8 نوفمبر 2021

حقوق الميراث.. لماذا تحول الإخوة إلى أعداء؟

محررة متعاونة

محررة متعاونة

حقوق الميراث.. لماذا تحول الإخوة إلى أعداء؟

حقوق الميراث لا تزال الفريضة الغائبة في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فما زلنا نرى الكثير من النزاعات المالية بين الإخوة والأقارب بسبب تقسيم الميراث والتي تؤدي إلى خلافات كبيرة بينهم تمتد إلى أشهر وسنوات.

أصبحنا نسمع قصصاً حزينة عن قطيعة الرحم بين إخوة وأخوات وتحول أشقاء إلى أعداء في لحظة، حتى أن الكثير من النزاعات الأسرية أمام المحاكم هي قضايا النزاع بين الإخوة على الميراث، وهناك أسر خسرت أبناءها بسبب الميراث.

لكن كيف تحول أبناء الدم الواحد والرحم الواحد إلى القطيعة والكره؟ وكيف يتحولون بعد أن عاشوا أجمل سنين عمرهم في «بيت واحد» إلى «أعداء»؟

تناقش «كل الأسرة» أسباب تفشي هذه الظاهرة بشكل مخيف في مجتمعاتنا العربية خلال السنوات الماضية، وتبحث مع علماء الطب النفسي وخبراء الاجتماع والعلاقات الأسرية سبل الحد منها:

أسباب زيادة ظاهرة الجرائم الأسرية بسبب الميراث تعود إلى سوء التربية والنشأة غير الصحيحة للأبناء

بداية، تؤكد الدكتورة نسرين البغدادي، أستاذة علم الاجتماع والمديرة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن زيادة ظاهرة الجرائم الأسرية بسبب الميراث تعود إلى سوء التربية والنشأة غير الصحيحة للأبناء وغياب الوازع الديني بينهم، فالآباء أحياناً هم من يدسون السم في عقول أولادهم بالتمييز بينهم بحجج واهية ودوافع غير منطقية ينشؤون على الأنانية وحب الذات والكراهية لأقرب الأقربين.

وتقول «لو علم كل أب وأم أن التمييز بين الأبناء ستكون نتيجته خصامًا وقطيعة وكرهاً وعداوة بسبب الميراث لما فعلا ذلك أبداً، فحين ينحاز الآباء والأمهات إلى بعض الأبناء الذكور أحياناً، وربما الإناث، ينشأ الأولاد ونفوسهم مشحونة ضد آبائهم وضد بعضهم البعض، وبذلك يهرب الاستقرار وتختفي الطمأنينة من الأسرة التي ينبغي أن يسودها الحب والوئام والتفاهم والتعاون والتماسك، والنتيجة أنهم ينسون أن الشخص الذي رحل أمضى حياته وهو يعمل من أجل أن يوفر لهم حياة كريمة، وظن أنه حقق ذلك، وأن تركته لهم ستلم شملهم، فهو لم يخطر له يوماً أن أولاده سيجرهم طمعهم إلى أروقة المحاكم».

وتشدد أستاذة علم الاجتماع على أن الأبناء أهم نعمة ينعم بها الله على الأب والأم، وهم قرة العين والمفترض أن يتساوى حب الآباء لجميع الأبناء ولا يحدث أي تمييز، ولو ضمنياً، وإلا دبت الفرقة بين الإخوة ونما الحقد والكراهية بينهم، ويصبح أمر عودة المحبة والمودة بينهما مستحيلاً.

حقوق الميراث.. لماذا تحول الإخوة إلى أعداء؟

الميراث الوحيد الذي يجب أن ينشغل به الآباء هو ترك إخوة متحابين فمحبة الإخوة هي خير ميراث

ويتفق معها الدكتور محمد مسلم الحفني، استشاري الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية، في أن التمييز بين الأولاد والتفريق بينهم في أمور الحياة سبب للعقوق، وسبب لكراهية بعضهم البعض، ودافع للعداوة بين الإخوة، وعامل مهم من عوامل الشعور بالنقص.

ويبين «إن التربية لها الدور الأكبر في الحد من الخلافات على الميراث بين الأبناء، وتشمل التربية بالقول، والعمل، والممارسات، والسلوكيات، التي من شأنها أن تحدد مدى المحبة والتواصل أو الجفاء والتباعد بين الإخوة، خاصة بعد وفاة الأب».

ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية أن الأخ الأكبر من المفترض أن يكون بديلاً عن الأب في الرقابة والرعاية لجميع أفراد الأسرة «ولكن في أغلب الأحوال يكون على العكس إذ يكون ذا شخصية متسلطة تمارس القيادة في أسوأ أشكالها، فهو الآمر الناهي الذي لا يقبل مناقشة أو مراجعة ولا يتقبل أي نقد ومن يعاني هم إخوانه الصغار وخاصة البنات منهم، فمعظم الأسر تعلي شأن الذكر وتفضله على الأنثى مما يجعل الولد ينظر إلى أخته بنفس المعيار على أنها مخلوق أدنى منه فيشعر الأخ هنا بأنه رجل ويجب أن تطيعه أخته سواء كانت أصغر منه أو أكبر لأنه يحمل امتيازات كونه الذكر وهي الأنثى لذلك يمارس سلطته بنوع من الاستبداد والديكتاتورية ليشعر في أعماقه أنه كبر وأصبح رجلاً وله كلمة مسموعة. لذلك يتوهم البعض أن ذلك أصبح حقاً مكتسباً له، أن يستولى على حق البنات، ولكن هذا ظلم بيّن للفتاة ويجب أن يتوقف هذا الظلم حتى لا نرى الدماء والقطيعة وغيرها من مشاعر الكراهية والعداوة بين الإخوة. ودائماً ما أؤكد أن الميراث الوحيد الذي يجب أن ينشغل به الآباء هو ترك إخوة متحابين فمحبة الإخوة هي خير ميراث».

حقوق الميراث.. لماذا تحول الإخوة إلى أعداء؟

كيف للأب والأخ أن يحرما البنت من الميراث ويظنون أنها ستظل على نفس العهد من الحب والحنان؟

ومن جانبها تؤكد الدكتورة إيمان كشك، استشاري العلاج النفسي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، أن تغيير القوانين ووجود قانون يجرم حرمان المرأة من الميراث أمر طيب لكنه لا يكفي وحده لأن المرأة التي تحرم من الميراث تكون في أغلب الأحوال امرأة ضعيفة لا تستطيع التوجه للمحكمة للمطالبة بحقوقها وفي الوقت نفسه سيكون من الصعب عليها قبول حبس أخيها لهذا يجب عدم الاعتماد على القوانين وحدها لحل مشكلاتنا الاجتماعية.

وتستنكر الدكتورة إيمان كشك سلوك الأسر التي تتعامل مع الفتاة على أنها ليس لها حق في الميراث بعدما قام والدها بتعليمها وتجهيزها بكل شيء أثناء الزواج لأن ذلك يحول مشاعر الأخت أو البنت من الحب والحنان والامتنان للأب والأخ إلى جفاء وكره وإحساس مرير بالظلم والقسوة، فكيف للأب والأخ أن يحرما البنت من الميراث ويظنون أنها ستظل على نفس العهد من الحب والحنان؟

وتؤكد د. إيمان كشك أن حرمان البنت والأخت من الميراث يخلق لديها الكثير من مشاعر الاكتئاب ويولد مشاكل من نوع آخر بينها وبين زوجها الذي يرفض حينها التعامل مع أسرتها التي ضيعت حق زوجته وأولاده في مال مستحق لهم مما يؤدي إلى تفكك الأسر وتشتت الأبناء بين أسرة الأب وأسرة الأم، وهذه المشاعر السلبية كلها قد تدفع الإخوة لارتكاب جرائم في حق بعضهم البعض.

حقوق الميراث.. لماذا تحول الإخوة إلى أعداء؟

الخطأ الذي يرتكبه بعض الآباء والأمهات هو تسليط الصبي الكبير على أشقائه الأصغر أو على شقيقاته الأكبر والأصغر لمجرد أنه الذكر

أما الدكتور مدحت عبد الهادي، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية في القاهرة، فيرى أن الميراث من أهم الأسباب التي تقف وراء انتشار العداوة بين الإخوة، موضحاً «أن القدوة السيئة من أهم أسباب الخلاف بين الإخوة حيث يفتح الإنسان عينيه على الحياة ليجد علاقة أبيه وإخوته أو بأحدهم سيئة جداً أو علاقة الأم بأخيها أو أختها يشوبها العداء والكراهية فيتعلم الطفل والمراهق أنه من الطبيعي والمقبول أن يكون الإخوة أعداء، ومن الأسباب أيضاً تفضيل الأب أو الأم أحد الأبناء على أشقائه فجذور العداوة بين الإخوة تعود إلى الطفولة إذ تزرع في قلوبهم ويكون للوالدين دور في ذلك».

كما يحذر استشاري العلاقات الأسرية من ميل بعض الإخوة للسيطرة على الآخر والتحكم فيه وهو ما يولّد عداوة شديدة لأن الإخوة والأخوات في وجود الأب يرون أنفسهم سواسية أنداداً ولا يعترفون بسلطة لأي منهم عليهم حتى وإن كان ذكراً، والخطأ الذي يرتكبه بعض الآباء والأمهات هو تسليط الصبي الكبير على أشقائه الأصغر أو على شقيقاته الأكبر والأصغر لمجرد أنه الذكر وهذه الأشياء تولد البغض والعداوة منذ الصغر وترافق الفرد إلى أن يكبر وتدوم مدى الحياة ما لم يتغلب الإنسان على الحقد والغل لديه.

ويلفت الدكتور مدحت عبد الهادي إلى أن أغلب المشكلات التي تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب التركة أي الإرث، سببها الأول والأخير هو حب النفس والطمع الزائد الذي لا يرضاه الله أبداً، وهذا يرجع إلى أسباب عديدة، منها تجاهل الكثير من الآباء لهذا الموضوع، وعدم إعطائه الأهمية التي يستحقها، فينشأ الورثة على حب المال والمادة أكثر من أي شيء آخر. ويجب أن يعلم الشباب بأن المال وسيلة أنعم الله بها على عباده وليست غاية تصل بهم إلى درجة القتل بين الإخوة، وهذا لتجنب مواجهة مشكلات الميراث واغتصاب الحقوق المالية أو حتى عدم الأمانة المالية في التعاملات.

 

مقالات ذات صلة