هل سئمت عيون الشباب من رؤية العالم رماديّاً؟ هل أصبحت الحاجة إلى التعبير، عن الذات وعن الإبداع، أكثر إلحاحاً؟
تبدو الإجابة واضحة، فقد بات الفن ملاذاً آمنًا للكثير من الشباب الذين اختاروا أن يكونوا روّاداً للتغيير، وأن يسهموا في بناء مجتمع أكثر إبداعاً وجمالاً، بدلاً من الانسياق وراء التيارات الحديثة السائدة.
شباب كثر قرّروا الهروب من زحام الحياة المعاصرة، والاتجاه إلى عالم الألوان، والفرشاة، ليعيدوا اكتشاف جمال الحياة البسيطة، وما فيها من إبداع في الإمارات التي تلهم العالم كلّ ما هو جميل، وإيجابي، ليضيفوا لمسة رقيقة من الروية والهدوء إلى عالمنا المتسارع، من خلال تعلّم الفن، واكتشاف الفرص الكامنة فيه، خصوصاً أن جيلهم يحب الإبداع، ويعزز الاختلاف، والخروج عن المألوف.
التقينا عدداً من الطلبة في «مركز جميل للفنون» خلال فعالية «تجمع المهن الإبداعية»، في نسختها الثالثة التي أحياها المركز، أخيراً، بدعم من وزارة الثقافة، وشارك فيها عدد من الشباب المبدعين.
الفن عنصر أساسي في كل الأعمال
يقول فارس الفضل «اختيار الفن هو طريقة لتحقيق أحلامنا، وتحقيق رغبتنا الملحّة في ترك بصمة إيجابية في العالم. فمن خلال الفن نستطيع التعبير عن المشاعر، والأفكار، ونستطيع التواصل مع الآخرين على مستوى أعمق. كما أننا نُسهم في تجميل البيئة المحيطة بنا، ليس برسم لوحات فحسب، فالفن يشكّل اليوم عنصراً أساسياً في أيّ عمل، ويجعله أكثر جاذبية، وإبداعاً، من تصميم المنازل والمكاتب، إلى صناعة الألعاب الإلكترونية، حتى الأواني التي نستخدمها لا تخلو من لمسات فنية، وجيلنا يحب هذه اللمسات، ولا يرضى بالأشياء الاعتيادية الخالية من الإبداع، لذلك فإن دراسة الفن وسيلة للعمل في مجالات عدّة، وغير محدودة».
التصوير قصة إبداعية
قرّرت غلا عبدالله دراسة التصوير كي تنقل قصص العالم من خلال عدستها، وتوضح «لن نترك التكنولوجيا تتحدث عنّا، فالتصوير هو وسيلتنا لإيصال المشاعر والأفكار في اللحظة ذاتها، فالمصور لديه نظرة وبُعد يختلفان عن الإنسان العادي، فهو يسرد قصة هذه اللحظة، ويمكنه توظيف هذه القصص في أشكال عدّة، وفي مجالات مختلفة، وهي مهنة سامية قبل أيّ شيء».
تغيير الصور النمطية
أما أسما المرزوقي، وشما محمد، فقد قرّرتا دراسة الهندسة والطب، ولكنهما في الوقت ذاته تبحثان عن سبل لإضافة الفن إلى مهنتيهما مستقبلاً، وتبيّن أسما «علم الهندسة نافع مع الفن، واليوم أصبحت اللمسات الفنية أهم من التصميم المعماري، لذلك قرّرت الاطلاع أكثر من خلال دراسة الفن، لأنه سيكون العالم الأبرز في أيّ تصميم هندسي».
أما شما فقد لفتت إلى أن «عالم الطب والأدوية من أقسى التجارب التي يعيشها كل من يصاب بالمرض، لذلك التفت العالم، أخيراً، إلى ضرورة تغيير الصور النمطية للمستشفيات، ومراكز العلاج الطبية، من خلال الفن، حتى شكل علب الأدوية التي تقدم للمرضى تحتاج إلى لمسة فنية لتحسّن حالتهم النفسية، وتعجّل في شفائهم».
وظيفة القيّم الفني
تحدثت كل من دانية التميمي، وزميلتها حصة النعيمي، عن دورهما كقيّم فني في وظيفة لا يعلمها العديد من الشباب المقبلين على دراسة الفنون «يعمل القيّم الفني خلف الكواليس كرابط بين الفنان وأفراد المجتمع، أو الجهة التي يعمل معها، بتوجيه الطرفين إلى كيفية سرد القصة التي يريدان إيصالها للجمهور، من خلال الأعمال الفنية التي ينفذها الفنان، وهذه الوظيفة تستقطب العديد من الشباب، خصوصاً أنها متشعّبة، وتحتاج إلى مهارات عدّة، وليست فنية فقط».
التوازن بين العقل والقلب
أما محمد طباخ، فيسرد مساره الذي اختاره «في عالم يسعى فيه الجميع إلى النجاح والتفوّق المادي، قرّرنا سلك طرق مختلفة، فالإمارات بلد جميل، وبيئة ملهمة للإبداع، والمدرسة تشجعنا على أن نستثمر وقتنا وطاقتنا لتطوير مواهبنا الفنية، كي نتواصل مع المجتمع بطرق إبداعية، الأمر الذي ينعكس على مختلف قطاعات العمل، في المجتمع كافة، ويحقق التوازن بين العقل والقلب، لا سيما وأن الإمارات مركز لانطلاق العديد من المشروعات التي تشمل فروعاً عدة، وتحتاج إلى عوامل جذب إبداعية، خصوصاً في العملية التسويقية، بل وفي تأسيس المشروعات ذاتها قبل انطلاقها».
سدّ الفجوة بين المواهب الصاعدة وقطاعات الإبداع المتنامية
وفي تعليقها على الحدث، صرحت أُنس قطان، نائب المدير ومسؤول برامج الأبحاث والتعليم في «فن جميل» قائلة: «يسعدنا التعاون مع وزارة الثقافة في النسخة الثالثة من «تجمّع المهن الإبداعية» الذي يبرز الفرص المتنوّعة والمتغيّرة والمتزايدة، في القطاعات الإبداعية المختلفة، والذي نجح في تجسيد الاهتمام الواسع بمنصات دعم الإبداع بجمهوره الذي زاد على 5000 زائر، في النسختين السابقتين، كما نُعد في «فن جميل» التعلم من خلال الفنون جزءاً أساسياً من مهمتنا، حيث نوفر فرص تدريب بدءاً من المرحلة الابتدائية، وحتى التعليم المستمر، للمتخصصين في مختلف المجالات الإبداعية. و نُعمّق التزامنا نحو كل هذه الفئات بإطلاق مورد إلكتروني مبتكر، لتوجيه الجيل القادم من المبدعين، وعرض قوائم لفرص العمل المتاحة، وتوفير المشورة المهنية. كذلك، نفخر في «فن جميل» بتقديم مساحة تعزز الاستكشاف والتمكين للطلاب، والباحثين عن عمل، على حدّ سواء».