النجاح الذي أنجزه «أفاتار: طريق الماء» كان متوقعاً. جلب أكثر من مليار دولار في شهر واحد، وهكذا فعلت أفلام حديثة أخرى في الأشهر السبعة الأخيرة. لكن «أفاتار: طريق الماء» كان مخاطرة كونه- في نهاية المطاف- فيلماً حقيقياً وليس كوميكس متداولاً ومصنوعاً على الكومبيوتر بكامله.
المفاجأة الكبرى الآن هي في فيلم «أوبنهايمر» الذي ليس من النوع الترفيهي الذي كان عليه «أفاتار 2». رغم ذلك سجل- وحتى كتابة هذه السطور- 700 مليون دولار.
الأكثر غرابة هو أنه نزل للعروض مع فيلم كان أيلاً للنجاح هو «باربي» (يساوي نكلتين بالمقارنة لكنه ترفيهي). رغم ذلك صمد «أوبنهايمر» أمامه وسجل ذلك المبلغ الذي لم يكن متوقعاً لفيلم من 3 ساعات.
مبارك كبيرة للمخرج كريستوفر نولان. يستحقها في زمن هوليوودي يرفض أن يلعب دوراً جاداً حيال الفن وحيال المضمون. هوليوود التي كانت طوال عمرها تشتغل على المضمون والفن ولو بصيغ ترفيهية، باتت تشتغل على الترفيه وحده. ربما الآن تبدأ بالتفكير في ممارسة لعبة متوازنة.
في لقاء تم بين مجلة «ذ هوليوود ريبورتر» والمخرج كريستوفر نولان، ضمن سلسلة «طاولة مستديرة»، سأله المحرر: «ما هي وظيفة المخرج؟». سؤال مهم وكبير في مساحاته وردوده، إذ هناك أكثر من جواب صحيح له والعديد من الإيضاحات المحتملة. لكن نولان اكتفى برد بسيط لم يكن متوقعاً إذ أجاب: Just Putting Images together (ضم الصور بعضها إلى بعض فقط).
من كواليس تصوير فيلم «تذكارات»
مع عروض فيلم نولان الذي تداوله مئات النقاد حول العالم، تبدو المسافة بين أول فيلم اشتهر به، Memento («تذكارات، 2000) وبين هذا الفيلم متعددة الجوانب. الفيلم السابق يبدو كما لو كان أصغر أعماله، في مقابل «أوبنهايمر» بضخامة إنتاجه. هذا على نحو عمودي. لكن على نحو أفقي، فإن «ميمنتو» و«أوبنهايمر» متصلان برابط متين يتضح بملاحظة أن ذلك الفيلم السابق تحدث عن رجل (غاي بيرس) يعيش تحت وطأة ذاكرة قصيرة الأمد في الوقت الذي يحاول فيه معرفة من قتل زوجته. السيناريو، كما وضعه كريستوفر نولان، عن قصة قصيرة لشقيقه جوناثان، جرى ترتيب أحداثه بتزامن غريب ومثير: إعادة سرد الأحداث من آخرها وصولاً لأولها (الاتجاه المعاكس لكل فيلم آخر في التاريخ).
بينما لا يعمد «أوبنهايمر» لهذه الطريقة، إلا أن الاستعادات التي فيه (كثيرة) هي بدورها مثل تلك النقلات الزمنية المعاكسة التي في «ميمنتو». هذا ما دفع نقاداً أميركيين (وبعدهم مترجمين) للقول إن أفلام نولان ما هي إلا لعب في الزمن، من دون الرجوع إلى الفيلم المذكور أو سواه لتأكيد هذا الاهتمام الذي يتابعه نولان عبر أفلامه.
في الواقع، كل أفلام نولان تحمل هاجس الزمن. نلحظ ذلك في «استهلال» (2010) و«بريستج» (2006) تلك الخيوط المتشابكة بين ما هو حالي وماضٍ ومستقبلي. بين عالمين نعيش أحدهما ونعتقد أننا لا نعيش في الآخر.
مراجعة أفلام نولان السابقة، وهو ما أمضيت أيامي القليلة الماضية أفعله رغم مشاهدتي لها حين خروجها، تفيد بكيف ولماذا مفهوم الزمن مهم عند نولان؟ إنه الألم الذي يعانيه باتشينو في «أرق» والشغف الذي يعايشه كرستيان بايل وهيو جاكمان في محاولة كل منهما بز الآخر في صنع الحيل والأعجوبات في «برستيج»، ثم هو الإمعان في دخول ليوناردو ديكابريو الزمن الموازي لتحقيق مآربه في الزمن الحاضر.