لا يزال بعض المثقفين العرب يثيرون إشكاليات حول علاقة الإسلام وشريعته بالمرأة، حيث يرى هؤلاء أنه ظلم المرأة وحرمها من حقوقها، وميز الرجل عليها في أمور كثيرة، ولذلك يرون أن معظم النساء في عالمنا العربي والإسلامي يعاني الظلم والقهر، ويقولون إنهم استندوا في ذلك إلى الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في معظم بلدان المسلمين..
فهل تعاليم الإسلام ظلمت المرأة؟
وهل الإسلام هو المسؤول عن إهدار حقوق المرأة على أيدي كثير من الرجال في عالمنا الإسلامي؟
وكيف نعيد للمرأة المسلمة حقوقها في حياتنا المعاصرة؟
رجعنا إلى الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر لإجلاء الحقائق والرد على الاتهامات والشبهات وتوضيح الصورة الصحيحة لعلاقة الإسلام بالمرأة:
سلوكيات خطأ وعادات متوارثة لا علاقة للإسلام بها
في البداية يؤكد الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن موقف الإسلام من كل حقوق المرأة، وما تتعرض له من ظلم، واضح كل الوضوح، ويستطيع طالب أزهري يدرس في المرحلة الثانوية أن يوضح ذلك لمن يريد، فهذا الموقف تحكمه نصوص واضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إلى اجتهادات علماء ومفكرين وباحثين.
هناك مشكلة قائمة ودائما نحذر منها وهي الحكم على موقف الإسلام من المرأة من خلال سلوك الرجال الذين لم يتربوا على تعاليم الإسلام
ويضيف «المشكلة تنحصر في مفاهيم مغلوطة لأناس لم يقفوا على حقيقة الموقف الإسلامي، فيثيرون إشكاليات حول قضايا لا علم لهم بتفاصيلها وفلسفاتها، ومنطقهم هنا منطق الذين يقفون عند عبارة (ولا تقربوا الصلاة)، كما أن هناك مشكلة قائمة ودائما نحذر منها وهي الحكم على موقف الإسلام من المرأة من خلال سلوك الرجال الذين لم يتربوا على تعاليم الإسلام، ولم تهذب سلوكياتهم قيمه وأخلاقه، فهم يتعاملون مع نسائهم من خلال ما توارثوه عن أجدادهم وآبائهم من ظلم للنساء، وقهرهن في بيت الزوجية، فالمشكلة تكمن في سلوكيات خطأ، وعادات متوارثة، ومفاهيم خطأ لا علاقة للإسلام بها».
الإسلام حرر المرأة
ويؤكد شيخ الأزهر أن المتحاملين على موقف الإسلام من المرأة لديهم قناعات راسخة بأن الإسلام ظلم المرأة، وحرمها من بعض الحقوق، ولكي يقف هؤلاء على حقيقة الموقف الإسلامي الصحيح من المرأة عليهم أن يتخلوا أولاً عن تلك القناعات التي بنيت على معلومات خاطئة. فتاريخياً حرر الإسلام المرأة من القيود التي كبلتها بها حضارات معاصرة لظهور الإسلام، وفي مقدمتها: حضارة اليونان ممثلة في قطبيها الكبيرين: أفلاطون وأرسطو، وشريعة الرومان وأديان الهند، وكتب مقدسة حملت المرأة وحدها مسؤولية الخطيئة الأولى، كما حرر الإسلام المرأة من الجاهلية العربية التي صادرت على المرأة حق الحياة، وحق التعلم، وحق التملك، وحق الميراث، وفي هذا الجو الخانق للمرأة ظهر الإسلام وكانت له كلمته الحاسمة، ولو أنه صمت في ذلكم الوقت عن مظالم المرأة واستذلالها ما توجه إليه عتب ولا لوم، فقد كانت الدنيا بأسرها ضد المرأة وضد حقوقها وضد كرامتها كإنسانٍ، لكنه لم يلبث أن صدع في الناس بقولهِ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ)، وكان آخر كلماته «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَال» وأوقف وإلى الأبد وأْد البنات، وملَّكها حقوقاً سبقت بها نظيراتها في العالم بأربعة عشر قرناً من الزمان.. ملكها حق الإرث، وحق التعليم، وحق اختيار الزوج، وجعل لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، تتصرف فيها تصرف المالك في ملكه الخالص، مع الاحتفاظ باسم عائلتها حتى لا تذوب شخصيتها في شخصية شريكها، وساوى بينها وبين الرجل في التكاليف وتحمل المسؤولية. ومعلوم أن هذه الحقوق لابد أن تصنع من المرأةِ عنصرا خلاقا في المجتمع لا يقل شأنا عن الرجل إن لم تزد عليه، وقد صح أنه قال «...فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ على الرِّجَال»، وهذا التفضيل ليس من باب جبر الخاطر لضعيف مهضوم الحق، وإنما هو لفت للأنظار إلى ميزات وخصائص تتفوق فيها النساء، وقد يفضلن بها الرجال.
كثير من البيئات العربية والإسلامية تأثرت بالعادات والتقاليد أكثر مما تأثرت بأحكام القرآن والسنة
عادات وتقاليد ظلمت المرأة
ولا ينكر شيخ الأزهر أن بعض النساء يعانين الظلم والقهر وإهدار الحقوق في بعض ديار الإسلام، لكن يرفض تحميل الإسلام مسؤولية ذلك، ويقول «كثير من البيئات العربية والإسلامية تأثرت بالعادات والتقاليد أكثر مما تأثرت بأحكام القرآن والسنة، والنصوص الصريحة التي ترفع من شأن المرأة ومن قدرها العلمي والاجتماعي والإنساني، وهؤلاء الذين تعاملوا مع نسائهم من خلال ما توارثوه من عادات وسلوكيات ظالمة للمرأة كادوا يعودون بها في كثير من مظاهر حياتها إلى ما كانت عليه قبل نزول القرآن، فصادروا عليها كثيرا من حقوقها التي كفلها الإسلام للمرأة، واستدعوا في نظرتهم للمرأة فقها غريبا ضرب عليها حصارا من العزلة والغربة، حتى كادت تألف غربتها وعزلتها، وجهل هؤلاء أن الإسلام جاء ليحرر المرأة من هذا الحصار، ويلقي بها في قلب المجتمع، لتتحمل مسؤولياتها في إعماره وتنميته وتقدمه».