19 يوليو 2023

صاحبة اللكنة الإنجليزية

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

جين بيركن
جين بيركن

فارقت الحياة في باريس المغنية والممثلة بريطانية المولد، فرنسية الإقامة، جين بيركن. إنها وجه فني شهير، والشهرة قد تأتي من عدة عوامل، وقد لا يكون لها علاقة بالموهبة.

يلفت النظر ذلك الاهتمام الإعلامي الذي رافق رحيلها. فقد احتل الخبر صدارة نشرات الأخبار. وخصصت قنوات التلفزيون برامج تستعيد سيرتها وقصص حبها وزواجها. وهي سيرة مثيرة بالفعل. وقد نعاها الرئيس إيمانويل ماكرون وكذلك وزيرة ثقافته. وجاء في النعي أن جين بيركن كانت مغنية هائلة وممثلة عظيمة.

نقول في أمثالنا الشعبية إن «الضرب في الميت حرام». فهل النقد وإبداء الرأي حرام أيضاً؟ إن إضفاء صفات العظمة على شخصية فنية متواضعة هو قدح في رأيي وليس مدحاً. وقد كانت جين بيركن إنسانة متواضعة بالفعل، على المستوى الاجتماعي. وهي ذكية وطيبة وبالغة اللطف. ولو قدر لها أن تقوم من رقدتها وقرأت المدائح التي قيلت في نعيها لشعرت بالخجل ووجهت اللوم للناعين.

اشتهرت بيركن في فرنسا حين ارتبط اسمها بالموسيقي سيرج جينسبرج. كان فنانا متمرداً ومستفزاً لا تفارق السيجارة فمه. وقد اشترك معها في تقديم أغنية إباحية، عام 1972، أثارت ضجة كبيرة خصوصاً بعد أن أصدر بابا الفاتيكان قرارا بتحريم الأغنية. ومن يعود إليها يجد أن جين لا تغني بل تهمس، فهي ذات صوت بالغ النعومة، لا يمكنه الوقوف لوحده بدون الاستناد على موهبة شريكها كاتب الأغنية وملحنها جينزبرج.

لم يكن العيش مع جينزبرج سهلاً. فهو سكران ليل نهار. أقام علاقة مع بريجيت باردو، في أوج شهرتها، ولما تركته حاول نسيانها مع جين بيركن. وكانت جين متزوجة سابقا ًمن ملحن بريطاني ولها بنت. وقد أثمر ارتباطها بالموسيقي الفرنسي ابنة ثانية. وبعد انفصالها عنه تزوجت مخرجاً فرنسياً وأنجبت بنتاً ثالثة. وطوال إقامتها في فرنسا التي زادت على نصف قرن، بقيت تتكلم الفرنسية بلكنة انجليزية. وقد كانت لكنتها لذيذة وجذابة بحيث إنها تعمدت الحفاظ عليها والمبالغة فيها. كما اشتهرت برفضها لعمليات التجميل وجرأتها في الظهور بوجهها الطبيعي وبدون زينة حتى بعدما تجاوزت السبعين وتسللت التجاعيد إلى وجهها الذي كان جميلاً.

حين انفصلت عن جينزبرج تصور الجميع أنها ستذهب إلى أدراج النسيان. لكنها تمكنت بذكائها من البقاء في المشهد الفني الفرنسي وكانت ترعى ذكراه وتعيد ترديد أغنياته بعد أن سبقها إلى الرحيل.

فنانة جريئة؟ بالتأكيد. فقد ناصرت العديد من القضايا الإنسانية ودافعت عن حقوق النساء ورفعت صوتها الرقيق ضد الظلم. وقد يكون الصوت هشاً ورقيقاً لكن الكلمات قوية. وبهذا فإن جين بيركن كانت امرأة قوية رغم حرصها على أن تبقى في مظهرها طفلة حتى النهاية. فهي تتلعثم وتخجل وتحمر وجنتاها مثل المراهقات أمام الكاميرا. ترتدي سراويل عتيقة وبلوزات مغسولة مئة مرة، لا تنسجم مع نجوميتها. وعندما كانت تظهر مع بناتها فإنها تبدو البنت وهن أمهاتها. ليس شكلاً وإنما ضعفاً وتردداً.