8 سبتمبر 2024

د. باسمة يونس تكتب: لماذا نحب شخصاً واحداً؟

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: لماذا نحب شخصاً واحداً؟

كتب الروائي الروسي دستويفسكي لحبيبته قائلاً:

هناك تسع نساء أجمل منك في الشارع الذي تقيمين فيه وسبع نساء أطول منك وتسع نساء أقصر منك وواحدة تحبني أكثر مما تفعلين، ولكنني أحبكِ أنتِ، وفي العمل زميلة تبتسم لي دائماً، وأخرى تستحثني على الكلام، والنادلة في المطعم الذي أرتاده دائماً تضع لي العسل بدلاً من السكر في الشاي، ولكنني أحبكِ أنتِ.

لا أعرف كيف يولد الحب، ولا أعرف كيف ترك قلبي كل النساء وجارتك التي تحبني والنادلة والبائعة واختاركِ أنتِ!

ولم يكذب دستويفسكي برسالته، فلا أحد يعرف من أين يأتي الحب ولا كيف يُولد، ما الذي يجعله مستمراً أو ينهيه، فهو شعور معقد امتد عبر العصور وكان ومازال أحد أسرار الحياة الأكثر إثارة للدهشة والتساؤل..

فكيف يمكن لشخص أن يختار شخصاً واحداً فقط من بين العشرات، بل ربما المئات من البدائل، ويبقى مخلصاً له حتى النهاية؟ وكيف يمكن أن يعمى بصر شخص عن رؤية كل من حوله؛ لأنه لا يستطيع سوى رؤية وجه محبوبته؟

وللإجابة على هذا السؤال أكد العلماء أن الحب مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية التي تلعب دوراً في هذا السياق، فالتوافق العاطفي يلعب دوراً كبيراً في تفضيل شخص واحد على الآخرين..

عندما يجد الشخص شريكاً يتوافق معه عاطفياً وفكرياً، يشعر بنوع من الانجذاب العميق الذي يتجاوز الشكل الخارجي والصفات السطحية، هذا التوافق يعزز من الروابط القوية ويجعل الشخص يشعر بالراحة والأمان بجانب هذا الشريك؛ لأن العلاقات التي تقوم على التفاهم المشترك والاحترام تكون أكثر استدامة وتماسكاً.

وينمو الحب ويزدهر من خلال الذكريات المشتركة والتجارب التي يمر بها المحبان معاً بغض النظر عن نوعها، فيمكن أن تكون هذه التجارب إيجابية، مثل الأوقات السعيدة والاحتفالات، أو سلبية، مثل التحديات والمحن التي تجاوزاها بنجاح..

هذه التجارب تسهم في بناء تاريخ مشترك يعزز من الروابط العاطفية ويجعل الشخص يشعر بأن الشريك جزء لا يتجزأ من حياته.

وتسهم عوامل بيولوجية في تحديد الشخص الذي يقع في حبه، وقد أظهرت الأبحاث أن هناك هرمونات معينة، مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين، تلعب دوراً في تعزيز الروابط العاطفية والشعور بالتعلق عندما يفرزها الجسم بحيث يشعر الشخص برغبة قوية في الحفاظ على العلاقة مع شريكه وتجنب أي بدائل أخرى.

أما القيم والمعتقدات الشخصية فهي تلعب دوراً مهماً في تحديد من يختاره الشخص ليكون شريكه الوحيد.

ويميل الأشخاص الذين يؤمنون بأهمية الوفاء والإخلاص في العلاقات الزوجية إلى التمسك بشريك واحد، فهذه القيم تعزز من الشعور بالمسؤولية تجاه الشريك والرغبة في بناء علاقة مستقرة ومستدامة.

ورغم أن الحب يتغذى بداية على المظهر وعلى الجاذبية الخارجية للمحبوب، لكنه ومع مرور الوقت يتغير وتصبح الصفات الشخصية والروحانية هي الأساس الذي يستند إليه الحب عندما يجد الشخص شريكاً يتوافق معه على مستوى الروح والقيم ويصبح هذا الشريك هو الخيار الوحيد في نظره.

ومع هذا فما يقوله العلماء لا يكشف سر الحب الذي يجعل شخصاً لا يحب سوى شخص واحد رغم وجود عشرات البدائل والتحديات التي قد تواجه العلاقات، وما زلنا نبحث عما يجذبه أولاً ومن ثم يبقيه مستمراً للأبد.

 

مقالات ذات صلة