23 مارس 2023

شهر رمضان.. طوق نجاة لإصلاح ما يفسد القلوب

محررة في مجلة كل الأسرة

شهر رمضان.. طوق نجاة لإصلاح ما يفسد القلوب

يظل القلب مشتتاً بين ملهيات الحياة الكثيرة، والعقل مبعثر بين شواغل الدنيا الفانية، إلى أن تحل علينا نسمات شهر رمضان، فيبحث كل واحد منا عن وقفة ليتنفس فيها عبير الشهر الفضيل مهيئاً قلبه قبل جوارحه، لاستغلال تلك الأيام المباركة، والتزود فيها بالتقوى والإيمان. وقد حثنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، على ضرورة نقاء القلب، حين قال «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم».

وفي هذا الصدد نظم المركز الديني الثقافي التابع لجمعية النهضة النسائية في دبي ورشة عمل حملت عنوان «مفسدات القلوب»، قدّمها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن الملا، الذي التقيناه لنتعرّف منه إلى ما يجب أن يبتعد عنه الناس كي يتجنّبوا مفاسد القلوب.

شهر رمضان.. طوق نجاة لإصلاح ما يفسد القلوب

يقول الدكتور عبد الرحمن الملا: «القلب طوق نجاة الإنسان وهو معيار قياس مدى صلاح العبد أو لا، فمن يحرص على آخرته تجده مراقباً لقلبه حريصاً على جلد ذاته، خاصة عندما يرتكب معصية، فتكفيه وخزة الضمير التي تصلح ما أفسده شيطانه، ولوم النفس عندما تجره إلى سلوك فيه مفسدة. وإذا أراد الإنسان أن يرى مكانه في الآخرة فليراقب قلبه ومدى إقباله أو إدباره عن الطاعات، على النقيض تجد صاحب القلب العليل المقصر دوماً في الواجبات وغير المكترث بضياع العبادات، لا يستشعر ألم النفس لتخاذلها عن الطاعات، ولا يحس بثقل المعصية ولا تمر عليه لحظات حزن لترك الواجبات، وفي أحيان كثيرة تراه مقبلاً ولكن عكس التيار، مستمتعاً بمصاحبة من يسحبه إلى الطريق الخطأ، فيكون أصدقاؤه من شياطين الإنس والجن على حد سواء».

ويشير الدكتور عبد الرحمن الملا إلى مفسدي القلوب قائلاً: «أول عدو للإنسان هو الشيطان الذي لا يشغله شيء سوى إفساد قلبه، فيوسوس له لفعل شيء محرم أو ترك عبادة ما، وعلينا أن ننتبه لذلك بتقوية الإيمان داخلنا، وأول هذا الطريق يكون بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، فقد قال الله تعالى: «وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم»، ثم يأتي بعد ذلك الحفاظ على العبادات مثل أداء الصلوات في وقتها وتلاوة القرآن الكريم يومياً ومداومة قراءة الأذكار في الصباح والمساء، وغيرها من الطاعات التي تسد أبواب المفسدة وتحصن قلب المؤمن بالإيمان، فالشيطان يصب تركيزه على أصحاب القلوب المؤمنة التي يصعب اختراقها، ويكون ذلك بغرز الوساوس فيها».

أصحاب السوء ليسوا أقل خطراً على أبنائنا من وسوسة الشيطان

ويضيف د. عبد الرحمن الملا: «كثيراً ما يقع بعضنا في غمار علاقات يظن أن أصحابها إضافة له، في حين أنهم في الحقيقة أعداء؛ بل ألدّ الأعداء، فالصاحب ساحب وعليكم أن تحرصوا على مصاحبة الطيبين، وأن تبتعدوا عن نظرائهم من شياطين الإنس، فكم من جلسات نميمة وغيبة قطعت كثيراً من الروابط العائلية، وكم من بيوت هدمت بسبب صديقة غير مخلصة حرضت زوجة على شريك حياتها، فنغصت عليه دنيته وأفسدت عليه عيشته، وكم من شاب زين لصديقه حب المعصية ليعشق تجربتها ويفسد بها قلبه، وكم من رجل زين له «ربيعه» علاقة محرمة، وغيرها الكثير من أوجه الشر التي لبست قناع بني آدم».

شهر رمضان.. طوق نجاة لإصلاح ما يفسد القلوب

ويضيف د. عبد الرحمن الملا: «يقع كثير من الشباب في حيلة خبيثة، وهي مجالسة أصدقاء السوء، مع الحرص من جانبهم على عدم مشاركتهم كل ما يغضب الله تعالى، وهنا نقول لهم حتى تلك الجلسة مدخل لفساد الجوارح، فمجرد السمع يؤثر في القلب ومع الوقت يعتاد الإنسان المحرمات ويراها عادية من كثرة رؤيته وسماعه ومعايشته لها، فكل خطأ يرتكب يترك في القلب نقطة سوداء، ومع كثرتها لا يعرف صاحبه كيف يصنع المعروف، وكيف يرد مفسدة. كما تعد الشبهات فتنة أيضاً وعلى الإنسان أن يتجنّبها، فقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على البعد عن الشبهات فقال: «إن الحلال بيّـن، وإن الحرام بيّـن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وكذلك يفسد سوء الظن القلب، كتلك التي تظن أن زوجها على علاقة بأخرى فتتسبب بمرضه من كثرة ما يعانيه معها من مشاكل، أو كالذي يظن أن زميله متملقاً فيتجنّبه ويضيع بسببه روح العمل الجماعي، أو كالذي يرى رفيق دربه غادراً فيفسد علاقة جذورها ممتدة في الأرض منذ سنوات، وغيرها من الأمور التي تكبر بسبب سوء الظن.

ويكمل د. عبد الرحمن الملا: «يفسد القلب أيضاً، الحرص على الجاه والمناصب وجلب المال، فيبحث الشخص عنها ولو بطرق ملتوية، مثل الذي يغش في بضاعته ويبيعها بمواصفات معينة وتكون هي أقل من ذلك، أو كالذي يتنازل عن مبادئه ويشي بزميله في العمل كي يأخذ منصبه، أو يتملق مديره لتحقيق مكتسب ليس له، فالرزق يطلب الإنسان كما يطلبه الأجل، ولا ننسى شيئاً آخر يفسد القلب ألا وهو الغضب، الذي يغلق عقل الإنسان ويوقعه في الخطأ».