أخذت ملامح ترشيحات جوائز الأوسكار بالتبلور باكراً هذا العام. ثلاث ممثلات يمكن القول إنهن سيقدن المنافسة على أوسكار أفضل تمثيل نسائي وهن:
- آنا دَ أماراس عن دورها في Blonde
- وتيلدا سوينتن عن دورها في The Eternal Daughter
- وكيت بلانشت عن دورها في Tar
فيلم «تار» ليس بالفيلم السهل الذي يمكن متابعته بصرياً فقط ولا تمثيل بلانشِت فيه، لاعبة دور إمرأة ذات هوس فني وتاريخ من المصاعب الشخصية أسمها ليديا تار، يمكن أن يوصف بأي شيء سوى البراعة والقوّة. هي الفيلم كله إلى حد بعيد. لكنه أيضاً الإطار الكبير الذي لولا تمكّن مخرجه من تلك الأدوات الفنية المستخدمة لتقديم الحكاية والشخصية التي تقودها، لما استحوذ الفيلم على هذا القدر من نجاح مهمّته.
الإعلان الترويجي لفيلم Tar
هي قائدة أوركسترا (شخصية خيالية) على أهبة اعتلاء المنصّة لتقديم السيمفونية الخامسة لغوستاف مولر. نراها كذلك في حديث صحافي لمجلة «ذا نيويوركر» يمتد- في الفيلم لنحو ربع ساعة، تتحدث فيها عن نفسها كقائدة أوركسترا وعن تاريخها كامرأة وعن مولر وحياته. لا تتوقف كثيراً عندما يسألها الصحافي أدام غوبنك (يؤدي دوره بنفسه) عن رأيها في مسألة أن تقود امرأة الأوركسترا. هي لا ترى في ذلك أي مدعاة للتمييز، وتعتبر، وهي ما زالت تدلي بإجاباتها على أسئلة الصحافي، بأن الموهبة لا تعرف جنساً مهما كان نوع العمل الذي يقوم به الفرد.
إلى ذلك، تحتوي المقابلة التي نتابعها كما لو كانت كيت بلانشِت تقوم بها على منصّة المهرجان نفسه، على آرائها في الحياة العامة وفي الجيل الجديد من طلاب الموسيقى الكلاسيكية وفي علم النفس ولديها مواقف ومدارك تؤكد أنها تعلّمت أن تكون سيدة نفسها.
كيف ذلك؟ هذا ما نحاول التوصّل إليه في هذا الحديث الذي تم في أعقاب عرض الفيلم مؤخراً في مهرجان فينيسيا:
كيت بلانشت في فيلم «تار»
في «تار». هي امرأة ذات مدارك واسعة وخبرات عديدة وذات سيطرة على مقادير حياتها. لا تشعر بالذنب حيال الماضي ولا بالقلق حيال المستقبل.
صحيح لأنها كتلة واحدة من القرارات والأفعال. لكني لا أعتقد أن هذه الشخصية فريدة بل نلتقي بها في حياتنا اليومية بصرف النظر عن المهنة التي تمارسها وتقوم بها. الفنان لا يختلف بل يتطوّر. البعض منهم يخفي تردده أو مشاكله النفسية ويتغلّب عليها طالما هو في دائرة الضوء. البعض الآخر يعكس تلك الشخصية الخاصّة به في وضعها المتردد أو الذي يقترح إنه يريد فعلاً أن يبدو في أعماله على هذا النحو.
«تار» ليس فقط عن حياة قائدة أوركسترا، بل عنها في مواجهة الـ «سوشيال ميديا»، كيف تجدين هذا الصدام الذي يقترحه الفيلم؟
أرى أنه واقع. الـ «سوشيال ميديا» بكل تأكيد لها قوّة إيجابية وأخرى سلبية، ونحاول جميعنا في هذا العصر توخي الحذر في أن نجد أنفسنا محط خلاف مع الإعلام عموماً لأن ذلك سيؤثر فينا إذا ما التقط شيئاً ليس واقعاً أو حقيقياً بل إشاعة. حتى ولو التقط شيئاً من الواقع فهو لن يبحث فيه بعمق ولا ينوي أن يستجوب الحقائق قبل إطلاق ما لديه من معلومات قد تكون مزيّفة. هذا هو الوضع. يخدمنا أحياناً وينقلب علينا أحياناً أخرى وفي الحالتين يسعى للنجاح على حساب الشخصيات. لا أريد طرح الموضوع خارج إطار الفيلم لكني أفسر ما أورده الفيلم فعلاً.
كيت بلانشت في فيلم «تار»
دورك هنا يتحدّث عن امرأة لديها ميول وسبق لك بالطبع أن لعبت بطولة «كارول» لتود هاينز وهو بدوره عن امرأة بميول. طبعاً هناك طن من أفلامك لا يتناول هذا الوضع، لكن هل تقدمين على تمثيل هذا الدور من باب الاختلاف أو التجديد؟
المسألة ليست هنا على هذا النحو الذي ذكرته. الحاجة لأداء أي شخصية على الإطلاق تتصل بالرغبة في تجسيد فعل نفسي ودرامي عندي. سألوني في المؤتمر الصحافي سؤالاً شبيهاً بسؤالك وكان جوابي أيضاً أن المسألة أعمق وأعقد بكثير. قلت أن الفيلم، على الرغم من إنه يتحدّث عن إمرأة وفيه شخصيات نسائية كثيرة، ليس عن النساء.
كيف ذلك؟
إنه عن الإنسان أو عن الناس في طبائعها. عن الإنسان كإنسان أولاً وقبل الحديث عن ميوله. الفيلم يستعرض أوجه الشخصية المختلفة وكل واحد منا مؤلف من عدة جوانب وليس من جانب واحد.
كيت بلانشت في فيلم «تار»
حين شاهدت الفيلم لم أر ممثلة تدافع عن شخصيّتها بل تكتفي بتقديمها كما هي. هل هذا رأي صائب؟
بالتأكيد. الفيلم لا يطرح أساساً أي رغبة في أن تكون ليديا موضوع حكم المُشاهد لها أو عليها. هي شخصية رئيسية لكنها ليست بالضرورة شخصية تطلب لنفسها عدالة من أحد. المطلوب منها أن تكون هي وأن تفرض على المُشاهد معاملتها باحترام وافق معها أو لم يوافق.