25 ديسمبر 2022

كيف يكون دعائي مقبولاً؟.. علماء الدين يجيبون

محرر متعاون

محرر متعاون

كيف يكون دعائي مقبولاً؟.. علماء الدين يجيبون

أمرنا الله عز وجل في القرآن الكريم بالدعاء ووعدنا بالاستجابة، فقال تعالى: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم».. كما أوصانا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في أحاديث كثيرة بالدعاء، وأوضح لنا أن الدعاء عبادة أو هو «مخ العبادة». ولكن، هل من حق الإنسان أن يدعو الله بما يشاء حتى ولو كان في أدعيته ظلم وتجن على الآخرين؟ وهل يحق للإنسان أن يدعو على الآخرين بما يضرهم ويلحق بهم الأذى؟ وما حكم الدعاء على الظالمين؟ وما موقف الشرع من دعاء بعض الآباء والأمهات على أولادهم العاقين؟

آداب وأخلاقيات الدعاء

يوضح لنا العالم الأزهري د. نصر فريد واصل ، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق ، قيمة الدعاء وأهميته، فيقول «الدعاء عبادة، ولكل عبادة أركان وشروط وآداب حتى تقبل، ولذلك كان لزاماً على الإنسان أن يتأدب بآداب الدعاء، ليكون دعاؤه أقرب للقبول، فبحسن الأدب يُلبَّى الطلب. فالمسلم مطالب بالأمر الإلهي بأن يدعو ربه، وأن يخلص في دعائه حتى يكون محلاً للقبول، فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: «ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين. ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين» ويقول: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين».

الدعاء عبادة تلازم المسلم في كل أحواله

ويضيف «الإنسان في كل أحواله يحتاج إلى عون الله وتوفيقه، فهو في حالة الرخاء والاستقرار يحمد الله ويشكره ويلح في الدعاء أن تستمر نِعَمُ الخالق ولا تنقطع عنه، وفي حالة الشدة والعسر يكون الإنسان في أمس الحاجة إلى عون الله وفرجه ودعمه، فكل ما يفعله الإنسان وكل ما يتعرض له يتم بإرادة الخالق سبحانه، وهنا ينبغي أن يأخذ الإنسان بالأسباب ليحل مشكلاته، ويخرج من أزماته، ولا يتوقف عن الدعاء والرجاء من خالقه أن ينعم عليه بالاستقرار، ويرجوه أن يحل له مشكلاته وينهي أزماته، لكن ينبغي أن يصاحبه عمل جاد، وسعي لا يتوقف من جانب الإنسان، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل دعاء هؤلاء الكسالى الذين لا يلتزمون بما أمرهم به لتحصيل أرزاقهم وحل مشكلاتهم».

كيف يكون دعائي مقبولاً؟.. علماء الدين يجيبون

عدوان.. يجلب الإثم

سألنا د. رمضان حسان، عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر، عن بعض الناس الذين يدعون بالشر على آخرين بناء على أوهام أو سوء ظن.. ما موقف الشرع من هؤلاء؟ فأجاب «الإسلام ينهى عن سوء الظن، ويحذر المسلمين من الظنون والأوهام التي تقودهم إلى ما لا يحمد عقباه، أو تدفعهم إلى ظلم الآخرين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» فإن سوء الظن من دون ضرورة تدعو إليه من الرذائل المنهي عنها شرعاً».

ويحدد عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر أشكال «العدوان في الدعاء»:

  • - أن يدعو الإنسان بغير دعاء شرعي، ويشمل أيضاً رفع الصوت في غير محل الرفع المطلوب.
  • - أن يأتي ويتوسل الإنسان إلى خالقه بأشياء غير مشروعة.
  • - أو يدعو على الخيرين من الناس لمجرد أنه يختلف معهم.
  • - أن يدعو إنسان على إنسان بالهلاك أو بالأذى في بدنه أو ولده أو ماله، أي بما يضره بغير حق.

«حسبي الله ونعم الوكيل»

لكن الدعاء على الظالم، كما يقول د. أحمد ممدوح ، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ، ليس عدواناً، حيث يجوز للمظلوم الدعاء على الظالم، مصداقاً لقول الله تعالى:

«لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً».

ويوضح «النبي ،صلى الله عليه وسلم، دعا شهراً كاملاً وقنت في صلاته على الذين غرروا بأصحابه من قبائل رِعْلٍ ذكوان وبني لحيان وعصية، حيث غدروا بسبعين من الصحابة وقتلوهم، ودعا عليهم باللعنة، حيث جاء في الحديث الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْراً مُتَتَابِعاً فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» وفي لفظ لمسلم قال: «اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ». ولذلك يجوز الدعاء على الظالم بجملة «حسبي الله ونعم الوكيل»؛ لأنها دعاء بمعنى «يارب انتصر لي والانتقام من الظالم»».

كيف يكون دعائي مقبولاً؟.. علماء الدين يجيبون

احذروا الدعاء على الأبناء

ومن الأدعية المنهي عنها شرعاً، كما يقول د. صبري عبد الرؤوف ، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الدعاء على النفس وعلى الأبناء، حيث لا ينبغي للإنسان أن يدعو على نفسه بالشر، ولا يجوز للوالدين أن يدعوان على أولادهما بالشر والأذى، بل يدعوان لهما بالخير والهداية حتى ولو كانا عاقين أو مقصرين في طاعتهما والبر بهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على النفس ودعاء الوالدين على أولادهما، فقال عليه الصلاة والسلام «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم».

لا يقبل الله دعاء الظالمين وسيئي الظن

ويشدد أستاذ الشريعة الإسلامية على أن الدعاء ليس وسيلة انتقام ولا وسيلة عدوان، بل هو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى خالقه ويحقق بها طموحاته المشروعة، ولذلك قال بعض العلماء بعدم جواز الدعاء بالشر إلا على الأعداء الحقيقيين، فالإسلام يرفض (أدعية الكراهية والحقد بين المسلمين) حيث ينبغي أن تستبدل بـ «أدعية الهداية» فيدعو المسلم على من يراه خارجا على الآداب والأخلاق الإسلامية ومتجاوزا لحدود الله بالهداية والعفو والاستقامة.

وعن تخوف بعض الناس من هذه الأدعية، يقول د. عبدالرؤوف «الله سبحانه وتعالى عدل منصف لا يقر الظلم ولا يقبل الدعاء الظالم، ولا يستجيب إلا لأدعية المظلوم، فدعاء المظلوم ليس بينه وبين الله حجاب كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب».. من هنا يجب ألا نخشى الأدعية الظالمة التي تصدر عن نفوس حاقدة، أو يحركها سوء الظن، وأن نثق في عدالة الخالق وإنصافه».

 

مقالات ذات صلة