9 مارس 2022

هل يجوز شرعًا حرمان الأبناء العاقين من الميراث؟

محرر متعاون

محرر متعاون

هل يجوز شرعًا حرمان الأبناء العاقين من الميراث؟

تعددت وتنوعت مظاهر عقوق الأبناء في مختلف الدول العربية، وشهدت ساحات المحاكم نزاعات بين الأبناء والآباء لم نشهدها من قبل، وتعرض بعض الآباء لآلام نفسية لا تحتمل بسبب عقوق أبنائهم ومحاولة فرض وصايتهم على الآباء ومصادرة أموالهم وهم أحياء، الأمر الذي دفع بعض الآباء إلى التبرع بأموالهم لمؤسسات خيرية وحرمان أولادهم من الميراث.

فهل من حق الآباء شرعاً حرمان أولادهم جميعاً أو بعضهم من الميراث انطلاقاً من أن هذه أموالهم وثمرة كفاحهم وهم أحرار في التصرف فيها وفق ما يرون؟

توجهنا لعدد من كبار علماء الإسلام بعد أن أعلن عدد من الآباء اعتزامهم التصدق بأموالهم في وجوه بر متنوعة والإبقاء على القليل لأولادهم.. وهنا ما قاله العلماء ونصحوا به الأبناء والآباء معاً:

هل يجوز شرعًا حرمان الأبناء العاقين من الميراث؟

الحرمان من الميراث فضلاًَ عن حرمته الشرعية يعمق خصال الحقد والغدر ببعض الورثة

يقول عالم الشريعة الإسلامية د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، «المال مال الله حتى ولو شقي الإنسان وكافح من أجل تحصيله، وقد شرع الله الميراث ليتم تداول المال بين الأجداد والآباء والأبناء بشكل منظم ومستقر حرصاً على حقوق الجميع ومنعاً للنزاع. من هنا لا يجوز للآباء حرمان أبنائهم من الميراث عقاباً لهم على عقوقهم».

ويضيف «قد نلتمس العذر للآباء الذين يعانون نفسياً من جحود وعقوق أبنائهم، لكن علينا أن ننصحهم بالسلوك الشرعي الصحيح هنا ونخفف عنهم معاناتهم، ونقول لهم: احتسبوا ما ترونه من أبنائكم عند الله وادعوا لهم بالهداية، فالحرمان من الميراث فضلاًَ عن حرمته الشرعية قد يدفعهم إلى العناد ومزيد من التمرد، كما أنه سيعمق في نفوسهم خصال الحقد والغدر ببعض الورثة الذين نالوا حقوقهم أو كانوا سبباً في دفع الآباء إلى حرمان أبنائهم من الميراث.

والحوادث التي تؤكد ذلك كثيرة ومتنوعة في حياتنا الواقعية، فتداعيات الحرمان من الميراث في مجتمعاتنا العربية كثيرة ومتنوعة، حيث تتعدد وتتنوع جرائم العنف الأسري وتتطور إلى درجة أن يقتل ابن أبيه الذي كان سبباً في وجوده، أو يقتل الأخ شقيقه متنكراً لصلة الدم والرحمة، وما تطالعنا به صفحات الحوادث والجرائم من جرائم منكرة بسبب الحرمان من الميراث مفزع ومؤلم، ولا ينبغي أن تحدث في مجتمعات ترتبط بوشائج المودة والرحمة بين أفراد الأسرة مثل مجتمعاتنا الإسلامية».

الإسلام لا يعطي للأب حق توزيع ثمرة جهده وكفاحه على البارين من أبنائه فقط

وهنا تتدخل الأزهرية د. سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية لتؤكد ما يقوله د. غنايم، «التوزيع العادل للميراث من أعظم أسباب صلة الرحم، واتباع الهوى والظلم في توزيع هذا الحق الإلهي من أخطر أسباب الشقاق والتقاطع بين الأهل والمحارم، ذلك أن من عظمة شريعتنا الإسلامية أنها حددت أنصبة كل وارث بالعدل، وجنبت هذه «الفريضة» الأنانية والعاطفة الضيقة، وكل من يبتعدون عن حدود الله في الميراث، ويحرمون هذا ويعطون ذاك، يزرعون بذور الفتنة بين الابن والبنت، أو بين الولد والعم بما يهدد البناء الأسري والإنساني للمجتمع كله».

وعن سلوك بعض الآباء الذين يعانون من عقوق أبنائهم ويحرمونهم من الميراث عقابا لهم على ذلك، توضح د. سعاد صالح «رغم فداحة ما يفعله هؤلاء من عقوق وجحود مع آبائهم، فإن الإسلام لا يعطي للأب حق توزيع ثمرة جهده وكفاحه على البارين من أبنائه فقط، بل ينبغي أن يتغلب كل أب يعاني عقوق ابنه على مشاعر الغضب والحسرة داخله ويترك ما قرره الخالق من ميراث ليوزع بعد رحيله وفق ما قرر سبحانه وتعالى».

وتضيف «لا خلاف على أن الأب الذي يعاني عقوق ابنه يشعر بحسرة ومرارة عندما يرى فلذة كبده يعاند ويكابر ويتعامل معه بجحود ويتمرد على تعاليم السماء بالطاعة والبر والإحسان إلى الوالدين، وهذا الأب قد يبذل كل جهده لإصلاح ابنه ولا يرى أثراً لذلك، ومن الطبيعي أن تسيطر عليه مشاعر الألم التي تدفعه إلى عقاب ابنه العاق، لكن الرحمة التي غرسها الخالق في قلب كل أب ينبغي أن تكون هي الغالبة والمسيطرة في كل المواقف، وأن يتوجه كل أب يعاني عقوق ابنه إلى الله عز وجل بالدعاء له بالهداية والصلاح».

هل يجوز شرعًا حرمان الأبناء العاقين من الميراث؟

حرمان بعض الورثة من حقوقهم الشرعية في الميراث معصية كبرى وعدوان

د. مجدي عاشور، كبير أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية، يربت على قلب كل أب يتألم من عقوق أبنه ويدفعه غضبه إلى التفكير في حرمانه من الميراث، ويبين «فوض أمرك لله، وادعو لابنك بالهداية والصلاح بعاطفة الأب المتسامح دائماً مع أبنائه، وتذكر أن ما تفكر فيه مخالفة لشرع الله، بل فيه إنكار أو جحود لأمر قرره الخالق، فالله سبحانه وتعالى هو الذي قسم المواريث بنفسه في كتابه الحكيم، وجعل الميراث وصية وفريضة فقال: «يوصيكم الله في أولادكم»، وقال في آخر آية المواريث: «آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما».

فالإسلام لم يحرم من الميراث إلا القاتل لمورثه فلا ميراث للقاتل». ويشير إلى أن الطمع في الميراث يخلق الكراهية والبغضاء بين الأخوة وبين الأقارب المستحقين للميراث، وأن ما تشهده ساحات المحاكم من قضايا محزنة ومخزية بين أشقاء يتنازعون على ميراث الأب والأم، يحركه الجشع والطمع والرغبة في أكل أموال الناس بالباطل،«لو علم هؤلاء الطامعون ما ينتظرهم من عذاب أليم ما فكروا لحظة في حرمان أحد من حقه الشرعي».

وينصح «يجب أن يعلم كل مسلم أن الالتزام بما شرعه الله في الميراث، وإعطاء الحقوق لأصحابها يجلب له رضا الله وعظيم ثوابه، وأن حرمان بعض الورثة من حقوقهم الشرعية في الميراث معصية كبرى وعدوان على حدوده، وبقدر ما كان الفوز عظيما في الالتزام بمنهج الله، والحرص على إعطاء الحقوق لأصحابها، بقدر ما يكون العقاب شديدا وقاسيا على الطامعين، ولذلك يقول الحق سبحانه عقب آيتي الميراث: «تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين».

 

مقالات ذات صلة