18 سبتمبر 2022

بعد تفكيره بالاعتزال..هل بدأ براد بِت مرحلة التراجع؟

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

بعد تفكيره بالاعتزال..هل بدأ براد بِت مرحلة التراجع؟

قبل أسبوعين من إطلاق فيلمه الجديد Bullet Train في الأسواق الأميركية في مطلع الشهر الماضي، صرّح الممثل براد بِت بأنه يفكر في اعتزال التمثيل والاحتفاظ بعمله كمنتج فقط. كانت هناك فرصة طيبة لكي يراجع هذا الاحتمال لو أن هذا الفيلم التشويقي حقق نجاحاً كبيراً... لكن لم يفعل.

فيلم Bullet Train
فيلم Bullet Train

في خمسة أسابيع جلب الفيلم من السوق الأميركية 86 مليون دولار التي وصلت إلى سقف كلفته التي بلغت بدورها 84 مليون دولار، وبهذا وفرت السوق العالمية 88 مليون دولار فارتفع المجموع إلى 174 مليون دولار... جيدة لكنها ليست ممتازة. بالمقارنة مع فيلم Top Gun‪: maverick الذي قام توم كروز ببطولته، حقق الفيلم 691 مليون دولار في أميركا وسجل مليار و269 مليوناً و800 ألف دولار. ولا يزال نشطاً حتى الآن

تاريخ مميز لبراد بت

براد بت من الممثلين الذين اختلفت سبلهم. ما بين أفلامه الأولى في «ثلما ولويس» (ريدلي سكوت، 1991) و«جوني سويد» (توم ديشليو، 1991) و«نهر يمر عبره» A River Runs Through it (روبرت ردفورد، 1992) ولاحقاً «12 قرداً» (تيري جيليام، 1995) و«فايت كلوب» (ديفيد فينشر، 1999) وتلك التي تبعت بدءاً من Ocean‪’s Eleven ستيفن سودربيرغ، 2001) اختلاف كبير. فالمنهج السابق كان التمثيل في أفلام من خارج التوليفة الأميركية المعتادة

المخرجون سكوت وجيليام وفينشر وردفورد هم من طاقم يوفّر أفلاماً قد توزّعها الشركات الكبيرة لكنها تخرج عن تقاليدها. موضع براد بت هنا كان منسجماً مع تلك الأدوار الذكية والخارجة بدورها عما يمثّله آخرون.

فيلم A River Runs Through it
فيلم A River Runs Through it

بعد 2001 انساق إلى الدرب ذاته. ببساطة أخذ يقبل التمثيل في أفلام ذات مقاييس هوليوودية واضحة وبذلك تخلّى عن فرديّته وتحوّل إلى نجم أكثر مما كان عليه.

«بولِت ترين» تكريس للنجومية. الفيلم ينتمي إلى سينما الأكشن والذي حققه هو ديفيد ليتش الذي كان قبل تحوّله إلى الإخراج بديل براد بت في مشاهد الأكشن والخطورة (دوبلير).
مشاهد القتال في فيلم براد بَت الجديد «بولِت ترَين» لا تبقى كثيراً في البال. تتلاشى الحبكة بمرور الوقت وبعد أكثر من ساعتين تدرك أن المتعة المتوقعة كانت أشبه بملعقة سكر صغيرة داخل فنجان قهوة كبير.

كلما وضعت المزيد من السكّر افتقدت إلى طعم القهوة. ليس أن تصميم ثم تنفيذ مشاهد القتال خال من الإتقان، والمساحة الضيّقة (افتراضياً كون التصوير تم في الاستوديو) تستخدم جيداً. ما يحدث إثر كل معركة هو توقع معركة أخرى وتمثيل أقل.

سطح من الفوضى

لا أشك في أن الطموح كان أكبر من النتيجة، لكن المخرج ليتش ليس من يستطيع تحقيقه. محاولته هنا هي تقديم فيلم أكشن يتمتع بتفعيلة صغيرة (مثل ذلك الجهاز الذي يضعه برات بت في أذنه) تمكّنه من قول أشياء مصوّبة إلى الذهن. بعض المشكلة هنا هي أن أسلوب العمل كرتوني. وفي حين لست متأكداً من أن الرواية اليابانية لم تكن بدورها كرتونية، إلا أن الفيلم له- بالتأكيد- ذلك الحس.

الشخصيات كثيرة وأساليب قتالها مختلفة لكن الطعن وإطلاق الرصاص ورمي الأشخاص من السطوح هو ما يجمع بينها. على طريقة كونتِن تارنتينو في «بالب فيكشن»، هناك حديث طويل (بعض الشيء) بين رجلين أسود وأبيض لا علاقة له بالمهمّة التي جاءا من أجلها.

وعلى طريقته في «كلاب المستودع» تم تخصيص أسماء مموّهة لمعظم الشخصيات مثل تنجرين (آرون تايلور-جونسن)، ليمون (برايان تيري هنري) و»مستر دث» و«دبّور» و«أمير» ما يذكّرني، بدون مبالغة، بالأسماء التي كانت أفلام الفتوّة في خمسينات وستينات السينما المصرية تستخدمها لشخصياتها.

في مجمله، هو فيلم يعيش فوق سطح من الفوضى ولا يكترث. حتى ولو كانت الغاية هي تقديم فيلم فوضوي الشكل والتنفيذ، فإن هناك طرق أخرى لذلك أجدى، كتلك التي يستخلصها كونتن تارنتينو نفسه في Kill Bill مثلاً.في كل ذلك، يبقى براد بت ممثلاً يستحق المتابعة. لديه ذلك التوقيت الجيّد والأداء الممعن في السخرية الدفينة. يبتسم هنا ويتجهم هناك لكنه يبقى سهل القبول في كل الأوقات. إذا ما اعتزل قبل إنجاز فيلم آخر أفضل فإن هذا الفيلم نقطة سوداء في مسيرته الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود.

 

مقالات ذات صلة