25 نوفمبر 2024

د. هدى محيو تكتب: هل كل اعتذار مقبول؟

أستاذة وباحثة جامعية

Regretful girl begging forgive to her annoyed friend in the night at home
Regretful girl begging forgive to her annoyed friend in the night at home

لا أحد كامل، ولا مثاليّ، وكل واحد منا معرَّض لأن يسيء إلى الآخرين، من حيث يقصد، أو لا يقصد، ومطلوب منه أن يقدم اعتذاره، كما مطلوب من المتضرِّر ألا يكون حقوداً، وأن يقبل الاعتذار، وينسى الإساءة. لكن، هل يمكن للمتضرِّر أن يقبل اعتذاراً يتخذ الصّيَغ التالية، مثلاً: «لا تضخّم الأمر، عزيزي، ثمة مشكلات أعظم في هذا العالم»، أو «لا تكن بهذه الحساسية، أنا لم أكن أنوي إيذاءك، صدّقني»، أو أيضاً «كنتُ شديد التوتر مع كل الضغط الذي أعيشه»، وأسوأ ما يمكن من أعذار هو أخيراً: «أنت مسؤول أيضاً، لو لم تقل كذا، ما كنت فعلت كذا...»، أي تحميل المسؤولية للمتضرِّر.

هذا يعني أنه لا ضرورة لتقديم هكذا اعتذار لا يستطيع من ألحقت الأذى، المعنوي أو الجسدي، به أن يقبله. فما هو الاعتذار المقبول، وماذا يجب أن نقول، أو نفعل؟

تفيد أبحاث علماء النفس بأن نجاح الاعتذار يعتمد على الطريقة التي ينظر بها المتضرِّر إلى نفسه في علاقته مع الآخرين. فمنهم من يقيم وزناً لتطبيق العدالة والقانون في العلاقات بين الناس، ويهمّه ما يمكن أن يفعله المسيء إليه للتكفير عن ذنبه معه. ومنهم من يقيم وزناً للعلاقات الوثيقة مع المقرّبين منه، ويهمّه أن يتعاطف المسيء إليه معه بكل صدق. ومنهم من يقيم وزناً لهوية الجماعة، حتى من دون علاقات شخصية، ويهمّه أن يعترف المسيء بمسؤوليته. بالتالي، يجب أن يتلاءم الاعتذار مع نوع شخصية المتضرّر.

هذا حسن، وجميل، لكن لا يمكننا دائماً أن نعرف إلى أي نوع ينتمي من أسأنا إليه، فماذا نفعل؟

يقول الخبراء إن أفضل اعتذار هو خليط من العناصر يغطّي الأنواع المذكورة آنفاً، ويتضمن ثلاثة عناصر مهمة، هي:

أولاً، الاعتراف الصادق من قبل المتسبب بالإساءة بفعلته، فتقليص أهمية الإساءة هو إساءة أخرى، والاختباء خلف النوايا الحسنة كذلك. والاعتراف الصادق يعني أن المسيء مستعد لأن يتحمّل مسؤولية فعلته، والأضرار التي ألحقها بالعلاقة. وهذا ما يأخذنا إلى العنصر الثاني، وهو تضمين الاعتذار بعداً شعورياً على شكل تأنيب ضمير، أو خجل، أو شعور بالذنب. فهذا الانكشاف المتواضع للمسيء أساسي حتى يُعتبر الاعتذار صادقاً، ويبين اعتراف المسيء بالألم الذي تسبب به. ثالثاً وأخيراً، يتعيّن على المسيء أن يبدي استعداده التام لإصلاح ما أفسده، بأي طريقة كانت، سواء أكانت مادية، أم رمزية، كالاعتراف العلني بما فعله، ولا يضرّ أن يترافق هذا العنصر بوعد صادق، ألا يتكرر هذا الأذى مرة أخرى.

هذا هو الاعتذار الصادق والمقبول، والذي يثبت أننا أشخاص نحترم أنفسنا، والآخرين.