هاجرت صديقتي مع أسرتها إلى السويد، وكبر أبناؤها هناك. حالتهم ليست فريدة، لأن آلاف العائلات العراقية ومن جنسيات عربية أخرى، تقيم اليوم في بلاد الهجرة والاغتراب. المهم أن علاقتي بها لم تنقطع رغم تباعدنا، بل توطدت بفضل وسائل التواصل الحديثة. أتصل بها بـ«المسنجر»، أو تطلبني عبر «واتساب»، وتفتح الكاميرا، ونتحدث، كأننا نجلس في غرفة واحدة.
لصديقتي ابنة شابة تزوجت قبل فترة من شاب من أبناء الجالية العراقية. الإثنان يعملان. العروس معلمة في مدرسة خاصة للّغات، وزوجها سائق شاحنة. وتبعاً لعمل الأب اضطرت الأسرة للانتقال للعيش في مدينة ثانية في أقصى الشمال. كان فراق الأهل صعباً، لكن سعادة الزوجين الشابين اكتملت بولادة طفل أنار الشقة الصغيرة، وملأها دفئاً. أخذت الأم الإجازة الطويلة المقررة لها بعد الولادة. لكن الأب رفض التمتع بالإجازة التي يتيحها له القانون، حاله حال أي أب لطفل حديث الولادة.
يمنح القانون السويدي الحق بإجازة أبوّة مدتها 144 يوماً وبمرتب كامل. والمُشرّع الذي وضع هذا القانون لم يهتم بارتفاع نفقات الحضانة، أو أجرة المربيات، بل لأنه يرى أن من الضروري أن يرعى الوالدان طفلهما معاً، لاسيما في أشهره الأولى. سيشعر الأب بالأعباء المترتبة على زوجته، وسيشاركها سهر الليالي، وتحضير مصاصات الحليب، ويساعدها في حمّام الطفل، وتغيير ثيابه، وأخذه إلى الزيارات الدورية للطبيب، وإعطائه اللقاحات المقررة للمواليد. الأبوّة ليست تباهياً بأنك أبو فلان، بل ممارسة يومية حميمة.
النواب في السويد لا يفوزون بأصوات الناخبين لأنهم يجيدون الخطابة، والتنافس الحزبي. يحصل النائب والنائبة على المنصب حين تقدم الأحزاب برنامجاً يولي مساحة واسعة لما يسمى بسياسة الأسرة، أكثر بكثير من السياسة الخارجية. العدالة بين الجنسين من أهم الإنجازات، والمرأة ليست مواطناً ناقص الأهلية، والطفل ملك في المجتمع.
حجة الزوج في رفض الإجازة أنه سيصبح أضحوكة لمعارفه من أبناء الجالية العربية. إن رعاية الطفل هي واجب الزوجة، أما واجب الزوج فهو الذهاب للعمل، ثم الجلوس في المقهى مع أصحابه لتدخين الشيشة. ولا تتعجبوا، فقد غزت مقاهي الشيشة، والسحلب، والكركديه، والينسون، بلاد أوروبا، وما وراء البحار.
لا تتعجبوا أيضاً حين تعرفون أن رجالاً كثراً يرفضون التمتع بإجازة الأبوّة لاعتقادهم بأنها تمسّ رجولتهم. البقاء في البيت يرهقهم، ويقلل من هيبتهم. يحبّون حمل الطفل حين يكون نظيفاً، ضاحكاً، شبعانَ، ولا يتقبّلون أخذه في الحضن وتقديم الحليب له.
أما تغيير الحفاظات فتلك الطامة الكبرى، ورابع المستحيلات. تعرّض الطفل لالتهاب وضيق في التنفس، شيء يشبه الربو، وكان من الضروري مراقبته ليل نهار، وإعطاؤه البخّاخ، ونقله إلى المستشفى عندما تتعسر الحالة. كانت الأم تنهار من التعب بينما زوجها بعيد عنها بسبب اشتغاله سائقاً على الطرقات السريعة. أرادت الاستعانة بوالدتها، صديقتي، لكن هذه لا تستطيع ترك بيتها، وزوجها، وبقية أبنائها. ما العيب في توقف والد الطفل عن العمل في هذه الحالة؟ أم أن تندّر الرفاق على «أبو فلان» أهم من صحة فلان؟