22 يونيو 2023

مفتي مصر الأسبق.. يحذر: "الزواج السياحي" محرم شرعاً

محرر متعاون

مفتي مصر الأسبق.. يحذر:

انتشرت في الآونة الأخيرة مسميات غريبة للزواج عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في بلادنا العربية والإسلامية، واختلطت مفاهيم الزواج الحلال فيها بالحرام، واستغل تجار وسماسرة العلاقات المحرمة بعض صور التسامح في الشريعة الإسلامية، وحاولوا تسويق صور ومفاهيم غريبة للزواج من بينها ما يطلق عليه (الزواج السياحي)، وهو يقوم على علاقة زوجية كاملة بين رجل وامرأة مؤقتة لفترة معينة، وبعد انتهاء تلك الفترة يذهب كل من الزوجين إلى حال سبيله.

المروجون لهذه الصورة من الزواج يرون فيه وسيلة لحماية كل من الرجل والمرأة من الوقوع في براثن الرذيلة، فالزواج المؤقت أفضل من الزنا أو الحياة الكئيبة التي يعيشها الإنسان بمفرده في الغربة ويمكن أن يلعب بعقله الشيطان.

فهل يوجد في الشرع ما يبيح هذا الزواج؟

تحايل على الحلال

يؤكد د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، أن الزواج من أقدس العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي رعاها الإسلام وحافظ عليها، وأمر باتخاذ كل السبل لتيسيره بين بني الإنسان الذكر والأنثى، وحمايته بميثاق غليظ حيث بيّن الحقوق والواجبات الزوجية والأسرية، وجعله مباركاً بكلمة الله، ومأمورا به في كتابه الكريم، يقول الحق سبحانه: «وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم»، كما يقول عز وجل: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «النكاح سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني». وبالزواج يتحقق الاستخلاف في الأرض الذي أراده الله تعالى لاستمرار الحياة.

ويضيف «كل زواج يحقق هذه الغاية النبيلة هو زواج مشروع متى توافرت فيه أركانه وشروطه الشرعية التي أمر الله ورسوله بها في الكتاب والسنة، وأجمع عليها فقهاء الإسلام في كل العصور والأزمان، فهذه الأركان والشروط هي التي تفرق بين عقد النكاح المشروع، وعقود النكاح التي حرمها الإسلام إلى أن تقوم الساعة».

لذلك يستنكر مفتي مصر الأسبق الترويج لمسميات زواج لا تستند لأسس ومفاهيم شرعية، ويحذر من شيوع صور غريبة ومسميات عجيبة من الزواج في العالم العربي أو بين المسلمين المهاجرين، ويقول «كثير من مسميات الزواج التي يتم الترويج لها تطلق على علاقات محرمة بين الرجال والنساء ولا يمكن صبغها بالصبغة الشرعية».

«الزواج السياحي».. علاقة باطلة

ويوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن العلاقة الزوجية المشروعة في ظل تعاليم شريعتنا الإسلامية هي علاقة دائمة ومستمرة ولا ينبغي أن تكون «علاقة مؤقتة»، فالعلاقة الزوجية المؤقتة هي علاقة باطلة لأنها تتعارض مع مقاصد الزواج في الإسلام، وتحول الزواج إلى «زواج متعة» وهو زواج محرم.

ويوضح مفتي مصر الأسبق أن الزواج المؤقت قد يكون في ضمير الزوج دون اشتراط ذلك في عقد النكاح، فإن كان التأقيت مذكوراً في صلب العقد فلا فرق حينئذ بينه وبين المتعة المحرم، وأما إذا كان مجرد نية في قلب العاقد لم يتلفظ بها، فهذا ما يعرف بـ «الزواج بنية الطلاق»، وهذا قد اختلف العلماء في حكمه، والراجح عدم جوازه. ومن هنا يكون «الزواج السياحي» من أشكال الزواج بنية الطلاق، أي زواج مؤقت، والزواج المؤقت باطل، لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج الإنسان بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت ظروفه وطباعه أبقى عليها وتمسك بها، وإلا طلقها، قال تعالى: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

ويشدد د. واصل على ضرورة الالتزام بأركان الزواج وشروط صحته، وأهمها: الإيجاب والقبول، والشهود- ويعني الإعلان- والصداق للمرأة.. وكل زواج يخلو من هذه الشروط هو زواج فاسد لا يعترف به الإسلام وذلك لتعارضه مع أهداف ومقاصد الزواج، ومع الآداب والأخلاقيات الفاضلة التي جاء الإسلام لإقرارها.

ومن هنا يؤكد د. واصل أن «الزواج السري» الذي ينتشر في بعض بلادنا العربية تحت مسميات عديدة، و«الزواج السياحي» الذي تسرب إلى مجتمعاتنا وتعرفه بعض بلداننا العربية خلال مواسم الصيف، هو زواج محرم.

الأزهر يرفض ويحرم الزواج المؤقت

وعن موقف الأزهر من صور الزواج التي يتم الترويج لها بمسميات عديدة وغريبة، يوضح عضو هيئة كبار العلماء «لقد ناقشنا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كل صور الزواج الشائع الآن، وانتهينا إلى القول بحرمة كل زواج يخلو من الشروط السابقة، ولا تتوافر فيه العلانية، وأكدنا ضرورة توثيق الزواج مع الإقرار، وعدم وجود أي شرط يؤكد أنه مؤقت أو محدد بفترة معينة، لأن الزواج في الإسلام قائم على السكن والاستمرار، وليس علاقة طارئة أو مؤقتة.. وكثير من علماء الشريعة لا يرون حاجة شرعية لمثل هذا الزواج، ومن لم يستطع أن يعيش بدون زوجة خلال فترة سفره فعليه أن يصطحب زوجته معه، أو يتزوج زواجا دائما، والزواج خلال فترة السفر هو من قبيل «الزواج المؤقت أو زواج المتعة المحرم شرعاً لتعارضه مع المقاصد الشرعية للزواج». فالزواج الشرعي هو الزواج الدائم الذي يحقق المودة والرحمة والوئام بين الزوجين ولا ينبغي لامرأة عفيفة كريمة أن تكون وسيلة استمتاع لرجل لمدة أيام أو أسابيع ثم يتركها لرجل آخر.. هذه الحياة لا يقبل عليها ولا يقبلها إلا المنحرفون أصحاب النزوات والمتع الجسدية الرخيصة وينبغي أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية».

لذلك يطالب د. واصل كل مؤسسات المجتمع أن تواجه بحزم كل صور العلاقات المحرمة والمشبوهة التي تتستر وراء مسميات زواج غريبة حتى لا نفسد أخلاق شبابنا المحافظ على قيمه وأخلاقياته الإسلامية، ونشيع الفساد الخلقي والانحراف السلوكي بين الناس تحت ستار الزواج العرفي أو السياحي أو غير ذلك من المسميات الغريبة التي شاعت في بلادنا العربية والإسلامية.

مفتي مصر الأسبق.. يحذر:

زواج سري.. وزواج مؤقت!!

من جهتها، تبين د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بفرع جامعة الأزهر للبنات، أن «الزواج السياحي» زواج متعة مؤقت ومحدود بمدة معينة مقابل مهر أو أجر معين، والغالب يكون هذا الأمر أو المهر على قدر المدة، وتقع الفرقة مباشرة بانقضاء المدة المتفق عليها.. وهذا الزواج محرم لسببين:

الأول: أنه زواج سري بعيداً عن الأجهزة الرسمية المعنية بعقد الزواج وتوثيقه، حيث لن تقبل جهة شرعية أو قانونية بعقد من هذا النوع، وكل زواج سري يفتقد العلانية هو زواج محرم، وقد يغيب ولي المرأة فيكون الزواج مفتقدا لركنين من أركانه.

الثاني: أنه زواج متعة حتى ولو تستر خلف عقد صوري، وزواج المتعة محرم شرعاً ولو تم بحضور ولي المرأة.

ولذلك تحذر أستاذة الشريعة الإسلامية من وقوع بعض نسائنا أو فتياتنا في براثن زواج المتعة المحرم شرعا تحت مسميات حديثة، وتقول «كل زواج لا تتوافر فيه صفة الاستمرار، وينطوي على متعة مؤقتة بين رجل وامرأة، هو (زواج باطل شرعاً)، والعلاقة بين الرجل والمرأة فيه هي علاقة محرمة شرعاً، وتستوجب العقوبة الشرعية للزنى».