أكاديمية الفنون الأدائية.. منارة إبداعية للمسرح في الشارقة ومحطة لاكتشاف المواهب
الاهتمام بالإبداع، وتوفير كل السّبُل الداعمة له، شكّل العنوان العريض لمسيرة دولة الإمارات منذ تأسيسها، وصولاً إلى النهضة، والتطور الذي حققته، فقد شكّلت الفنون أحد الدعائم الرئيسية لرحلة الإبداع التي انطلقت قبل خمسة عقود، وفي قلب هذه الرحلة ركّزت إمارة الشارقة على المسرح، «أبو الفنون»، ليكون محوراً هاماً في دعمها للفن الإماراتي، ما أسهم في وضع الفنون المسرحية كجزء ضمن العروض السياحية المحلية.
واستكمالاً لهذه المنظومة المتناغمة من الاهتمام بتطوير فن المسرح، وتحفيز المواهب المحليّة، طوّرت أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، التي تأسست في عام 2019 بناء على رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، برنامجاً أكاديمياً غير ربحي لبكالوريوس التمثيل، والمسرح الموسيقي، وفنون الإنتاج، قائماً على الاستفادة من الثقافة المحلية، ومزجها مع الجوانب العلمية والفنية لهذا الفن الإبداعي.
وقد أسهم تطوير البرنامج في زيادة عدد المنتسبين إلى الأكاديمية من 8 طلاب عند انطلاقها العام الماضي، ليصل إلى 50 طالباً مع قُرب دخولها عامها الثاني.
وخلال زيارة «كل الأسرة» للأكاديمية، تعرّفنا إلى العديد من تجارب الطلبة الدارسين في الأكاديمية، حيث وصفوها بالفريدة من نوعها، من حيث آلية التعليم، والاهتمام بالطلبة، من ناحية توفير السكن والتكفل بمصروفهم الشخصي، وتشجيعهم على المشاركة في العديد من الورش والعروض العالمية، إذ تمنح الأكاديمية الدولية المستوى 2 في الفنون الأدائية للطلبة في سنّ المدرسة الثانوية (14 - 16 سنة)، كما توفر دورات وفصول للأطفال والمؤدّين الشباب في الغناء، والتمثيل، والرقص والمسرح، إضافة إلى الموسيقى للمؤدّين الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و18.
تحقيق الأحلام الفنية
ومن قسم المسرح والموسيقى، تحدثنا مع اندرو وليم، الذي تخرج في كلية الهندسة قسم طيران، لكنه قرر أن يدرس الغناء كي ينمّي موهبته الفنية، وقال «انضممت لأكاديمية الفنون الأدائية بعدما خضت العديد من تجارب التعليم الفني الأكاديمي في القاهرة، فقررت التقدم للدراسة في الأكاديمية، وحصلت على منحة دراسية مجانية، وأنا ممتن للغاية لصاحب السمو حاكم الشارقة، الذي وفّر الإمكانات المطلوبة، وأكثر، لتحقيق أحلامنا الفنية.
فقد تعلمت على أيدي خبراء وأساتذة معروفين وعالميين، على سبيل المثال، تعلّمت كل أنواع الرقص الاحترافي، مع مراعاة كل التفاصيل للحفاظ على لياقتنا البدنية، كما أتيحت لنا فرصة الغناء في السفارة الإنجليزية، وفرص الالتقاء مع أبطال العروض العالمية، مثل عرض «أميرات ديزني»، «فانتوم أو ذا أوبرا»، كما أتيحت لي الفرصة أن أقدم ورش عمل فنية للأطفال، والكثير من التجارب التي أعطتني ثقة بنفسي كفنان أفتخر بما اكتسبته من علم وخبرة، هنا في الأكاديمية».
مكان متخصّص لتعلّم إنتاج مسرح
تدرس مريم عازر في قسم فنون الإنتاج، حيث تعلمت كيفية إدارة المسرح، من دون الوقوف عليه «بدأت قصة حبي للمسرح منذ الطفولة، عندما كنت أشاهد الأعمال المسرحية، وأفكر: من الذي يقف وراء هذه العروض الكبيرة؟ وكنت أعلم أنهم أكثر بكثير من الممثلين، وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية تقدمت للدراسة في أكاديمية الفنون الأدائية كمكان متخصص لتعلم إنتاج مسرح، وهذا غير متوفر بهذا المستوى في العالم العربي، خصوصاً أن الأكاديمية تعرف جيداً كيف تتعامل مع المواهب الموجودة في المنطقة بشكل منظم، ومن البداية، وعلى أيدي أكاديميين عالميين، إضافة إلى التجربة العملية التي تعزز ما تعلّمناه نظرياً، فنحن نخوض تجربة التدريب العملي لمدة 6 أشهر خلال العام الدراسي».
لا حاجة للسفر للخارج
أما مكي عبدالله، فقد كان يعمل في مجال الإنتاج في السعودية قبل الانضمام للدراسة في الأكاديمية «كنت أعمل في مجال الإضاءة المسرحية كهواية، قبل أن أقرر أن أعمل بطريقة حِرفية بتعزيز موهبتي هنا في الأكاديمية، كي أعرف كيف تتم عملية الإنتاج المسرحي، بكل فروعه، في العروض المسرحية بشكل عام.
فقد بدأت بالفعل بتكوين شراكات بين الأكاديمية ومركز إثراء في السعودية، بحيث أخلق علاقات للأكاديمية مع أطراف أخرى يمكن أن توفر فرص تدريب وعمل للخريجين من الأكاديمية، فالخريج يحظى بعملية تعليمية فائقة جداً، توفر علينا السفر للخارج، فالخارج هو من يأتي إلينا هنا ليعلّمنا بأحدث التقنيات والعلوم في عالم الفن.
فالتدريس هنا بريطاني، ولكنه يدرّسنا بما يتماشى مع ثقافتنا العربية، وهذه الميزة لا يحظى بها من يسافر للدراسة في بريطانيا، لأنه سيتعلم أشياء يصعب تطبيقها هنا بسبب اختلاف الثقافات، والعادات والتقاليد، فقد يصطدم بالواقع عند عودته لوطنه العربي».
المرونة في التعامل مع سوق العمل
أما محمد مشارقة، قسم التمثيل، فقد وصف تجربته في الأكاديمية بأنها بيئة آمنة للتجربة والخطأ، ويوضح «هنا يوجد من يقف وراءك للتعلّم، وتبحث وتعرف، إضافة إلى تشجيعنا لننافس، وليس لنتعلّم فقط، فهذا الدعم النفسي مهم في مرحلة التجارب الأولى، وهي تجربة فريدة من نوعها، فهنا التدريب مختلف، خصوصاً في طرق التدريس والمصادر والطرق المناسبة لكل شخص يخضع لعملية التعلم هنا، وهذا ما سيعزز تجربتنا بعد التخرج، من حيث تأهيلنا لإعداد فرقنا الخاصة، أو تأهيل وتعليم الآخرين، ولكن المهم هو قدرتنا على إنتاج الأعمال، وخلق الهوية الفنية الخاصة بنا، وهذا يتطلب منا أن يكون لدينا نظرة إبداعية في صناعة العمل الذي نقدّمه، فأنا أفكر في أن يكون لديّ أسلوبي الخاص في كتابة المحتوى الذي سأقدمه، إضافة أن أكون مرناً في اختيار المكان والزمان اللذين سأعمل فيهما»
تنوّع المصادر والخبرات
أما ليلى أشرف فاروق، من تخصص المسرح الغنائي، فتبيّن «لقد تمكنت من التعلم في مساحة من التنوع والعالمية في الحصول على المادة العلمية، فإذا قررنا استكمال تعليمنا في دول أجنبية فلن نشعر بفجوة، أو تأخر في الحصول على المادة العلمية، كما أن أعمار الطلبة وخبراتهم هنا متفاوتة، بحيث يمكننا تبادل الخبرات فيما بيننا، والتعلّم من بعضنا بعضاً».
أما بالنسبة إلى تجربتي، فقد كانت مقلقة في البداية لأنني من الدفعة الأولى التي تقدمت للأكاديمية، ولكن عندما تعرفت إلى الدكاترة عرفت المستوى الذي سأصل إليه، فقد أصبحت مجهزة لأي اختبار فني كي أتمكن من الترويج لنفسي كفنانة شاملة، وقادرة على التأثير في هذه الصناعة، خصوصاً أننا حظينا بفرصة تبادل الآراء فيما بيننا، كطلبة ومدرّسين».
من جهتها، تقول جاكي جورج، مديرة برنامج فنون الإنتاج «ما يميّز الأكاديمية إننا لم نقم باختيار نموذج غربي وإسقاطه على الشرق الأوسط، هذا الأمر بعيد كل البعد عمّا نحن بصدده، فقد انطلقت الأكاديمية كمنشأة عالمية المستوى تهدف إلى تحفيز تطور المجتمعات، وتسليط الضوء على المواهب الإبداعية المحلية والعالمية، وتعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط لدراسة برامج البكالوريوس بدوام كامل في التمثيل، وفنون الإنتاج، والمسرح الموسيقي».
وأوضحت جاكي أن الأكاديمية تقدم دبلوم «ترينيتي» من المستوى السادس في الرقص الاحترافي، مع متخصصين ومعلّمين مؤهّلين تأهيلًا عالياً، كما توفر منحاً دراسية ممولة بالكامل للطلاب المؤهلين في كل عام دراسي، إضافة إلى برامج تدريب عالمية المستوى تتبع أساليب التدريس في المعاهد، ومناهج تعليم رسمية للمواهب الناشئة في مجاليّ الفنون الأدائية وفنون الإنتاج.
وأضافت «تضم الأكاديمية ثلاثة برامج رئيسية لنيل درجة البكالوريوس في التمثيل، والمسرح الموسيقي، والإنتاج، وهي برنامج بكالوريوس التمثيل لتأهيل الدارسين في مجال التمثيل والأداء المحترف، وبرنامج بكالوريوس المسرح الموسيقي، تعليماً محترفاً، للموهوبين في مجالات الفنون المحترفة والأداء المسرحي بشكل عام، وبرنامج بكالوريوس الإنتاج لإعداد وتأهيل الدارس ليكون جزءاً من فريق مبدع في المسرح يتمتع بمهارات عدة، تشمل القدرة على التخيّل والحماس والابتكار، وإدارة كل عمليات الإنتاج كمحترف».
معايير اختيار الطلبة في أكاديمية الفنون الأدائية
وحول معايير وشروط القبول في الأكاديمية، توضح جاكي جورج، أنه يجب على الطلبة المتقدمين لدراسة فنون الأداء اجتياز اختبارات الأداء في التمثيل والمسرح الموسيقي، إذ يجب على المتقدمين لدراسة برنامج الإنتاج اجتياز الاختبارات العملية والمقابلات.
الحد الأدنى للقبول للمتقدمين من الحاصلين على شهادات الثانوية العامة التي تتبع وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 60% للقسمين العلمي والأدبي، بينما تتطلب التخصصات الأخرى للقبول نسبة لا تقل عن 70% كما يجب على الطلبة خريجي المرحلة الثانوية من خارج الدولة معادلة شهاداتهم من وزارة التربية والتعليم بالدولة، ومن ثمّ تقديم نسخة المعادلة.