كشفت إحصائية حديثة عن محكمة الأسرة المصرية أن 42% من ملفات قضايا الطلاق تحمل شكوى الزوجات من عنف وقسوة وإهانة الأزواج لهن، وأن 33% من هذه الحالات تم احتواؤها والصلح بينها بعد تعهد الأزواج بحسن معاملة الزوجات، بينما تسير بقية الحالات في طريق إنهاء العلاقة الزوجية، وطلب من الزوجات بتقديم أدلة القسوة والإهانة ليتم الطلاق للضرر، ومن تفشل في تقديم أدلة وبراهين ليس أمامها إلا اللجوء للخلع لتنهي علاقتها بزوجها.
والتساؤلات التي تفرض نفسها هنا: هل يجوز لزوج أن يقسو على زوجته بذريعة مواجهة هفواتها وإصلاح شأنها؟ وهل من حق الزوج أن يوبخ زوجته على كل هفوة منها؟ وهل القوامة الشرعية تعطيه هذا الحق؟
شريعتنا لم تأمر بضرب الزوجات، ولم تحث عليه، وإنما الضرب المباح هو ضرب رمزي
في البداية يؤكد العالم الأزهري د. محمد الضويني، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر الشريف، أن الإسلام كرَّم المرأة، ورفع قدرها، وأعلى شأنها، وجرم إيذاءها أو إلحاق أي ضرر جسدي أو معنوي بها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»، فالإسلام ينظر إلى المرأة على أنها شقيقة الرجل ونصف المجتمع، ولها كافة الحقوق التي تكفل لها حياة كريمة، وهناك الكثير من التوجيهات القرآنية والنبوية التي تلزم كل زوج باحترام وتقدير زوجته شريكة حياته، وأن يعيش معها على الحب والتفاهم والتسامح والتعاون.
لذلك يحذر أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر الأزواج من الإساءة لأزواجهم، مؤكداً أن احتقار الزوجة وإهانتها، والحط من شأنها أمام أسرتها أو أمام الآخرين، وتعنيفها بألفاظ نابية أمام الأقارب والأولاد «سلوك مدان شرعاً وينبئ عن عدم المروءة»، فقد ألزم الإسلام الرجل بتوفير كل وسائل الحماية الأخلاقية والإنسانية للزوجة، ولذلك واجب الرجل أن يعلي من قدر زوجته أمام الآخرين، ومواجهة هفواتها باللين والرفق والنصيحة المخلصة.
ويؤكد وكيل الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء أن الإسلام رسم للعلاقة الزوجية «صورة مثالية» تتضح من قول الله تعالى:«وعاشروهن بالمعروف» فهذا أمر إلهي للرجل بمعاشرة زوجته- أي التعامل معها- بالمعروف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي كل رجل بزوجته خيراً فيقول «استوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله». ومن هذه النصوص التي تحمل وصايا الخالق ورسوله بالنساء يتأكد أن إهانة الزوجة خروج على تعاليم الإسلام، ولو بغض زوج زوجته فعليه أن يتسلح بقول الله تعالى: «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».
وهنا ينبه د. الضويني إلى اعتقاد خاطئ لا يزال عالقاً بعقول بعض الرجال وهو أن ضرب الزوجة وإهانتها وتوبيخها حق مشروع لهم، ويقول «هذا فهم عقيم وساذج لتشريعات الإسلام، لأن شريعتنا لم تأمر بضرب الزوجات، ولم تحث عليه، وإنما الضرب المباح- وهو ضرب رمزي- له ضوابط وشروط.
إهانة المرأة بضربها أو شتمها أو الشجار معها أمام الآخرين، دليل ضعف إيمان وانحدار أخلاق
العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، يلتقط خيط الحديث من د. الضويني ويؤكد رفض الإسلام لكل صور العنف الجسدي والنفسي ضد النساء والذي تنامى في عالمنا العربي في السنوات الأخيرة، ويصفه بأنه «من عادات الجاهلية الأولى»، ويبين «إهانة الزوجة سلوك لا يليق برجل ناضج يعرف تعاليم دينه، ولذلك أرى أن إهانة المرأة بضربها أو شتمها أو الشجار معها أمام الآخرين دون سبب، دليل ضعف إيمان وانحدار أخلاق».
ويدين د. هاشم ممارسة العنف ضد الزوجة تحت شعارات دينية، «الشريعة الإسلامية كفلت للمرأة كل حقوقها، ونظمت علاقتها بزوجها وأسرتها والمجتمع كله على أفضل ما يكون التنظيم، بحيث تؤدي دورها، وتحقق رسالتها وتكون أداة استقرار وطمأنينة في المجتمع، وبالتالي لا يجوز شرعاً إيذاؤها نفسياً أو بدنياً، كما لا يجوز إهدار حقوقها الشرعية والتي عددتها الشريعة وجرمت كل سلوك ينافي ما قررته وحثت عليه».
ويشدد د. هاشم على أن العنف البدني أو اللفظي ضد المرأة يمثل مشكلة سلوكية متوارثة في البيئة العربية، ولا علاقة له بالتشريعات الإسلامية كما يدعي البعض، فديننا الحنيف يرفض ويدين كل أشكال العنف ضد المرأة، سواء صدر هذا العنف من أب أو زوج أو أخ، وهذا الدين العظيم الذي جاء به رسول الرحمة والهدى هو الذي أحاط المرأة بسياج من التكريم والحماية والرعاية، ووفر لها حياة طيبة كريمة، سواء أكانت في رعاية أو حماية أب، أو زوج، أو أخ، والمؤسف أن هؤلاء الذين يقومون بممارسة العنف ضد المرأة وإهانتها هم المكلفون شرعاً وعرفاً بحمايتها ورعايتها، ورفع كل ظلم أو عدوان تتعرض له، ولذلك لا ينبغي أن ننساق وراء دعاوى وشعارات فارغة ونسوق اتهامات ظالمة، «لابد أن يدرك كل الرجال أن التعامل الإنساني الراقي مع المرأة هو علامة رجولة، ودليل حسن تربية، ومؤشر صحيح لخيرية الإنسان وإيمانه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم».