منذ نزولها إلى الملعب لفتت الرياضية أريولا ديداي أنظار متابعي دورة الألعاب الأولمبية لذوي الإعاقة والتي جرت مؤخراً في باريس، وأمام المستطيل المغطى بالرمل ظهرت بطلة القفز العريض ألبانية المولد، إيطالية الجنسية..
وهي تخفي عينيها بقناع على شكل فراشة ملونة، إنها كفيفة البصر، أي لا ترى، لكنها دربّت نفسها على رؤية العالم بحواسها الأخرى السليمة ووصلت إلى حد المنافسات الدولية، هذا ما يسمونه البصيرة.
صار لقبها في وسائل الإعلام «المرأة الفراشة»، وكل المعلقين يتحدثون عنها وجميع الصحافيين يسعون لمعرفة حكايتها، كان اختيارها قناع الفراشة الأزرق تعبيراً عن رغبة أنثوية في الظهور بمظهر جميل والانتماء للأناقة الإيطالية الشهيرة، وجاء الأزرق منسجماً تمام الانسجام مع بدلتها الرياضية الزرقاء..
كانت تتنافس على نهائيات بطولة القفز العريض لفئة T11 المخصصة للأشخاص الذين يعانون من فقدان كامل للبصر، ومنذ ظهورها في «ستاد دو فرانس» في 30 من شهر أغسطس الماضي تحولت أريولا إلى أيقونة لهذه الدورة الأولمبية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
ولمن لا يعرف، فإن القناع الذي يغطي العينين إجباري في مثل هذا النوع من الرياضات، وهي حين قفزت فإنها لم تتمكن من الفوز بميدالية من الميداليات الثلاث الأولى وحلّت في المركز الرابع..
لكن مئات الآلاف في وسائل التواصل اعتبروا قفزتها إنجازاً عظيماً لأن «الفراشة» عرفت تستخدم جناحيها الرقيقين إلى الحد الأقصى.
ليست المرة الأولى التي تغطي فيها اللاعبة الكفيفة البالغة من العمر 43 عاماً عينيها بقناع، فقد سبق لها الظهور بأقنعة ملونة في منافسات سابقة بحيث جعلت من القناع موضة تتبعها فيها رياضيات أخريات ممن فقدن البصر كلياً أو جزئياً، ففي كل واحدة من تلك المباريات كان قناع أريولا يشكل مفاجأة جديدة مختلفة للجمهور..
إنها لا تتحرج من إضفاء لمسة من البريق والنجومية على مظهرها رغم الإعاقة التي تعاني منها، ففي بطولة العالم للمعاقين التي جرت في اليابان في مايو الماضي اختارت المتسابقة الإيطالية تغطية عينيها بقناع ذهبي محلى بالريش وبلمسات من ألوان علم بلادها، وفي مسابقات أخرى رأيناها ترتدي قناعاً مطرزاً باللؤلؤ.
لم تكن طفولة البطلة الأولمبية سعيدة، فهي ولدت في تيرانا عاصمة ألبانيا عام 1981، وحسب تصنيف مرصد الأمراض النادرة فإنها أصيبت في سن الثالثة بداء وراثي تنكسي للعين يؤدي إلى فقدان للبصر ويصل تدريجياً إلى العمى..
وذات ليلة عاصفة من شتاء 1998 هاجرت أريولا إلى إيطاليا على متن قارب مطاطي منفوخ، وجاءت هجرتها بسبب الحرب التي كانت قائمة في بلدها، وقد قالت في ما بعد إن الهجرة كانت فرصة كبيرة بالنسبة لها، فالرحلة على الأقل لم تنته بمأساة مثل العديد من غرق المهاجرين عبر القوارب..
وأضافت: «كان الكثير من الأشخاص يتركون أوطانهم بحثاً عن حياة أفضل لكن بينهم من لا يصل إلى الضفة الأخرى للأسف، وهو أمر مؤلم جداً»، يتحولون إلى ولائم لأسماك البحر.
مع زوجها وابنها
وسواء في ألبانيا أو في إيطاليا فإنها عانت باستمرار من التمييز ومن نظرات الغير بسبب عاهتها، لكنها بدأت تستعيد ثقتها بنفسها بعد بلوغها المركز السادس في دورة ريو دي جانيرو الأولمبية عام 2016 ثم فوزها ببطولة العالم في لندن في العام الذي يليه..
من يومها قررت ارتداء الأقنعة الملونة والفنتازية التي جعلتها متميزة بين غيرها من الرياضيات، كان ذلك هو أسلوبها للتعبير عن افتخارها وبأن العاهة ليست سبباً للشعور بالعار.
كاميلا مولر
عاشت الرياضية الأربعينية حياتها كامرأة طبيعية، وارتبطت منذ سنوات بشريك حياتها الرياضي الإيطالي إيمانويل دي مارينو، ورزقت منه بطفل يدعى ليو..
وهي سعيدة لأن أقنعتها ألهمت زميلات لها ورأينا أكثر من لاعبة كفيفة البصر تغطي عينيها بقناع ملون في دورة باريس الحالية والتي تستمر حتى 8 من الشهر الجاري، إن المرأة لا تتخلى عن أنوثتها رغم الظروف الصعبة..
وهي تجد الإكسسوار المناسب لأناقتها حتى لو لم تبصره عيناها، ومن هؤلاء الرياضيات كاميلا مولر التي ارتدت قناعاً يحمل صورة عيني المرأة الخارقة «واندر وومن» وتاجها، وهي علامة للقوة والشجاعة.
تاليتا سمبليسيو
أما البطلة البرازيلية تاليتا سمبليسيو فقد ارتدت قناعاً يحمل صورة مدينتها التي رأت فيها النور، حتى لو لم تره مثل المبصرين، ومنذ بدء الدورة الأولمبية وحتى الآن امتلأت مواقع التواصل بالمنشورات التي تحيي شجاعة الرياضيات الكفيفات وتثني على جمال مظهرهن.