08 فبراير 2021

ابنة الممثلة رومي شنايدر تكتب عن حياتها ووفاتها

كاتبة صحافية

ابنة الممثلة رومي شنايدر تكتب عن حياتها ووفاتها

بعنوان (جمال السماء)، صدر في باريس قبل أسابيع كتاب للممثلة سارة بيازيني، التي يعرفها الناس بأنها ابنة النجمة الراحلة رومي شنايدر. والحقيقة أن المرء يحار في تفسير الهدف من الكتاب، خصوصاً وأنه نص عاطفي شفاف لا يتضمن معلومات جديدة.

هناك موضة تنتشر منذ سنوات في أوساط أبناء المشاهير وأحفادهم، وهي محاولة استثمار شهرة أقاربهم في تأليف كتب لا تأتي بجديد، لكنها تحاط بحملات ترويجية واسعة تحقق لها بيع مئات الآلاف من النسخ، وبالتالي تصب أموالاً معتبرة في جيوب مؤلفيها.

من هذا النوع يأتي كتاب سارة بيازيني، الممثلة الأربعينية التي لم تسمح لها موهبتها بأن تحقق شيئاً من شهرة والدتها في السينما. لكن الجمهور ما زال يحب رومي شنايدر رغم مرور عقود على رحيلها، أو انتحارها، ويحب مطالعة كل ما يتعلق بها. ثم إن الفرنسيين يحملون عطفاً خاصاً على سارة، الطفلة الشقراء ذات الوجه الملائكي التي كانت في الثالثة من العمر حين فقدت والدتها. وقد كبرت البنت دون أن تتمكن من فك الارتباط بين اسمها واسم رومي شنايدر. وقد عانت هذا الأمر وحاولت أن تبني لها شخصية خاصة، لكن ثقل التركة المعنوية كان يسحقها ويفسد محاولاتها للتحرر من الشرنقة.

ابنة الممثلة رومي شنايدر تكتب عن حياتها ووفاتها

ماذا تقول سارة في كتابها؟

تبدأ بذكر واقعة مؤلمة حدثت في ربيع 2017، فقد استدعت الشرطة البنت لتبلغها بأن مجهولين قد نبشوا قبر والدتها وعبثوا به، وبذلك فإن عليها أن تتولى دفنها ثانية. لعل تلك الحادثة كانت السبب في إشعال رغبة سارة بالكتابة عن والدتها رومي. وهي تقول إنها كانت تحب منذ زمان أن تكتب شيئاً لكنها لم تعرف ما الموضوع المناسب، وها هي قد عثرت عليه، ستكتب عن عائلتها الصغيرة وعن طفلتها وعما في ذاكرتها من صور وأصوات. والغريب أن كل من يلتقي بها يسألها عن أمها رومي، وهي تخجل حين تقول إنها لا تملك الكثير لأن رومي ماتت وهي طفلة لا تعي شيئاً. بل إنهم لم يسمحوا لها بحضور جنازتها. وها هي امرأة شابة تستدعى من الشرطة لتدفن والدتها في جنازة جديدة!

يشكل هذا المدخل بوابة ممتازة لرواية عائلية حزينة. لكن البنت التي تمتلك موهبة متواضعة في التمثيل لا تملك موهبة أفضل في الأدب، حتى ولو جرت العادة أن يتدخل صحافي لمساعدة الكاتب على تحرير كتابه. وهي تقول إنها قامت بإخراج الحكايات المتجمعة في جوارير البيت وصنعت منها كتاباً، وهو ليس من نوع المراثي ولا لاستعادة التوازن النفسي المفقود بعد مصرع الأخ الوحيد وانتحار الأم. 
لقد كانت رومي مصابة بالمرض الخبيث في سنتيها الأخيرتين، ولم تعد قادرة على احتمال موت ابنها المراهق الذي سقط من نافذة البيت، لذلك أنهت حياتها بالحبوب المنومة بعد عشرة أشهر من وفاة الابن. أما سارة فإنها تنفي أن تكون أمها قد انتحرت بل توفيت بأزمة قلبية.

في سن الأربعين، تكتب سارة بيازيني عن مفهوم الأمومة، وعن مأساة الوالدة التي يموت ابنها قبلها، وعن رغبتها في التحرر من أسر الأم الشهيرة، وعن قرارها بألا تسمي ابنتها رومي، كما تصف ما علق بعينيها من تلك الابتسامة المشرقة لوالدتها، المرأة الفنانة الجميلة الشفافة التي اختبأت لكي تموت. وهي تكتب أيضاً عن طفلتها آنا وعن شريك حياتها الذي حذرها بالقول عندما تلقى خبر الحمل: من الآن لن تكوني مجرد ابنة والدتك بل ستكونين أماً لطفلتك. فهي لم تعرف في حياتها سوى جديها، والدي أبيها اللذين توليا تربيتها بعد أن أصبحت يتيمة الأم.

|رومي شنايدر مع زوجها الأول هاري ماين
|رومي شنايدر مع زوجها الأول هاري ماين

قصص حب رومي شنايدر

عاشت رومي عدة قصص حب انتهت بالخذلان، أشهرها مع النجم الفرنسي ألان ديلون الذي هجرها بدون سابق إنذار حين حازت شهرة قريبة من شهرته. وقد تعرفت إلى دانييل بيازيني في خريف 1972، حين ذهب ليعمل في خدمتها بعد أن أعلنت عن طلب سائق لسيارتها.
قرع جرس بيتها الجميل في ضاحية «نويي» الراقية، وفوجئ بأن الممثلة تفتح له الباب بنفسها، مرتدية قفطاناً بلون الرمان... وكان أول ما لفت انتباهه إليها ذلك البريق العجيب في نظرتها، كانت نظرتها مكثفة ومقطرة عشرات المرات.
لاحظ دانييل أيضاً أن رومي تتحدث الفرنسية بطلاقة، رغم أنها من أصول ألمانية ونمساوية، دون أن تفارقها لكنتها الساحرة.
أول طلب منها كان التالي «اعذرني لأنني لم أعثر على خادمة مناسبة، وأريد منك أن تجد لي واحدة». ثم راحت تشرح لدانييل أسلوب حياتها والنمط الذي تريد للبيت أن يسير عليه. إنه سكرتيرها ومدير أعمالها الخاصة، ولا بد له أن يجد مدرسة جيدة لابنها دافيد، خصوصاً وأنه كان لا يعرف كلمة من الفرنسية.

رومي شنايدر مع النجم الفرنسي ألان ديلون
رومي شنايدر مع النجم الفرنسي ألان ديلون

كانت قد انفصلت عن زوجها الأول هاري ماين، وجاءت لتعيش في باريس لكي تبتعد عن الذكريات الحزينة لذلك الزواج، وبمساعدة دانييل عثرت على شقة فاخرة وسط باريس، في شارع بونابرت، وخصصت غرفة لسكرتيرها الذي يضطر أحياناً لقضاء الليل في بيتها، خصوصاً وأنه كان يعمل سائقاً أيضاً.

يذكر أنها كانت تنهي سهراتها مع الفجر أحياناً، فتستدعيه للعودة بها إلى البيت، وترجوه أن يحضر لها ثياباً مناسبة للصباح. وفي المقعد الخلفي للسيارة كانت تخلع فستان السهرة وترتدي بلوزة بسيطة وسروال جينز.

وجد السكرتير الشاب نفسه منجذباً إليها، خصوصاً وأنها كانت في قمة نضجها كامرأة، تخطو من الثلاثينات إلى الأربعينات، ووراءها رصيد من الشهرة والأفلام الرائعة.

هي، أيضاً شعرت بالانجذاب إليه، رغم أنه يصغرها في السن، فقد كان أنيقا ووسيماً وجاهزاً لتنفيذ كل طلباتها، ومعه شعرت بأنها غير مجبرة على التمثيل... تستطيع أن تتخلى عن مظهر النجمة وتكون على سجيتها.

وشيئاً فشيئاً، تعود دانييل أن يرى رومي شنايدر في جوارب صوفية سميكة، مرتاحة أمام التلفزيون، بشكل لا يتيح لها ارتداء تايير «شانيل» أو الظهور في تسريحة معقدة. لقد كانت بسيطة في حقيقتها، لكنها كانت مضطرة للعب دور النجمة كلما غادرت بيتها ووقفت أمام المصورين.
لاحظ دانييل أن رومي متعلقة جداً بوحيدها دافيد، كانت تخصص له الكثير من وقتها، وتتناول الطعام معه، وتروي له القصص قبل النوم، ولم يكن الطفل ينام إلا في أحضانها.

كان دانييل يتفرج على العشاق الذين يلهثون وراء سيدته، وينتظر دوره... حين تلتفت إليه وتدرك مدى تعلقه بها. وأدرك أنها، ورغم حرصها على المال، كانت سخية بلا حدود مع أصدقائها والرجال الذين تجمعها وإياهم مشاعر دافئة.

بعد فترة من العمل في خدمتها، أخذ دانييل إجازة طويلة سافر فيها إلى السنغال للاستجمام على الشاطئ الإفريقي الساحر. لكنه، بعد ثلاثة أيام، وجد رومي واقفة أمامه في بهو الفندق، مع شغالتها، مرتدية قبعة كبيرة من الخوص، وقد قررت أن تتمتع هي أيضاً بالشمس الساخنة.

وهناك، على رمال السنغال، أدرك الاثنان أن ما يجمعهما ليس مجرد علاقة سائق بسيدته، بل نوع من الصداقة والثقة، مثل شخصين متواطئين يفهم أحدهما الآخر، دون أن تكون العلاقة بينهما غراماً مشتعلاً.

ابنة الممثلة رومي شنايدر تكتب عن حياتها ووفاتها

كيف بدأ هذا التقارب؟

ذات يوم، طلبت رومي من دانييل ألا يخاطبها بصيغة الجمع، كما هي عادة المرؤوسين مع أسيادهم، بل أن يناديها باسمها المجرد. بعد ذلك بأيام، دعته إلى العشاء معها في شرفة أحد الفنادق، وقالت له، وهما يتناولان الطعام، أنها لا تأبه بلقب نجمة، ثم سألته فجأة:«دانييل.. ما سر لا مبالاتك وبرودك؟». أجابها قائلاً أنها فلسفته في الحياة ألا يتدخل في شؤون الآخرين. ثم سألته:«ما رأيك بي يا دانييل؟».

أجابها أنه معجب بشخصيتها القوية التي لا تسمح لأحد بأن يفرض رغباته عليها. أعجبها الجواب، وبدت سعيدة جداً.

في الصيف التالي استأجرت رومي بيتاً في «سان تروبيه» لقضاء الإجازة على سواحل جنوب فرنسا.

سافر دانييل مع سيدته إلى الجنوب، وازداد التقارب بينهما، إلى أن كانت تلك الليلة التي ذهبا فيها لمشاهدة شروق الشمس بعد سهرة هادئة امتدت حتى الفجر.

أمام الشمس البازغة وشعاعها الوردي، أدركت رومي أنها تحب سائق سيارتها.. اقتربت منه وهمست بارتياح:«الآن، ستسير كل الأمور على ما يرام».

في ربيع 1975، بدأت رومي تستعد لتصوير فيلم «البندقية القديمة» الذي أصبح فيما بعد واحداً من أروع أدوارها على الشاشة. وهي كانت مشهورة بانضباطها في العمل واحترامها مواعيد التصوير، عكس غيرها من النجمات الشهيرات. لكنها هذه المرة، وخلافاً للمعتاد، تأخرت عن الموعد الذي حدده المخرج، ولم تظهر في موقع التصوير لأنها كانت عند الطبيب. ولدى انتهاء العمل استدعت دانييل وقالت له: سنتزوج لأنني أريد طفلاً ثانياً. 
هكذا ولدت سارة بيازيني.