في الموقع الإلكتروني لصحيفة «لوموند» زاوية صوتية بعنوان «ذوق العالم». والمقصود بصوتية أنها تشبه مقابلة إذاعية، تستضيف فيها الصحيفة إحدى الشخصيات البارزة في مجال الثقافة والفنون لكي تدلي برأيها في موضوع يتعلق بميول الناس. كيف يعجبون بهذا وينصرفون عن تلك؟ لماذا تظهر موضة وتختفي أخرى؟ ما الذي يحدد أذواق ما يسمى بالرأي العام؟
لا أدري إن كانت «كورونا» قد تركت متنفساً للموضة والأزياء. إن المواسم تتعطّل والعروض تُلغى وأنيقات العالم يشاهدن خطوط الصيف المقبل وهن جالسات في بيوتهن. بينما تتمايل العارضات أمام الكاميرات في صالات بدون جمهور، أو وهن يرتدين الكمامات.
الكمامة هي قطعة الثياب الأكثر شهرة وضرورة في هذا الموسم. قالت لي صديقتي إنها لم تغيّر ثيابها منذ بداية هذا العام. تخلعها وتضعها في غسالة الثياب، مساء، وتعاود ارتداءها في الصباح. لا لقاءات ولا حفلات ولا مطاعم ولا أسفار.
أستمع إلى «ذوق العالم» وهو يستضيف مصمم الأحذية الفرنسي كريستيان لوبوتان. أقول لنفسي إن التسميات ترتقي بالمرء حتى لو كان متخصصاً بأوطأ ما ننتعله في الأرجل. ففي العادة، كانت صفة «قندرجي» هي التي تستخدم لمن يمتهن صناعة الأحذية. وهي مهنة أساسية منذ أن انتقلت البشرية من التحفي إلى ارتداء المداسات. كان الإنسان الأول يلفّ قدميه بأوراق الشجر ثم تعاقبت العصور وصارت أغطية الأقدام فناً وحرفة وموضات. إن المسيو لوبوتان هو اليوم واحد من مشاهير هذا الفن. وفي فرنسا يدرجون تصميم الأزياء والأحذية والقبعات في خانة الثقافة.
نال لوبوتان ثلاثة أرباع شهرته حين خطر على باله أن يصبغ أسفل الحذاء النسائي باللون الأحمر. وهنا لابد أن يكون الحذاء أو «السكربينة» ذا كعب عال لكي تتبين الأعين لون النعل. تهافتت السيدات الموسرات على النعال الحمر وصارت علامة للمعاصرة وميداناً للتنافس. أما الأقل يُسراً فقد لجأن إلى التقليد. وسارعن إلى قنينة طلاء الأظافر وصبغن أسفل الحذاء بالأحمر. حيلة سريعة لا تكلّف شيئاً. الأصلي بكذا مئة يورو والتقليد ببلاش.
ماذا يقول لوبوتان في المقابلة؟ إنه يتحدث عن طفولته والعطلات الصيفية الخالية من المفاجآت، وعن حبه للأفلام الهندية والمصرية. أعجبته سامية جمال وهي ترقص في الفيلم الفرنسي «علي بابا والأربعين حرامي». كان يستعجل أن يكبر لكي يرتاد المراقص في باريس. لكن حياة اللهو تحتاج نقوداً، وهو لا يملك سوى مهارة اليدين. يقول إنه تعلّم الاعتناء بالتفاصيل من أبيه. كان أبوه يشتغل صانعاً للخزائن في القطارات. أما هو فقد اشتغل في ورشة لصناعة الأحذية. ثم فتحها الله عليه.
تسأله المذيعة «لماذا تحب النساء الكعب العالي؟». ويجيب بكل بساطة «لأنهن يحببن الكعب العالي».
أنا لا أحبه لكنني أحب الفرجة على الكعب العالي حين ترتديه امرأة تعرف كيف تمشي به برشاقة لقلق. لقد هجرت الكعوب منذ سنوات وارتحت للأحذية المسطحة والرياضية. شعاري: أبعد عن الكعب وغنّ له. وبما أن مسيو لوبوتان يحب السينما المصرية، يخطر على بالي أن أبعث له تسجيلاً لفيلم شادية الذي تغني فيه «جيت مخصوص بالكعب العالي/ لأجل تقول صبحت لايقالي». مع ترجمة الأغنية، طبعاً.