27 مارس 2023

ما المعنى الشامل للعبادة؟ ومتى تكون العبادة شكلية؟

محرر متعاون

ما المعنى الشامل للعبادة؟ ومتى تكون العبادة شكلية؟

في شهر رمضان المبارك تتلاقى وتتكامل عبادات الإسلام لتحقق أهدافها السامية في حياة الإنسان.. فكل عبادة من عبادات ديننا الخاتم لها مقاصد ومنافع دنيوية وأخروية، فمن المهم أن يعرف كل إنسان رسالة كل عبادة في حياته، فلا ينشغل بالصوم عن باقي العبادات، فيصوم ولا يصلي، أو يصلي ولا يزكي، أو يزكي ويتكسب من حرام، أو يصوم صوماً شكلياً لا يستهدف تحقيق التقوى التي جعلها الله هدفاً لفريضة الصوم.

لذلك ذهبنا إلى عدد من كبار علماء الإسلام لنتعرف منهم إلى الأهداف الأساسية من العبادات وأهمية أن تتكامل وتتلاقى خلال شهر رمضان، وكيف توظف كل عبادة لتحقق أهدافها في حياة من يؤديها.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:

ما المعنى الشامل للعبادة؟ ومتى تكون العبادة شكلية؟

العبادات شاملة ومتكاملة

في البداية يوضح لنا العالم الأزهري د. أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، المفهوم الشامل للعبادة والذي يغيب عن أذهان كثير من الناس فيقول "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والإحسان للجار، واليتيم، والمسكين، وابن السبيل، والدعاء والذكر، وقراءة القرآن.. كل ذلك من العبادة.. وكذلك حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخشية الله والإنابة إليه وخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضاء بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه.. كل ذلك من العبادة لله.. وهكذا نجد أن للعبادة آفاقاً واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة، والحج، وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر، وتلاوة للقرآن، ودعاء واستغفار، وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد.

وهي أيضاً تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد، كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل والرحمة بالضعفاء، والرفق بالحيوان.. كما تشمل العبادة الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.. هذا فضلاً عن الفريضتين الكبيرتين وهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. والجهاد في سبيل الله.. ويالها من عبادة وطاعة لله عز وجل".

ما المعنى الشامل للعبادة؟ ومتى تكون العبادة شكلية؟

كيف يؤدي المسلم الفرائض والطاعات؟

كما يوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن عبادات الإسلام تدعم القيم والأخلاق وتنشر الفضائل بين من يؤديها بآدابها وأخلاقياتها.. ويبين «واجب المسلم أن يخلص النية في كل ما يؤديه من فرائض وطاعات في كل وقت وليس في شهر رمضان فقط، والمؤمن مطالب بأن يسلم زمام حياته كلها لخالقه، فلا يعترض على فريضة، ولا يسخر من خلق الله، ولا يستهتر بفضيلة.. بل عليه أن يمتثل قول الحق سبحانه وتعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً"، ولذلك قال العلماء: "ليس بعابد لله من قال: أصلي وأصوم وأحج، ولكني حر في أكل لحم الخنزير، أو شرب الخمر، أو أكل الربا، أو رفض مالا يروق لي من أحكام الشريعة.. وليس بعابد لله من أدى الشعائر، لكنه لم يخضع لآداب الإسلام في نفسه أو أهله أو تعاملاته مع الناس".

من هنا يشدد د. معبد، على أن مجال العبادة في نظر الإسلام يتسع لكل الأعمال المفيدة التي يعم نفعها على الإنسان، وهناك من الأعمال الخيرية ما يزيد أجره وثوابه عند الله على أجر وثواب الفرائض.. فكل عمل اجتماعي أو إنساني نافع يعد في ميزان الإسلام عبادة من أفضل العبادات ما دام خالص النية لوجه الله عز وجل، وليس الرياء والشهرة بين الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن فاسد ذات البين هي الحالقة». ويقول عليه الصلاة والسلام في عيادة المريض وما له من مكانة عند الله لما فيه من تخفيف ومواساة: «من عاد مريضاً ناداه مناد، من السماء: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً».

لا يكفي أن يصوم المسلم عن الطعام والشراب، ويمارس كل الآثام والموبقات

مشاعر جافة وطقوس شكلية

سألنا د.علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، عن سلوك هؤلاء الذين يتعاملون مع عبادات الإسلام وفرائضه بمشاعر جافة ويؤدونها كطقوس شكلية، فقال «العبادات التي فرضها الله على عباده ليست طقوساً شكلية كما يتوهم البعض؛ بل هي وسائل لتهذيب السلوك والارتقاء بالمشاعر، والانضباط الأخلاقي، ولكل عبادة أهدافها التي تحققها منفردة في حياة الإنسان، وهنا نوضح أنه لا يجوز الاستهانة بفريضة الصوم، والتعامل معها بمنطق العادة التي يقوم بها الإنسان دون التطلع إلى فوائدها ومكاسبها، فالصوم عبادة تهذب من سلوك الإنسان وتدربه على فضيلة الصبر، والتخلق بالأخلاق الفاضلة في تعامله مع الآخرين..

ويكفي ما بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض فوائد الصوم في حديث صحيح حيث يقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهم، إذا اجتنبت الكبائر"، ويقول أيضاً: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

كما يحذرنا من التهاون والاستهتار بفريضة الصوم فيقول: "من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقم عنه صيام الدهر كله، وإن صامه".. فالصوم سر بين العبد وربه، وما بين الخالق والمخلوق لابد أن يكون صادقاً وشفافاً، ولذلك قال العلماء إن الصوم المقبول هو الخالي من الرياء، حيث لا يكفي أن يصوم المسلم عن الطعام والشراب، ويمارس كل الآثام والموبقات، وعلينا أن نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".