لا يمكن إغفال أهمية ليلة الدخلة في تأسيس حياة زوجية سعيدة يتقاسم فيها الشريكان مسؤولية نجاحها واستمرارها، وبينما يكون المهم أن يظهر الزوج الحب والصبر والرعاية على الزوجة الإلمام ببعض تفاصيل هذه الليلة وإظهارها الرقة والاهتمام معبرة عن مشاعرها مشاركة زوجها السعادة والحماس لبناء علاقة زوجية صحية وناجحة.
تصف المرشدة الأسرية وأخصائية تعديل السلوك أسماء سويد، قداسة العلاقة الزوجية وأهميتها وعظمة مكانتها «سميت بالميثاق الغليظ، فهي علاقة متكاملة غير مقتصرة على علاقة الجسد، وإنما تتعداها لعلاقة عاطفية وإنسانية واجتماعية وروحية، علاقة تشاركية فيها من الانصهار والتمازج والتماهي ما يؤسس لحياة متكاملة الأركان، تقوم على السكن والسكينة والمودة والرحمة مباركة من أهل السماء والأرض، فيها من الاطمئنان والأمن النفسي والعاطفي والحب والود والوصل والقرب والتجاهل والتغافل ما يؤسس لعلاقة مستمرة متجددة مؤبدة».
بيد أن نجاح هذه الليلة يتوقف على عدة عوامل، تكشفها سويد «بين برمجة المجتمع وأعرافه وتقاليده وبين الثقافة الشخصية، سلبية كانت أم إيجابية، وبين الجانب النفسي للشريكين، نرى أمامنا حالات كانت ليلة البناء لهم ليلة الألم والتعب ليلة الخوف والتوتر، بل ليلة الهدم إن صح التعبير، ففي مجتمعاتنا العربية حتى اللحظة يعتبر الجنس أو الثقافة الجنسية أمر يجب السكوت عنه وعدم تداوله أو الحديث عنه من باب الحياء والخجل، والعيب والحرام والأدب وما إلى ذلك من المفاهيم، يكون الحديث عنه همساً ولمزاً دون تصريح في الجلسات النسائية والرجالية، لينتقل للأولاد والجيل الجديد أن الخوض في ذلك الموضوع غير متاح صراحة ويمنع عليك ذلك»، توضح سويد الآثار السلبية للجهل بالثقافة الجنسية «غالباً ما يلقى من يأتي سائلاً أو مستفسراً نصيبه من التقريع والتأنيب لنصل إلى تنشئة الجيل على انعدام مصادر المعلومات الثقة في هذا الموضوع، ليبدأ بالبحث بنفسه وتقصي الحقائق إما من الأصدقاء والمعارف ممن يجرؤ على الخوض في ذلك الأمر، أو من الشبكة العنكبوتية والأفلام والمواقع لتكون الحصيلة مشوهة بعيدة في كثير من الأحيان عن الفطرة السليمة.. ويزيد من الطين بلة خوض تجارب عملية خارج إطار الزواج ومحاولة تطبيق ذلك مع الشريك الذي يتوقع منه مجاراته في ذلك، كأنه صاحب خبرات وعلاقات والأمر سهل بالنسبة له، أو يجد نفسه في علاقة أحد طرفيها يعتبر نفسه مقبلاً على حرب عليه كسبها والفوز بها في سويعات ليتوجه منتصراً بالنتيجة المطلوبة بغض النظر عن مشاعر الطرف الآخر وما يختبره من توتر وقلق وخوف وربما انعدام الأمان العاطفي والنفسي، أو قد تكون بيئة التربية صارمة متشددة وكأن الحديث عن الجنس حرام يجب كبت كل ما له علاقة به لتكون النتيجة صورة سلبية بشعة تصطحب إلى ليلة البناء ونعجز عن إلغائها والتحرر منها، إضافة إلى الكثير والكثير مما لا يسع المقام هنا لذكره والحديث عنه».
توضح سويد أهمية الاستعداد لليلة الزفاف، أو ليلة البناء كما تصفها، «الاستعداد والتهيئة لهذه الليلية أمر مطلوب من الطرفين، حيث يبدأ الإعداد لها منذ فترة الخطبة بوعي ونضج وبمدى التوافق بين الزوجين، عمراً وفكراً وعقلاً وديانة، وبمدى الوعي الشخصي باحتياجات كل طرف عاطفياً وجنسياً وتوقعات الطرفين عنها.. مع الألفة ونمو الود والرحمة والسكينة بينهما. ولن نجد دستوراً موجهاً ومرشداً متكاملاً مثلما جاء في الكتاب والسنة في الإعداد لليلة البناء، بدءاً من قوله تعالى «خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، وانتهاء بـ «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم»، فالعلاقة الحميمة ليست مجرد حركات ميكانيكية تؤدى إنما هي تمازج وانصهار بين العقل والقلب والروح، علاقة تحتاج رصيداً عالياً من الأمن والأمان (لتتجاوز الضغوط النفسية والاجتماعية وربما الصورة الذهنية المشوهة أيضاً من الخوف والقلق)، مع امتلاك ذوقيات وآداب العلاقة من الصبر والود والحب والرحمة مع الهدوء وعدم الاستعجال، فالحياة بين الشريكين لا يمكن اختزالها بليلة وإنما لديهما حياة ممتدة بعد هذه الليلة، فإما تكون بداية لحياة ملؤها الألم والنفور والخوف، أو لبيت أسس على المودة والرحمة والسكن والسكينة، لتكون حياتهما كلها حياة».
تشير سويد إلى المشاكلات التي يقع فيها أغلب الزوجات في ليلة الزفاف والتي دائماً ما تتمحور حول موضوع الجهل بأسرار العلاقة الحميمة أو المعلومات المغلوطة عنها أو ممارستها في الليلة الأولى، وتوجز «قدرة الزوجة على احتواء الزوج عاطفياً والإحساس بالأمان النفسي يساعدها على تخطي مشكلة العلاقة الحميمة، كما يمكن أن يساعدها فهم سيكولوجية الزوج وزيارة طبيب مختص برفقته على تكوين فكرة عن العلاقة الحميمة وتصحيح بعض المفاهيم الخطأ عنها». تنصح المستشارة الأسرية «على الزوجة أن تكون ملمة بحقوقها وواجباتها تجاه هذه الليلة، فمن الناحية النفسية عليها أن تعرف أنها مقبلة على حياة جديدة يستمر انطباع الليلة الأولى فيها إلى نهاية العمر، عليها أن تكون متعاونة تبعاً للعادات والتقاليد، تبتعد عن التوتر والخوف والقلق الذي ينعكس بشكل إيجابي على الزوج، وفي السنة النبوية الكثير من الإرشادات والتوجيهات التي تساعد على تجاوز مخاوف ليلة الزفاف مثل تحضير عشاء خفيف في الغرفة أو بيت الزوجية يساهم في فتح المجال للحديث، ما يبعث روح الاطمئنان والأمان والألفة لدى الزوجة».