في عيد الحب.. مفاجآت وهدايا وأفكار غير متوقعة تلهب المشاعر وتعزز الروابط
دائماً ما يرتبط عيد الحب بتقديم الهدايا، حتى لو كانت رمزية، إلا أن هناك وقعاً أكبر على النفس للمفاجآت غير المتوقعة، كأن يفاجئ الشخص زوجته بنزهة ما، أو التنسيق لرحلة خارج الدولة بغرض الاستجمام، أو بحجز طاولة لتناول العشاء في مطعم يفضله، في محاولة للتعبير عن الحب والخروج عن نسق روتين الحياة اليومية.
تُرى هل يؤدي التخطيط، والترتيب المسبق لهذه الهدية المغلفة المفاجئة، إلى إحداث تأثير يجدد العلاقات والأواصر بين الأحباب، أم يظل تقديم الهدية بشكلها المعتاد وبقيمتها المادية، رمانة الميزان؟
التهادي والمفاجآت السعيدة أساس دوام العلاقات
تقول د. فاطمة الغرباوي، محاضر في قسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة، «تُعد العلاقات الاجتماعية جوهر البقاء الإنساني، خصوصاً السوية منها، لكونها تنشئ مجتمعات قوية ومستدامة، أما العلاقات الهشّة فتبني مجتمعات مفكّكة، ضعيفة، مملوءة بالصراعات، والتي تؤدي إلى طبيعة عدوانية تشوبها المشاكل، والتناقض المستمر».
وتتابع «تتمثل العلاقات الاجتماعية في المواقف، والتكامل، وحفظ النمط، والتكيف، وتحقيق الهدف، ويعتبر التهادي أو التبادل في العلاقة الاجتماعية، أساساً لدوامها واستمراريتها، على اختلاف زمانها ومكانها، فلا يمكننا عزل أنفسنا عن المجتمع الخارجي، خصوصاً في الاحتفالات ذات الطابع الإنساني، مثل أعياد الميلاد، وعيد الأم، وعيد الحب، وغيرها، فقد يعتقد الفرد أنها غير مُجدية، ومن غير الضروري التعامل معها، وبطبيعة الحال، فإنها تفرض نوعاً من التفاعل والعلاقات الاجتماعية، بشكل خاص في السياقات التي تحتفي بمثل هذه المناسبات.
ولذلك، لابد من إشباع النسق، والاحتفاء والتهادي، بل وصُنع المفاجآت في بعض السياقات، وفقاً لطبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد، والتي قد تضع توقعات عندما يرتفع سقفها، وعندما لا تجد صدى ذلك يحدث انهيار لدى الفرد الآخر، ويؤثر ذلك في العلاقة الاجتماعية برمّتها. فطبيعة العلاقة والتفاعل الإنساني هي التي تحدد طريقة وأسلوب الهدية، والتبادل، وطريقة المفاجأة، أو الاكتفاء بالتعبير الشفهي فقط، وهي ما تحدّد تأثير هذه الهدية، وهذا التبادل الذي يبدأ من مجاملات اجتماعية بسيطة للتخطيط والترتيب المسبق، ليصل إلى حدٍّ فوق المتوقع».
قوّة العلاقات تتطلب ترتيباً غير تقليدي للاحتفاء بالمناسبات المختلفة
وتكمل د. الغرباوي «بعض العلاقات لقوّتها، تتطلب نوعاً خاصاً من التفاعل في مثل هذه المناسبات المختلفة، مثل ترتيب مفاجآت غير تقليدية، أو الاحتفال العام، وقد تصل في بعض الأحيان إلى السفر، كنوع من التعبير عن الحب أو الامتنان. والجدير بالذكر أن التهادي، والتعبير عن الحب والمودة قبل أن يكون سلوكاً اجتماعياً فهو إنساني، على اختلاف شكله ونوعه، فترتيب الهدايا، وتنسيق المفاجآت داخل نسق الفعل الاجتماعي لإرضاء الطرف الآخر يُعد نوعاً من تحقيق الهدف داخل عملية التفاعل الاجتماعي، والارتقاء بهذه العلاقة.
وقد تختلف أساليب الأفراد الفاعلين من أجل تحقيق الهدف، بمعنى أن الأفراد أثناء إشباعهم لحاجاتهم يختلفون من حيث مكوّنات شخصية كل منهم، وطريقة التعبير وجوهره، ولكن رغم اختلاف العلاقات الإنسانية، والفاعلين الاجتماعيين، فإن العلاقة لابدّ أن تصل إلى مرحلة من التبادل، وتوقع نوع التبادل، وتقديم ما هو فوق التوقع، مثل مفاجأة مرتّبة، أو هدية غير متوقعة، لاستمرارية هذه العلاقات وإشباع حاجات الطرف الآخر».
الابتكار والإبداع في اختيار الهدية
وتضيف هبة محمد عبد الرحمن، مستشارة تربوية، «العلاقات بين الأفراد تحتاج، بين آنٍ وآخر، إلى تعزيز وتوطيد، ويعتمد ذلك على نمط الشخصية، فقد يكون هذا التوطيد مادياً، أو معنوياً، والذي لا يمكن الاستغناء عنه، ويتمثل في الكلمات الطيبة، سواء الثناء على عمل متميز، أو إبراز جوانب إيجابية في الشخصية، والمادي ليس مرتبطاً بالقيمة المالية المرتفعة، ولكن بمعناها، ووقعها على الطرف الآخر، وما يتوقعه من مقدّمها».
الهدايا المتبوعة بمفاجآت تُظهر للطرف الآخر أنه محل اهتمام وتقدير
تلفت هبة عبد الرحمن «لابد أن نرسخ في أبنائنا أن التعبير عن الحب ليس من المفترض أن يكون مادياً متبوعا بالهدايا فقط، بل من الممكن أن تشبعهم كلمات الإطراء الواقعية المرتبطة بالموقف والسلوك الإيجابي، أو كتابة عبارات جميلة ترفع للشخص تقدير الذات لديه، وتشعره بأهميته، وأن تظل الهدايا والمفاجآت غير المتوقعة، مثالية في إشعار الطرف الآخر بأنه محل اهتمام، وهناك من يفكر في إسعاده، والبحث عمّا يجعله مسروراً. فبلا شك، تتبلور الصحة النفسية بتبادل جميع الأطراف مشاعر الحب، والقبول، والاحترام، والتقدير، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابّوا وتذهب الشحناء»، فالحياة تعتمد على الأخذ والعطاء حتى يتعادل ميزان المشاعر والأحاسيس.
ومع التطور الذي نعيشه، أصبح التخطيط متلازماً وعاملاً أساسياً في حياتنا، فليست هناك عشوائية في السلوكات، ولكن من الجميل أن تعرف نمط شخصية الفرد، واهتماماته، حتى تلقى الهدية موقع التأثير الفعال في نفس الطرف الآخر. وفي بعض الأحيان، يكون الابتكار والإبداع في تصميم الهدية واختيارها، جزءاً مهماً حتى تتناسق مع مستخدم الهدية، وقد يتطلب الإعداد لها وقتاً طويلاً، مثل الحجز في فندق، أو السفر إلى مكان بعيد، ودعوة الأهل والأصدقاء».
وتكمل المستشارة التربوية هبة عبد الرحمن «التأثير النفسي لمقدم ومستقبل الهدية يتسم بالسعادة، أيّاً كانت قيمتها، فلا بد من الاعتراف بالقيمة الاجتماعية لتقديم الهدايا خلال تاريخ البشرية، وهناك الكثير من الدراسات حول السلوك البشري، وتقديم الهدايا، من خلال علماء النفس، والاقتصاديين، والمسوّقين. إذ يعد تقديم الهدايا جزءاً مهماً لكيفية تفاعل الأشخاص كبشر مع بعضهم بعضاً، ومنذ بداية المراحل العمرية للأطفال، تُعد الهدايا من أكثر الأمور المرغوبة التي يحبونها، فهي تشعر الصغار بسعادة كبيرة، وتقوّي الرابط العاطفي بينهم وبين من يقدمها لهم».
نوعية الهدية وطريقة تقديمها لها وقع خاص
من جهتها، تعلّق الدكتورة ولاء الشحي، مدربة في تطوير الذات، على هذا الموضوع قائلة «تُعد الهدية نوعاً من التواصل الفعال، كما أنها وسيلة للتعبير عن الامتنان، والشكر، والتقدير، ويستلزم لاختيارها فن حتى لا تكون مجرد شيء لا يحتاجه متلقيها. وهنا لابد من توضيح نقطة مهمة، وهي أن الهدية ليست بقيمتها، ولكن بما توفره من سدّ حاجة الشخص لها، ويستلزم ذلك أن يكون مقدّمها على وعي ودراية بطبيعة من يستقبلها، ومعرفة الأشياء التي يحبها، وحتى الأماكن التي يفضلها، ويسعد بالتواجد فيها، كأن تهدي الزوجة شريك حياتها المهتم بممارسة الرياضة ولو دعوة لصالة «جيم» مثلاً، أو يبادر هو بحجز دورها في صالون تجميل، وهكذا، فالمهم أن تكون الهدية مقبولة ولا تسيء، بشكل أو بآخر، للطرف الثاني، كما يجب الاهتمام بطريقة تقديمها واستخدام أسلوب يحمل ذوقاً وامتناناً».
الهدية ما هي إلا رمز تحمل مشاعر صاحبها المخبّأة بين ثنايا تغليفها وشكلها النهائي
وتشير د. الشحي «الهدايا المادية لها تأثير، ولكن الأهم من ذلك هو التحضير لها، والتعب عليها، فكم من زوجة تلقت صندوق من المجوهرات من دون حضور الزوج، ولم تكترث، وهناك من تلقّى من والده سيارة فارهة أوصلها له السائق، ولم تعنِ الهدية شيئاً، وغيرها الكثير من الأشياء القيّمة التي يعتقد من يقدمها أنه يسعد بها غيره، وكانت النتيجة عكس ذلك، فالهدية ما هي إلا رمز تحمل مشاعر صاحبها المخبّأة بين ثنايا تغليفها وشكلها النهائي».
الشروط المعنوية للهدية
ومن منظور آخر، تؤكد الدكتورة تهامة البيرقدار، مستشارة الإتيكيت والبروتوكول الدولي «هناك أسس وأصول للتعامل مع الآخرين، سواء كانوا أفراد أسرة، أو زملاء عمل، أو أصدقاء، ينسحب ذلك على آداب التعامل في تقديم المرسل للهدية، والتي يجب أن تعتمد على معطيات المستقبِل لها. فعندما أقدم شيئاً في مناسبة خاصة ما، فبكل تأكيد ستختلف عن تقديمها لشخص غريب تربطني به علاقة رسمية، إذ يحتم عليّ الأمر أن أتعامل مع فن اختيار الهدية بناء على عقلية متلقيها، ولا يكون للرأي الشخصي الدور الأكبر في ذلك. فمثلاً، عندما يهدي أحد الزوجين للآخر شيئاً الغرض منه إسعاده، يجب أن يختاره بناء على طبيعته وميوله الحياتية، ويكون من المثالي إذا لبّت الهدية رغبة مستقبلها في تمنّي اقتنائها وامتلاكها».
يجب على المتلقي إشعار الآخر بأنّ ما قدمه له الطرف الآخر شيء كبير
وتتابع د. تهامة بيرقدار «عندما يقدم الشخص هدية فهو يختار ما يليق بمكانته، والتي تستوجب، بجانب قيمتها المادية، أن يغلفها معنوياً بالتعب عليها لتستوفي شروطها المعنوية، ولكي يخرجها من نسقها التقليدي.
فإذا خطط الزوج لإسعاد شريكة حياته في مناسبة مثل عيد الحب، فعليه أن يبحث عن شيء جديد يقدمه كي يشعرها بأن الأمر أخذ معه وقتاً ليفكر، ويقرر، وينفذ. فبكل تأكيد للمفاجآت السارة صدى كبير، وهنا يقودنا الحديث لأصول الإتيكيت في ردة الفعل، إذ يجب على المتلقي إشعار الآخر بأنّ ما قدمه له شيء كبير، كان يفكر ويخطط له، وإذا كانت هدية ملموسة فعليه أن يشعره بأنه كان في حاجة إليها، وكان لديه النية لاقتنائها، كل هذا ينقل لصاحب الهدية الشعور بالسعادة، وأنه كان موفقاً في اختياراته، وأن ما بذله من مجهود لم يذهب هباء، فالهدية ليست للحاجة ولكن هدفها إضفاء الفرح والبهجة وبناء علاقة جيدة مع الآخرين».