09 مايو 2023

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

متعاونة من مكتب بيروت

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

فايز قزق، فنان حتى العظم، متعدد المواهب والدراسات التي حصل عليها من بلده سوريا ومن أوروبا، لا يؤمن إلا بالنجاح المبني على قاعدة أكاديمية، وما عدا ذلك بنظره صدف قد لا تتكرر.. هو الفنان السوري المتلون في أدواره المتعددة بين المسرح عشقه الكبير، وبين التلفزيون الذي ساهم بانتشار صورته وأدائه المتميز.. في بيروت التقيناه في زيارته السريعة، لأن الوقت يداهمه نظراً لانشغاله بتصوير عمل لصالح إحدى المنصات العربية.. ولأن اللقاء معه له نكهة خاصة، ممزوجة بالثقافة والخلفية الأكاديمية، فقد جاء حافلاً بقضايا مختلفة:

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

ككاتب، مؤلف، مخرج وممثل، هل هناك أولويات في الأنماط العملية في حياتك؟

أنا لست مؤلفاً، بل أكتب في لحظة ما في منهاج الارتجال كمشرف على تدريب الطلاب في معهد الفنون، أما على مستوى الإخراج المسرحي فأنا متخصص به قدمت عدداً كبيراً من العروض لتدريب الطلاب وتقديم مشاريع التخرج، كما شاركت في عدد كبير من العروض المسرحية كممثل منذ العام 1981 إلى الآن، وتقديم المبادرات على كل مستوى من هذه المستويات كان أمراً مهماً بالنسبة لي، لتبقى الأولوية في حياتي لمعهد الفنون وتخريج أكبر عدد ممكن من المتدربين المتخصصين بالتمثيل سواء في سوريا أو خارجها. أما بالنسبة للسينما والتلفزيون فكان لا بد من تقديم مبادرات بين الحين والآخر، ويعتبر فيلم رسائل شفهية من أشهر الأفلام السينمائية السورية، ما «يطلبه المستمعون»، «خارج التغطية»، «فانية وتتبدد» وعدد كبير من الأفلام القصيرة، أما في التلفزيون فالممثل بوصفه أكاديمياً يفترض أن يقدم شيئاً متميزاً على مستوى فن وعلم التمثيل، وطبعاً لا يمكن تقديم هذه المبادرة دوماً بصورتها البهية كما وجدناها في بعض المسلسلات مثل مسلسل «عمر الخيام»، «الحجاج»، «كسر عظم»، «الزند» وغيرها من الأعمال، التي تكاملت فيها عناصر الكلمة الإخراج والتمثيل والإنتاج لتقديم مبادرة مهمة وشيقة للناس.

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

من يحدد ما إذا كانت ستكون كذلك؟

لست في العملية الإنتاجية مئة بالمئة لكي أستطيع تلمس الموضوع عن كثب، ولكني أعتقد أن الإنتاج الضخم الذي يقدم الصورة المبهرة، حتى لو لم يكن الموضوع مهماً، يمكن أن يضج به الإعلام وأن يحقق نتائج جيدة، ولكن هذا لا يحصل دائماً، وأحياناً يرتبط النجاح بأسماء نجوم معينة، حتى لو كان المسلسل متواضعاً في فكرته، فنحن ارتبطنا بـ «كاساندرا» مثلاً لفترة طويلة مع أننا لا نعرف من هي ولا البيئة التي عاشت فيها، كذلك ارتبطنا بـ «مهند» مع أنه لا علاقة له بمجتمعاتنا العربية وقصصه مختلفة عن قصصنا، وأكثر حاولنا تقليده. إذاً المسألة مرتبطة بكيفية إدارة هذا الكم الكبير من الناس ودراستهم سيكولوجياً، اقتصادياً واجتماعياً بشكل يؤدي بكل من يعمل في هذا القطاع لتحقيق مكاسب مهمة وانتشار كبير حتى لو لم يكن الموضوع مهماً.

معظم التلفزيونات العربية لا تزال تقف عند حدود تقديم البيئة بكل عناصرها وتفاصيلها

التسويق الإعلامي يؤثر في هذا الاتجاه؟

تسويق العمل الفني بشكل منظم ومدروس عامل مساعد، ولكن عندما يكون العمل غير جيد، مهما كان التسويق مهماً، يمكن أن يقبل عليه الجمهور لفترة، ثم ينفض من حوله. المسألة لها علاقة بوعي المشاهدين الذين تختلف بيئتهم وتفكيرهم، تربيتهم ومستويات تعليمهم وثقافتهم، فوعي الإنسان يمكن أن يجعله يندفع باتجاه فكرة أصيلة أو يبعده عنها إن لم يكن قادراً على فهمها وفهم إشاراتها، ولذلك نجد أن معظم التلفزيونات العربية لا تزال تقف عند حدود تقديم البيئة بكل عناصرها وتفاصيلها، وبمعنى آخر لم يتركوا للجمهور أي خيار على مستوى الخيال، بمعنى أن تكون هناك دراسات حول الصورة وإمكانية أن تكون هذه الصورة مفعمة بالإشارات التي توقظ الخيال وتعطي المشاهد التلفزيوني فرصة للخوض فيه.

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

كيف ترى ما نشهده اليوم من انحسار للحركة المسرحية لصالح التلفزيونات والمنصات؟

لا شك بأن النهر الدافق من التحول الرقمي كان له انعكاسات على الإنسان أينما كان، فنحن فقدنا الكثير من الساحات الثقافية العربية، ولم يبق لدينا مسارح ودور سينما.. إن دماغ الناس يحشى يومياً بآلاف الصور والرموز لعدم ترك أي فرصة للنقاش أو استخدام اللسان استخداماً حقيقياً ليس فقط للطعام وإنما أيضاً لتناول الأبجديات المعروفة في مقهى، في مسرح، في جريدة وقصة قصيرة ورواية. الساحات الثقافية هشمت خصوصاً في ظل عدم الرعاية عموماً للفنون والآداب، وبالتالي انحطاط الذوق الفني للمشاهد العربي. لا أخفي قلقي على جيل يكاد العالم الافتراضي يكون الأوحد عنده، جيل غارق في سيل من المعلوماتية لدرجة أنهم سكارى هناك، لا نستطيع الحديث معهم، لأن قسماً كبيراً منهم لا يؤمن بالثقافة ولا بالمدرسة والكتب وما يدور في الأماكن الثقافية لأنه لا يفقه فيها شيئاً، ولم توفر له في تعليمه سبل فهمها، لذلك وجب إنقاذهم من خلال التلفزيون وبرامجه التوعوية، ومن خلال المدارس، وتأمين مستقبلهم من خلال فتح أسواق العمل أمامهم.

هذا ما يجعلك تسعى إلى فتح فرص عمل أمام طلابك في معهد الفنون، ولهذه الغاية رأينا بعضاً منهم في مسلسل «الزند»؟

أنا لا أفتح الفرص، بل أعمل على تدريبهم إلى العتبة النهائية لدراستهم في المعهد، وعندما يتخرجون، يأتي دور الدولة والقطاع الخاص.

ولكنك ترشح أسماء لبعض الأعمال؟

بالتأكيد، فعندما يكون أمامي فرصة لترشيح طلابي لا أوفرها، خصوصاً وأني على ثقة من قدراتهم ومواهبهم، وكثير منهم أصبحوا نجوماً ونجمات في مجال السينما والمسرح والتلفزيون، وأيضاً على مستوى الإعلام مثل الأستاذ عمر أبو سعدى الذي كتب «الزند» وهو واحد من طلاب معهد الفنون، قسم الدراسات المسرحية.

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز
من كواليس مسلسل "الزند"

البعض يرى أن الدراسة الأكاديمية ليست أساساً لأصحاب الموهبة ليصيروا نجوماً؟

مسألة النجومية تتعلق بالفرص التي تعطى لأصحاب المواهب سواء ممن تخرجوا من المعاهد أو لا، ومنهم من يستطيع تحصيلها بالصبر والاجتهاد والمتابعة، وبأن يحاول أن يرفع سقف وعيه وثقافته من خلال التجربة فيصبح نجماً، ولكن عندما أتحدث عن المسألة ذات الطابع الأكاديمي أقول إن الموهبة وحدها لا تكفي لأنها تحتاج إلى رعاية وعناية وتوجيهها توجيها حقيقياً علمياً لكي يتم الاستثمار بها سريعاً.

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

في مسلسل «الزند» رأينا مشاهد اقتلاع العينين، في «العربجي» رأينا جثة محترقة ومشوهة، في الوقت الذي كان ممنوعاً على الدراما اعتماد مثل هذه المشاهد، فهل كسرت الدراما اليوم كل القواعد والتابوهات؟

لا يمكن للدراما أن تتخطى بهذا المعنى الحروب وضحاياها، ومع ذلك أنا لا أحبذ هذه المشاهد إلا إذا كانت مهمة ومبررة درامياً، ومشهد قلع العين الأولى في «الزند» كان مبرراً لشاب صغير قتل والده أمام عينيه، ولم يكن دموياً بالمقارنة مع مشهد قلع العين الثانية حيث كانت الصورة بالنسبة لي شيكسبيرية كرجل أكاديمي. إن ظلمة «إدريس» في قلع عينه الثانية هي استعاده لإنسانيته وإنارة لذاته من الداخل، لذلك مضى في صمت ولم يصرخ مثل المرة الأولى!! هنا نجد أن هناك نوعاً من الرسائل مفادها أن الإجرام له نهاية، أما على مستوى «إدريس» نفسه فقد كان صمته المطبق إدراكاً لحقيقة أنه بات أعمى بالكامل وهذا على المستوى الفلسفي يعني إنارة لعالمه.

فايز قزق: كل شيء مباح في الفنون شرط عدم الاستفزاز

ما هي الخطوط الحمر التي لا تقبلها في الدراما؟

كل شيء مباح في الفنون والآداب بشرط معرفة كيفية تقديمه، وكل القضايا التي تعني الإنسان مباح لنا كفنانين حقيقيين وأصحاب عقول نيرة أن نضيء عليها في كل المنابر التي نعمل بها، وهذا واجبنا لكي نعمل على حل القضايا العالقة، ونفتح الطريق إلى المستقبل، شرط عدم الاستفزاز وتحريض الأرواح المسعورة.

كما حصل مع مسلسل «ابتسم أيها الجنرال» الذي اعتبر بأنه يؤجج صراعات ليس وقتها؟

بصراحة لم أشاهد العمل، وأنا أتحدث بصورة عامة، لأننا بحاجة لتوحيد الصفوف، خصوصاً وأنه لدينا كمية كبيرة من الأميين والأميات والجهلة بعد الفترة الصعبة التي مرت بها المنطقة العربية، ويفترض أن يشكل الفنانون في كل الأحياز الفنية عاملاً ملطفاً ومهدئاً، وهذا الأمر يحتاج إلى ذكاء وحكمة وعقل ذي طبيعة ملماحية قادرة على جذب الناس باتجاه بعضهم البعض، وليس لتفريقهم.