التعاطف يقرب القلوب والاعتذار يشفي الجروح العاطفية.. نصائح وقصص واقعية
مشكلة قد يراها بعض الأزواج بسيطة من دون أن يدركوا خطورتها، فالخلافات تُحدث جرحاً عاطفياً يظل ينزف، وتتسبب بتعميقه وعدم تجاوز آلامه، فبغياب ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ يظل أحد الطرفين يعاني نتيجة التغاضي، وعدم إظهار الاحتياج العاطفي للآخر، لتنتهي الخلافات بغلق ملفاتها من دون اندمال جرحها، ما دعا القائمين في مؤسسة التنمية الأسرية بأبوظبي، إلى تنظيم جلسة حوارية بعنوان «سحر التعاطف والاعتذار»، قدمتها الخبير الاجتماعي أمل عزام.
أمل عزام
بدأت أمل عزام حديثها بتحديد بعض المحاور، أولها: توضيح معنى الجرح العاطفي، مستدلة بقصة بطلتها فتاة اسمها مريم، شعرت بأن لديها موهبة الكتابة فألّفت رواية وعرضتها على والدها، وكلها شوق لسماع ملاحظاته، إلا أنها تلقت منه كلمات صعبة، وصفت وقعها عليها بالمؤلمة، وهو تعليقه لوجود خطأ إملائي في الصفحة الرابعة، ليتملكها شعور بالانكسار نتيجة عدم رؤية والدها سوى هذه الغلطة الإملائية. وبعد مرور سنوات استطاعت مريم أن تعي قيمة التعاطف، وكيفية التعامل مع الجروح القديمة ومداواتها، لتقرر أن تتحدث مع والدها، وتعبّر له عن أحاسيسها تجاه هذا الموقف المؤلم على حد وصفها، ليعلق بأنه رأى من خلال تلك القصة أنها ستصبح روائية كبيرة، ولم يقصد إيذاء مشاعرها، بل أراد أن تكون أفضل مما هي عليه، وهنا أدركت مريم أن والدها كان ينظر للرواية بعين المهندس الذي يريد للبناء بأن يستند إلى أساس متين، متغافلاً احتياجها النفسي، وهو تعاطفه مع ما بذلته من مجهود.
وتضيف أمل عزام «نستخلص العبرة من تلك القصة البسيطة، والتي تعد مثالاً لمسلسل الأحداث المتكررة في حياتنا، أننا جميعاً، نقع في فخ العقلانية والحرص على مصلحة الآخر، وننسى أن لمشاركة المشاعر موعداً محدداً، وطريقة معينة إذا لم تقدم في وقتها ستترك جرحاً كفيلاً بأن يُضعف من مقاومتنا عند التعرض لموقف مشابه، وتجعلنا عرضة لأن نفقد السيطرة على مشاعرنا المختلطة».
لماذا يحتاج الإنسان إلى التعاطف الوجداني؟
تعلّق أمل عزام «عندما يتعرّض شخص ما لظرف سيئ، أو ألم عاطفي، فإنه سيكون بحاجة إلى:
- من يتواصل مع مشاعره بعيداً عن الأمور المادية، كالموقف وتفاصيله.
- من يعمل على تهدئته وخفض حدة التوتر لديه.
- من يسمح له بالتعبير عما يجيش في داخله بحرية، ومن ثم التعاطف المتكامل والفعّال معه.
- من يجنبّه تلقي الاستجابات العقلية لعدم استعداده لذلك بسبب تألمه.
بيد أن هناك سمة الخلط عند البعض بين التعاطف والشفقة (العطف)، ما دفع الخبير الاجتماعي أمل عزام إلى توضيح الأمر، معلّقة «الشفقة تجعلك تغرق في شعورك بالأسى تجاه نفسك، أو الآخرين، والتركيز على المعاناة أو الألم بحد ذاته، ويتيح تدفق المزيد من المشاعر السلبية، ويتسبب بإحباطك، أو إحباط الآخر، ما يضعف الثقة العاطفية، أو بمعنى أوضح، فإن الشفقة تجعلك تتسول العاطفة، عكس التعاطف الذي يجعل الإنسان يبحث عن مخرج لنفسه، أو لغيره، من الأزمة التي يعيشها، وبالتالي الخروج من النفق المظلم المملوء بالمشاعر السلبية».
وتتحدث أمل عزام عن «استراتيجيات التعاطف الفاعلة»، مستشهدة بمثال لزوجة فقدت شريك حياتها، وجاءتها المعزّيات ليقدّمن واجب العزاء متبوعاً بالاستجوابات، وجمع المعلومات، ومزيد من الأسئلة حول سبب الوفاة، ووقتها، وكيفيتها، وطلب التوقف عن البكاء أمام الأبناء، وغيرها من التفاصيل التي تزيد من المشاعر السلبية لدى مكلومة الفؤاد، كما أن هناك من يواسيها بكلمات مملوءة بالحيوية، مثل «سوف تتجاوزين هذه الأوقات الصعبة»، «أنا متأكدة أن الغد سيكون يوماً أفضل»، فمثل تلك الشعارات الفضفاضة تجعل الزوجة تخجل من التعبير عن مشاعرها، وتحاول التماسك، ولو على حساب نفسيتها، في حين يمكن تقديم الدعم الذي تحتاج إليهه باستخدام كلمات ملموسة، وعلى أرض الواقع، مثل الاعتراف بصعوبة الموقف «ولكن نحن بجانبك نساندك وندعمك في مصابك».
قواعد التعاطف الفعّال مع الآخرين
تذكر أمل عزام مجموعة من القواعد المهمة ليكون تعاطفنا فعّالاً، وهي:
- إبداء الاهتمام بالشخص الذي تعرّض لأي حدث مؤلم، أو تظهر عليه ملامح الحزن.
- قراءة مشاعره التي تظهر عبر تصرفاته وتعابير وجهه وإشعاره بذلك، مع الحرص على تمييز المشاعر المؤلمة التي يشعر بها الشخص.
- الإنصات التفاعلي، مع التركيز على تفهّم واحترام مشاعر الطرف الآخر، وعدم إدانتها، أو الاعتراض عليها.
- إبداء الاستعداد بتقديم الدعم والوقوف بجانب الطرف الآخر وفق احتياجاته.
- التعبير عن المواساة والتعاطف المناسب بأقل كلمة ممكنة، ومشبّعة بالحنان، فالمتألم أحوج ما يكون للعاطفة، وكثرة الكلام سوف يقود إلى عالم الإدراك والمنطق، وهو (تجاوب غير مثمر).
وتضيف أمل عزام، موجهة حديثها بسؤال لحضور الجلسة الحوارية عن الاعتذار الفاعل عند الخلاف، وتبيّن «الاعتذار فن ومهارة اجتماعية له قواعده ولغاته التي علينا أن نتقنها، فعندما يتسبب أحدنا بإيذاء شخص ما، خاصة إن كان من المؤثرين في حياته، فإن هذا يخلق حاجزاً من الجفاء في العلاقة، وقد يصل الأمر إلى حد القطيعة...
وللتخلص من هذا الحاجز لابد من الاعتذار الفاعل لأنه:
- يعطي الأمل بتجديد العلاقة وتعزيزها بكسر حاجز الجفاء الذي ينشأ فيها.
- يخلّصنا من الشعور بالذنب ولوم الذات، وما يرافقه من أفكار سلبية.
- يساعد الآخر على أن يتسامح ويعفو ويتجاوز الإيذاء الذي لحق به.
- أما عن اللغات التي يجب استخدامها لجعل الاعتذار فاعلاً فمتنوعة، ومنها:
- التعبير عن الندم والأسف عما صدر من الشخص من سلوكات تسبب من خلالها في إيذاء الآخر باستخدام الاعتذار البسيط، والتعبير عنه بكلمة «أنا آسف»، أو «أقدّم اعتذاري».
- الاستسلام بقبول المسؤولية وتحمّل أفعالنا من دون تبرير.
- التعويض واتخاذ إجراء لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه، وما سبّبه من مشاعر الألم من خلال التعبير عن حبه وتمسكه بالعلاقة ونجاحها.
- لغة للاعتذار تتمثل في أن يعبّر فيها الشخص عن أسفه بتغيير سلوكه الذي تسبب بالإيذاء وطلب المسامحة وإبداء الرغبة الصادقة في الصفح.