في كل الصور نراها تسير مع زوجها اليد في اليد. لكن كتابًا جديدًا صدر مؤخرًا في الولايات المتحدة يكشف التأثير الذي تملكه السيدة الأمريكية الأولى على زوجها الرئيس دونالد ترامب والمنافسة الخفية الدائرة على النفوذ بينها وبين ابنة زوجها ومستشارته إيفانكا.
وبحسب مؤلفة الكتاب، الصحافية ميري جوردان، فإن نفوذ ميلانيا لا شبهة فيه وهو ما يؤكده كل المقربين منها والعاملين في خدمتها. وهناك ما يشبه لعبة شدّ الحبل بينها وبين إيفانكا، ابنة ترامب من زوجته السابقة إيفانا. إن إيفانكا هي مستشارة أبيها، حالها حال زوجها جاريد كوشنر كبير المستشارين، وهي تحمل شهادات عليا تؤهلها للعب هذا الدور. لكن يبدو أن مواهب ميلانيا في المخدع الرئاسي تتفوق على المؤهلات الجامعية للابنة.
عنوان الكتاب: «فن صفقتها»، وهناك عنوان ثانوي يقول: «القصة غير المروية لميلانيا ترامب»، وهو صادر عن دار «سايمون أند تشاستر». وتعمل المؤلفة كبيرة للمراسلين في صحيفة «واشنطن بوست»، وسبق لها الفوز بجائزة «بوليتزر» المرموقة للصحافة، وهي قد تابعت مسار سيدة أمريكا الأولى وذلك من خلال الأشخاص الذين عرفوها في كل مرحلة من مراحل عمرها. وهناك في الكتاب فصول مثيرة عن المنافسة بين ميلانيا وإيفانكا، رغم أن الثانية متمرسة في الصراعات الانتخابية والحزبية بينما الأولى كانت عارضة أزياء من أوروبا الشرقية لا تفقه شيئًا في السياسة الأمريكية.
«من يعارض ميلانيا فإنه يعرّض نفسه للخطر وقطع الرأس»
أسرار وحكايات
يروي الكتاب نقلًا عن موظف سابق في البيت الأبيض قوله «من يعارض ميلانيا فإنه يعرّض نفسه للخطر وقطع الرأس! وأنا لا أمزح أو أبالغ فهي تطردك من الخدمة إذا لم تكن راضية عنك». فالمؤلفة طافت عدة ولايات في سبيل الالتقاء بالأشخاص الذين تعاملوا مع السيدة الأمريكية الأولى وكانت تخوض نوعًا من التحدي الذي تشرحه بالقول «خلال ثلاثة عقود من اشتغالي بالصحافة عبر العالم، كتبت كثيرًا عن شخصيات ذات جوانب سرية وانعزالية.
ومن تلك الشخصيات رئيس لعصابة مكسيكية تحتكر تجارة المخدرات في المكسيك، وأميرة يابانية على خلاف مع أسرتها. لكن كل كتاباتي السابقة لا تقارن بما عانيته من أجل فهم شخصية ميلانيا ترامب». بسبب حساسية الموضوع، فإن أغلب الذين وافقوا على التحدث للمؤلفة اشترطوا عدم ذكر أسمائهم الحقيقية. بل إنهم كانوا يتلقون أسئلتها ويرسلون لها الإجابات عبر موقع مشفّر لا يمكن اختراقه لمعرفة هوية المرسل. وقد حاولت ميري جوردان الاتصال بترامب وزوجته لكنهما لم يردا عليها. وهي تؤكد أنهما فرضا على كل العاملين معهما توقيع تعهدات بعدم تسريب أي معلومات.
كما اكتشفت أن ميلانيا طلبت من كل صديقاتها وأصدقائها في زمن الصبا وفي فترة عملها عارضة للأزياء ألا يتحدثوا للمؤلفة. مع هذا تمكنت ميري جوردان من اقتناص معلومات غير معروفة عن العارضة المهاجرة من سلوفينيا والتي صارت سيدة لنساء أمريكا.
هل حرضت ميلانيا زوجها على الترشح؟
إنه ليس الكتاب الأول عن زوجة ترامب. فقبل سنتين أصدر الصحافي مايكل وولف كتابًا عن منشورات «فيرست» بعنوان «نار وغضب»، جاء فيه أن ميلانيا بدت يائسة عند إعلان فوز زوجها بالرئاسة، بتاريخ 8 نوفمبر 2016. لقد كانت تتمنى مواصلة العيش معه بعيدًا عن المسؤوليات وهموم السياسة. لكن الحقيقة التي كشفها المؤلف هي أنها كانت المحرض لزوجها على الترشيح. لقد قالت له «توقف يا دونالد عن مجرد الكلام عن ترشيحات الرئاسة وأقرن القول بالفعل». وهي عبارة كان شاهداً عليها روجر ستون، المستشار السابق وصديق الرئيس.
أما في الكتاب الجديد «فن صفقتها»، فإن المؤلفة تؤكد أن ميلانيا لم تكتف بتشجيع زوجها على خوض المنافسة بل إنها هي التي اختارت شريكه في القائمة مايك بينس. في ذلك الظرف بالتحديد، قررت زوجة ترامب أن تعيد التفاوض معه حول عقد الزواج، استباقًا لفوزه بالرئاسة واضطراره لترك إمبراطوريته العقارية والمالية بين يدي ابنته إيفانكا.
إن ميلانيا هي الزوجة الثالثة بعد زوجته الأولى إيفانا، والدة إيفانكا، والثانية مارلا مابلز. وكان هدفها من إعادة التفاوض الحصول على امتيازات أكبر في حال الطلاق، سواء لها أو لابنها بارون. وكان المطلب الرئيسي هو ضمان حصول الولد على حصته من إرث أبيه، وبالتحديد إدارة مؤسسة ترامب في أوروبا. وكانت الانتخابات هي نقطة الذروة في تلك المفاوضات، ففي حين انتقل الرئيس للإقامة في البيت الأبيض فإن زوجته بقيت تتمتع بالسكن في «ترامب تاور»، البرج الذي يملكه زوجها في نيويورك ويفوق المقر الرئاسي فخامة ورفاهية، وهي قد أجلت انتقالها إلى المقر الرئاسي لحين انتهاء المفاوضات وتوقيع العقد.
دعم ميلانيا لترامب كان أساسيًا، ولو هي انسحبت من حياته بشكل مباشر وواضح لتعذر عليه الفوز بالرئاسة
في الشهر الثاني من عام 2017 لم تكلف زوجة ترامب نفسها عناء الالتحاق به للاحتفال بالـ«فالانتاين»، عيد المحبين، ثم جاءت فضيحة ذات وقع مختلف. ففي تسجيل لبرنامج تلفزيوني أمريكي يعود لعام 2015، سمع الجمهور رئيسهم وهو يتباهى بالقول إنه نجم قادر على الحصول على أي امرأة يريد.
وتؤكد ميري جوردان، مؤلفة الكتاب الجديد، أن دعم ميلانيا لترامب كان أساسيًا، ولو هي انسحبت من حياته بشكل مباشر وواضح لتعذر عليه الفوز بالرئاسة. المهم أن الزوجة تفاوضت على مكتسباتها ونالت ما تريد ولم تنتقل لتسكن في البيت الأبيض إلا في 11 يونيو، بعد انتهاء السنة الدراسية لولدها بارون، وهذا على الرغم من المصاريف الإضافية لتأمين حمايتها في نيويورك وزحام السيارات الذي كانت يتسبب به موكب انتقال ابنها من البيت للمدرسة وبالعكس. وجدير بالذكر أن ميلانيا طلبت في تلك الفترة التوقف عن مناداتها بلقب "فيرست ليدي".
في غياب القط لعب الفار
فعندما تأخرت الزوجة في الوصول، فإن الابنة إيفانكا نشرت سيطرتها على الجناح الشرقي للبيت الأبيض. ومن مظاهر ذلك احتلالها لصالة السينما المنزلية الخاصة ذات المقاعد الحمراء الوثيرة وغيرها من المرافق.
وهناك من يؤكد أنها تعاملت مع المقر الرئاسي وكأنه منزلها الشخصي، وهو أمر لم يعجب ميلانيا التي بعد انتقالها مع بارون إلى البيت الأبيض وضعت حدًا لتجاوزات ابنة زوجها ورسمت حدودًا واضحة بينهما لابد من احترامها والالتزام بها. والأسوأ من ذلك اكتشافها بأن إيفانكا قد اقترحت تغيير اسم الجناح من «مكتب السيدة الأولى» إلى «مكتب العائلة الأولى» وذلك لكي تسمح لنفسها بالتسلل إلى حرم زوجة أبيها.
لكن ميلانيا رفضت الأمر بشكل حاسم ووقفت في وجه إيفانكا التي اعتادت تسميتها بـ «الأميرة» من باب التهكم. أما إيفانكا، فإنها في مراحل صباها الأول أطلقت على زوجة أبيها لقب «البورتريه» أي الصورة الشخصية، بسبب ميل ميلانيا إلى الصمت الطويل وقلة الكلام.
والحقيقة أن تأثير البنت على أبيها لم يبلغ درجة تأثير الزوجة. وبحسب أقوال العاملين في الجناح الغربي، وهو المخصص للرئيس، فإن ترامب كثيرًا ما انتقد عددًا من اقتراحات ولديه إريك ودون جونيور، بل وحتى تصرفات إيفانكا، بينما لم يسمع أحد منه أنه وجه انتقادات مماثلة لميلانيا. ويقول سين سبنسر، أحد المساعدين السابقين، إن عارضة الأزياء السابقة تملك سطوة أكيدة على رئيس أقوى دولة في العالم، وهي تفضل بالفعل البقاء في الكواليس لكن تأثيرها يفوق التصور. كما أنها ليست من النوع الذي يوصي الزوج بتعيين فلان وصرف فلان من الخدمة، لكنها توحي له بما تريد وهو يأخذ رغبتها بالحسبان.
مع بدء جائحة «كورونا» فرضت ميلانيا على كل الموجودين في البيت الأبيض ارتداء الكمامات والتزام شروط التباعد. وترامب يؤيد زوجته في غالبية مواقفها، سواء العادية والبسيطة منها أو الخطيرة، ويخطئ من يعتقد بأن لا تأثير لها في الحكومة. هذا ما يؤكده كريس كريستي، الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي الذي يعرف ميلانيا منذ سنوات بعيدة، ويضيف أنها تختار بمنتهى الحرص اللحظات التي تتكلم فيها بنبرة قاطعة، لكنها عندما تفعل فإن الرئيس يصغي إليها بانتباه، وهو يستشيرها في أموره الخاصة.
إن ميلانيا تقف وراء عدد من القرارات السياسية، ومنها التخلي عن سياسة الحزم الكامل بخصوص التسلل من الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهي السياسة التي تسببت في انفصال عدد من أطفال المهاجرين عن عائلاتهم وآبائهم. لكنها أيدت زوجها عندما هاجم أصول الرئيس السابق باراك أوباما، كما شككت في صدقية النساء اللواتي اتهمن زوجها بالتحرش الجنسي.
وتخلص المؤلفة ميري جوردان إلى القول بأن ميلانيا ترامب شخصية جذابة، فهي قد وصلت إلى أمريكا في سن السادسة والعشرين وتمكنت من الفوز بقلب أحد أثرى رجال البلاد ودفعته لدخول البيت الأبيض ودخلت معه إلى وكر السلطة. إن سيرتها جديرة بالتحول إلى فيلم من أفلام هوليوود. أما رجال القصر فقد وصفوا كتاب ميري جوردان بأنه «محض خيال» حتى قبل قراءته.
ما الذي دفع ثريا شمالي إلى تأليف كتاب "قوة غضب النساء"؟