من الألم المبرِّح إلى الأمل المتجدِّد.. "كيف يشفى القلب من جراح الحب؟"
في لحظتها، نظن أن جرحنا لن يشفى أبداً.. ومع هذا، فإن الشفاء بعد طلاق أو قطيعة أو نهاية قصة حب، أمر ممكن.
في كتاب «كيف يشفى القلب من جراح الحب؟»، تستند المؤلفة، باتريسيا ديلاهاي، إلى شهادات ومقابلات عديدة، ليستخلص خمس مراحل يجتازها المرء من القطيعة إلى الشفاء وإلى حياة جديدة وأمل جديد.
في لحظة القطيعة، نشعر أن أجلنا قد حلَّ موعده، وأننا لن نتمكن من الوقوف على قدمينا مجدداً أبداً، ثم كلَّا.. بعد مرور بضعة أشهر أو سنوات قليلة، نتذكر أننا قد تألمنا «حتى الموت» كما يقول بعضهم، لكن الألم صار نوعاً من فكرة مجردة، يبقى منه بعض الصور لكن الجرح العميق قد زال، نعم بالطبع يمكن أن نشفى من جرح الحب أو الطلاق أو القطيعة لنحب ونتزوج من جديد.. لكن بعد أن نجتاز خمس مراحل.
زمن الآلام
هل من طريقة جيدة للانفصال بعد فترة طويلة من الحب والمشاركة والثقة والاستسلام العاطفي؟
كل من مرَّ بهذه التجربة يؤكد أن الألم لا مفر منه، يكون أقل بالنسبة لمن يقرر الانفصال، لكنه حاضر مع هذا، ومن المؤكد أنه شديد بالنسبة لمن لم يقرر الانفصال، علماً أن حدته ومدته تختلفان بحسب ظروف القطيعة والتفسيرات التي تُعطى وجراح الحب والطفولة التي توقظها.
وتختلف كذلك بحسب الآمال التي قد وضعت في هذه العلاقة التي كنا نظن أنها «أبدية»، أو ربما أدركنا بُعَيْدَ بدايتها أنها ستكون محدودة زمنياً، كل الصعوبة في هذه الفترة المؤلمة هي ألا نزيد الطين بلّة، فنحن في العموم نميل إلى لوم النفس وتوبيخها، نتهم أنفسنا بأننا فشلنا وأننا عاجزون عن الاحتفاظ بمن نحب..
بالطبع الثقة بالنفس في هذه الأمور تشهد محنة شديدة، وأحياناً تكون الكلمات التي نوجهها لأنفسنا قاسية جداً، ولا ندرك أن الآخر الذي تركنا يحتاج إلى أن يرمي كل ثقل الأخطاء علينا حتى يبرر ما فعل.
من أجل تحمُّل زمن الآلام والحد منه، علينا أولاً تجنب هذه الاتهامات التي ترش الملح على الجرح، وعلينا أن نجد الطاقة اللازمة حتى نعمل من أجل أنفسنا وليس ضدها، فنتفهم ذاتنا ونكون رحماء بها.
زمن المخاوف والفوضى
أدركتم أخيراً أن هذه القصة قد انتهت، على الأقل بالنسبة إلى الطرف الآخر، وستبدؤون في التفكير به مستخدمين صفة «السابق(ة)» الذي يترك شعوراً بعدم الاكتمال.. شعوراً صعباً.. ننتقل من الغضب إلى الحزن وإلى شكل من أشكال الفرح، إذا ما تمكنّا من القيام بما يسعدنا.
بيد أن عدداً من المخاوف سيحيط بنا: الخوف من المستقبل، من قلة الموارد المالية، من عدم العثور على عمل، من تربية الأطفال لوحدنا أو من عدم الإنجاب، من عدم العثور على من يبادلنا الحب، من عدم معرفة كيف ومن نحب..؟، هذه هي مسيرة الذي يعاني بسبب القطيعة الطبيعية، هي مسيرة لا بد منها، مثلما أن التئام الجرح وشفاءه لا بد منهما، فلنقبل بتفهُّم كبير حالة الغضب والخيبة وفقدان الاندفاع والانطواء على الذات وقضاء النهار أحياناً متكورين في السرير.
نقول إنه يجب أن نقبل بتفهّم ولكن بدون استرسال، لأن هذه الانفعالات الطبيعية تصير مع الزمن كاريكاتورية، أي أنها تتضخم، فيتحول الغضب إلى كراهية وربما إلى انتقام، ويتحول الحزن إلى اكتئاب والخوف إلى نوبة رهاب، يصعب العثور على توازن، ولكن في قلب هذه الرحلة المؤلمة لا بد أن نجد حلفاء لنا ونكتشف على وجه الخصوص أن لدينا قوة داخلية نستطيع أن نعتمد عليها.
زمن مراجعة الحسابات
حسناً، لقد مررنا بالغضب والحنق وأفكار الانتقام والحزن و ربما الاكتئاب، الخبر الجيد هو أنكم قد اجتزتم الأسوأ وانتهيتم منه ولم يصيبكم أي انهيار دائم، أي أن الأسوأ قد انتهى، ما يزال أمامكم فترات صعبة لكنكم تستطيعون البدء بفترة الاسترخاء والراحة، لتباشروا شيئاً فشيئاً استخلاص الدروس من هذه الحكاية، وما من درس لا فائدة منه.
أنتم الآن قادرون على مراجعة حساباتكم بشجاعة لتطرحوا على أنفسكم الأسئلة الأساسية: ما الذي حدث حتى تنتهي هذه الحكاية؟ أين تكمن مسؤوليتنا الخاصة، إن كان لدينا في نهايتها أي مسؤولية؟ وفي حال كانت العلاقة لا تبشر بالخير من بدايتها، لماذا غامرنا ودخلنا فيها؟ لماذا جرحنا هذا الانفصال إلى هذه الدرجة..؟
حين نصير هادئين بما فيه الكفاية حتى نحلل بدم بارد الأمور، نشعر بارتياح أكبر عندما نفهم ما حصل، زمن الحسابات لا بد منه حتى لا نبقى تحت وطأة الإحساس بالفشل، وحتى لا نتحجر في حالة من الكراهية، وبالأخص حتى لا نقع في تكرار قصص الحب والعلاقات الهدامة.
يُقال عادة إن الطرفين مسؤولان بشكل متساوٍ عن فشل العلاقة، وهذا خطأ! حتى تستمر العلاقة يجب أن تضم طرفين، بيد أن الشريك قد غادر المركب، هل كان هذا الأمر متوقعاً؟ ليس على الدوام، وفي حال كان متوقعاً هل نظن بسذاجة أن الحب قادر على كل شيء؟ وأنه لو فعلنا هذا الأمر أو ذاك، لكان قد بقي؟ لكن هذا يفترض أنه يمكن التحكم بالحب بواسطة المناورات.
كان يقال في السابق عن المرأة التي تحتفظ بزوجها: «هي ممسكة به!»، لكن هل يحبها؟ أليست ممسكة به لأسباب لا علاقة لها بالمودة ولا بالحب ولا بسكن الواحد للآخر؟ في هذه الحال، يكون الطلاق داخلياً، وقد ينام كل واحد في غرفة، ويتكارهان بتهذيب إلى هذا الحد أو ذاك.
أما القول «إني لم أقم بما ينبغي أن أقوم به»، فهذا يعني أن ثمة زيجات مثالية، وأزواجاً اكتشفوا السر لجعل حياتهم معاً حياة أبدية، لكن كلا هم يعيشون كما الآخرين لحظات وئام ولحظات خصام وأخرى فارغة من أي شعور بالحب، الفرق الوحيد هو أنهم قرروا البقاء معاً في السراء والضراء، وحل مشكلاتهم على أفضل وجه.
إن فهم ما جرى لا يعني أن تبحثوا لأنفسكم عن أخطائكم، بل أن تفهموا ببساطة ما الذي حصل..
زمن طي الصفحة
لقد أحطنا بالمسألة من كل جوانبها، ونعلم الآن لماذا ناسبنا هذا الشخص ولماذا كان من المستحيل على العلاقة أن تدوم؟، لقد فهمنا ما جلبت علينا من آلام، ينبغي ألا تتكرر، ومن سعادة يجدر البحث عنها، بفضل جرد الحساب الضروري هذا، تمكنّا من وضع معايير جديدة لعلاقة الحب والزواج..
أنتم تعرفون الأشياء التي لن تقبلوا بها بعد الآن والتنازلات التي لن تقوموا بها..والأخطاء التي ينبغي تجنبها، إن مجرد تحديد هذه الأمور بالنسبة إليكم يجلب لكم سلاماً داخلياً؛ لأنكم قبلتم بفكرة أنكم لم تضيعوا وقتكم في هذه العلاقة وقد علمتكم الكثير عن الحب وعن أنفسكم، وقد آن أوان طي الصفحة للعيش في الحاضر والتطلع إلى المستقبل بثقة أكبر.
جميلة تلك اللحظات التي نستطيع فيها أن نقول أخيراً: «أنا من لا يريدك بعد اليوم، حتى لو رجعت إليَّ..»، لقد كشفنا عن كل ما كان يثقل علينا في هذه العلاقة وقد قبلنا به بدافع من حب، استعدنا التوازن الداخلي واكتشفنا طاقات وقدرات في داخلنا قادرة على إطلاقنا في هذه الحياة، لقد رتبنا حياة لأنفسنا، تحمل بعض العثرات بالطبع لأن العيش وحيداً ليس بمسألة سهلة دائماً، لكنه عيش بسلام على الأقل، أما الخجل والغضب والحزن فهي مشاعر تتضاءل يوماً بعد يوم، لقد خطونا أولى الخطوات نحو حياة جديدة.
زمن آفاق السعادة الجديدة
ثم تأتي اللحظة التي يمكن أن نقول فيها: «يحيا الانفصال!»، هي لحظة تأتي بعد بكاء وعذاب وصراخ ويأس.. لتتأكدوا من صحة قول الصديق أو الصديقة: «سيأتي يوم تشكرونه فيه على أنه هجركم»، هذا لأنكم استعدتم حب الحياة ولأنكم ارتكزتم على هذه الانفصال من أجل أن تفتحوا أمامكم مجموعة من النوافذ، حتى تستعيدوا أنفسكم و تلتقوا في ما بعد بالحب الحقيقي، أي الحب الذي يحمل ثماراً للمستقبل، الحب الرقيق الذي يقدم في سلته ما لم يكن يخطر على بالكم.
بالطبع، لقد شربتم المرار إلى درجة كبيرة، تدفعكم إلى الشك بأن تكون السعادة على منعطف الطريق، وصحيح أن شرطها هو التوقف عن الخلط، في حال كنتم تفعلون، بين المرأة أو الرجل الذي تسبب لكم بهذه التعاسة وبين كل النساء وكل الرجال، والشرط الآخر هو عدم الظن أنكم لا تستحقون الحب لأنكم أغبياء أو قبيحون أو تخطيتم السن.. إلخ.
باختصار، إن لقاء سعادة مشتركة جديدة يفترض أن تظلوا منفتحين على الحياة وعلى الآخرين، وأن تظلوا مرنين أيضاً، أي أن تكونوا قادرين على التخلي عن تلك الراحة التي اكتشفتموها في الحياة لوحدكم، والتحلي على وجه الخصوص بالأمل والتفاؤل لأن صدف الحياة تقدم لنا كذلك مفاجآت رائعة.
اقرئي أيضاً: كوني قوية.. مراحل التعافي من الانفصال