة في تنظيم حفل الزفاف الذي كنت سأكون مضطراً لتأجيله لموعد غير معلوم بسبب متطلبات الزفاف من قاعة وفستان وزينة العروس ومأدبة العشاء وغير من تفاصيل أخرى مختلفة أغنتني عن الاقتراض وتوفير ما ينفق للبدء في حياة مستقرة».
غياب الوعي وإغفال دور الوالدين في ضبط تكاليف الزواج
تشير الأخصائي النفسي والاجتماعي نورة النقبي إلى إيجابيات جائحة «كورونا» «غيرت الأزمة فكرة المقبلين على الزواج تجاه حفل ما زال البعض يعتقد بأن مستوى حفل الزفاف هو فرصة لإظهار المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة، لذا يلجأون إلى الصرف ببذخ وإسراف على أمل أن يترك ذلك انطباعاً جيداً عنهم لدى الآخرين»، وتواصل "بعد أن كان يستعد للزواج قبل الجائحة بثلاثة مراسم لا تخلو من البهرجة والمبالغة، (حفل الخطوبة وحفل عقد القران «الملكة» وحفل الزفاف)، أصبح من إلزاميات الجائحة تقليص عدد المدعوين ليقتصر على 6 أو 10 أفراد من الرجال ومثله من النساء كما وصلت الأعداد بعد تخفيف القيود إلى 50 شخصاً ثم 100 بعد أن كانت تصل إلى ما يقارب 600 أو 700 شخص قبل الجائحة، وبالتالي انخفضت معها مبالغ كانت تنفق في حجز قاعة لإقامة الحفل ونفقات الضيافة، لذلك كانت الأزمة فرصة جيدة للراغبين في الزواج ممن يعاني ضغوطات مالية أو غير قادر على إقامة حفل زفاف مكلف".
توضح النقبي "على الرغم من الإيجابيات التي اختصرت من نفقات حفل الزفاف فإن هناك الكثير من العادات والتقاليد التي حرص المجتمع الإماراتي على الالتزام بها منها شراء الذهب والمجوهرات التي يبلغ ثمنها 100ألف درهم على أقل تقدير وزهبة العروس وفستان الزفاف"، تكشف أسباب عودة المبالغة في حفلات الزفاف "ما حدث في كورونا كان أمراً مرهوناً بالأزمة، وما يحدث سببه غياب الوعي وإغفال الوالدين عن توجيه بناتهم بخطورة التمسك بمتطلبات تفوق قدرة الزوج".
مشاحنات وخلافات بسبب أعباء العرس
تقف المدرب المحترف في التنمية البشرية واستشاري العلاقات الزوجية نورة القصير، عند مراحل المبالغة حفل الزفاف ونتائجها "يبدأ الزواج بمظاهر اجتماعية مبالغ فيها أولها مطالبة أهل الزوجة بمهر خيالي يفوق المبلغ المنصوص عليه في القانون، تليها زهبة العروس "الهدايا" عبئاً مالياً إضافياً على الزوج وما يتبعه من ضغوط نفسية لتلبية ما تبقى من أمور الزفاف كتجهيز القاعة وتزيينها واختيار الكوشة وتحديد عدد المدعوين واختيار نوع العشاء وملحقات العروس من فستان واختيار صالون التزيين وجلسة التصوير وملحقات أخرى لا حصر لها، في الوقت الذي يفترض فيه أن يقضي العروسين أجمل أيام من الفرح والسعادة والتخطيط للمستقبل ليجدوا أنهم بدأوا مسير حياتهم مكبلين بديون مالية لا حصر لها". بيد أن للمبالغة أبعاداً خطِرة ترصدها القصير "انحراف الزواج عن المسار المعقول وتكبيل الزوج بأعباء مالية كبيرة تجعله عاجزاً عن تحقيق رغبات الأسرة «الزوجة» لتبدأ معها مسلسل المشاحنات التي يمكن أن تصل للتذكير والمعايرة «عرسك كلفني........ هذا المبلغ» أو «أنا أفلست بسبب حفلة العرس»".
البذخ في الأعراس عادة دخيلة
ومن منطلق مقولة «رب ضارة نافعة»، يقول مدير عام مؤسسة صندوق الزواج السابق جمال عبيد البح «دربت جائحة كورونا الأشخاص على التباعد وتقليص عدد المدعوين والاقتصاد فكان التيسير في الزواج مبدأ صحيحاً وجميلاً»، يلفت «يبرز هنا أهمية دور الأسرة أولاً التي يقع عليها الجزء الأكبر في مسألة توعية الشباب المقبلين على الزواج، ودور الجهات المعنية في إقامة دورات وإعداد خطط استراتيجية ومناهج تدرس في الجامعات والمدارس إطارها توعية أبنائنا من خطورة الانجراف في دوامة الديون أو مشاكل الطلاق».
فيما يرصد البح «أهم أسباب خلافات ما بعد الزواج في جهل الشباب بفكرة الزواج الحقيقية في تحقيق الاستقرار والتمسك بمفاهيم خاطئة وغياب العمل الاجتماعي الإعلامي الثقافي واستبداله بحلول ترقيعية، نجد بعض الحلول ضمن الأعراس الجماعية التي تقيمها بعض المؤسسات ومبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه الشيوخ في إحياء حفلات زواج أبنائهم بمظهر احتفالي بسيط".
يكشف البح "على الرغم من تركز مظاهر البذخ في الأعراس على حفلات النساء بالدرجة الأولى، لكن لا يمكن إنكار تأثير جائحة كورونا التي انعكست بشكل إيجابي في ترشيد النفقات وتقليص عدد المدعوين والاستغناء عن بعض الشكليات"، يرصد الأبعاد الاجتماعية للمغالاة والبذخ في الأعراس "لم يكن المجتمع الإماراتي في يوم ما مجتمع مسرف أو مغالٍ وما نشهده اليوم هو نتيجة المرحلة الانتقالية التي عاشها في التسعينات والألفية في الانفتاح على المجتمعات والثقافات الأخرى والتأثر بطقوس غريبة فأصبح فستان الفرح وكوشة الزفاف وما يتبع حفلة الزفاف من إضافات تخضع لمقاييس معينة يمكن أن تنعكس بشكل سلبي في هدر للأموال ومشكلات اجتماعية ونفسية متسببة بارتفاع في معدلات الطلاق".
حفلات الزفاف الجماعية.. تيسير وبداية عقلانية
ترصد مديرة مركز النهضة للاستشارات الأسرية بجمعية النهضة النسائية بدبي عفراء الحاي «الكثير من الخلافات الزوجية مبنية على خلافات سبقت الزواج كالمهر العالي، وتكاليف الزفاف الكبير وما يترتب عليهما من ديون يصبح الزوج ملزماً بقضائها بعد الزواج فينعكس على مدخوله الشهري، وبالتالي يتعرض لعثرات مالية تجعله ينظر للزوجة على أنها سبب إشكاليات حياته».
توضح الحاي «لا تتوقف مشاكل حفلات الزفاف عند متطلبات الزوجة التي تطالب بحفل في قاعة بسعر خيالي وكوشة لدى مصمم مميز وفستان زفاف وزينة لربما تكلف مبالغ خيالية؛ بل لربما تكون لأم الزوجة أو أم الزوج رغبة في إقامة حفل زفاف مميز لولدها.. من خلال هذا الواقع تبنت الجمعية في عام 2014 مسؤولية تنظيم حفلات زفاف نسائية جماعية ترفع عن كاهل الزوج تواكب روح العصر وتناسب الجميع»، تشير إلى حجم الإقبال الذي شهدته حفلات الزفاف الجماعي خلال أزمة «كورنا»، «مع ظروف الوباء وحالة الإغلاق التي رافقتها زيادة مطردة في أعداد الراغبين في الزواج ارتأينا تخصيص شهر يختار فيه العروسان يوماً فيه حفل خاص تماشياً مع إجراءات لجنة الطوارئ والأزمات». تشير حواي إلى اهتمام المؤسسة في تقديم أفضل الخدمات «منذ تجربة العرس الأول كان لابد من استطلاع آراء العروسين والضيوف واللجنة المنظمة للخروج بنتائج تسهم في تحسين مستوى الخدمة، وفرنا قاعات زفاف أفضل مما لا يمكن لأي زوج توفيره وكوشة زفاف من قبل أفضل المصممين وعشاء فاخر وخدمة ضيافة مميزة، كما ترافق العروس مشرفة تعمل على مساعدتها اختيار فستان الزفاف وتهيئة جميع متطلباتها».
تكشف حواي شروط الاشتراك في حفلات الزفاف الجماعية التي تنظمها الجمعية:
- أن يكون الزواج الأول للزوجين «لا يكون أحد الزوجين أو كلاهما من الأرامل أو المطلقين».
- أن لا يشترك الزوجان في عرس جماعي آخر أو يقيمان حفل زفاف آخر.
- الاشتراك في البرنامج التأهيلي للمقبلين على الزواج الذي ينظم من قبل الجمعية.
- التزام الزوجين بجميع تعليمات اللجنة المنظمة.