رفض الأزهر الشريف والإفتاء المصري ما يسمى بـ«زواج التجربة»، وحذرا جموع المسلمين في كل مكان من الانسياق وراء أفكار براقة تهز كيان الأسرة واستقرارها، فالزواج علاقة أحاطتها شريعتنا الغراء بالحماية والتكريم ولا يجوز العبث بها استناداً إلى تطبيق خاطئ لتشريع الطلاق من قبل بعض الأزواج والزوجات.
كان المجتمع المصري قد شهد خلال الأيام الماضية جدلاً دينياً واجتماعياً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول فكرة «زواج التجربة» التي طرحها أحد الناشطين الاجتماعيين وهو يعني الاتفاق بين الزوجين على عدم الطلاق قبل فترة زمنية معينة يتم فيها محاولة التأقلم على الحياة الزوجية وتجريد الزوج من حقه في تطليق زوجته خلال تلك الفترة، كما لا يجوز للزوجة طلب الطلاق خلالها.. وهدف هؤلاء من وراء هذه الفكرة، كما يقولون، هو تحجيم مشكلة الطلاق التي تزايدت معدلاتها خلال السنوات الأخيرة في المجتمع المصري.
طرحنا فكرة «زواج التجربة» للمناقشة الهادئة مع بعض علماء الأزهر لإجلاء الحقائق الدينية المتعلقة بالزواج والطلاق، والتعرف إلى موقف الشريعة الإسلامية من وضع شروط في وثيقة الزواج تحقق مصلحة كل من طرفي العلاقة الزوجية.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به في شأن الزواج والطلاق.
صورة عقد الزواج المسمى بـ « زواج التجربة» تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام
بعد طرح فكرة «زواج التجربة» وتداولها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل في مصر، بادر الأزهر وأكد – من خلال فتوى رسمية - رفضه لهذه الفكرة، وشدد على أن الزواج في الإسلام آية من أعظم آيات الله سبحانه، وميثاق سماه الله سبحانه ميثاقاً غليظاً.
وأوضحت فتوى الأزهر أن من أهم دعائم نجاح هذه المنظومة هو قيام عقد الزواج بين الرجل والمرأة على نية الديمومة والاستمرار، والتحمل الكامل لمسؤولياته كافة، لا أن يقوم على التوقيت، وقصد المتعة إلى أجل حدده الطرفان سلفاً مقابل دفع المهر للزوجة لتأكيد رغبة الزوج في زوجته، دون اكتراث بما يترتب عليه من حقوق ومسؤوليات وأبناء وبنات. وقد كفل الإسلام لكلا طرفي هذا العقد البالغين العاقلين الرشيدين حق إنهاء الزوجية في أي وقت استحالت فيه العشرة بينهما، دفعاً لضرر محقق لا يحتمل مثله عادة.
ويشدد الأزهر على أن صورة عقد الزواج المسمى بـ « زواج التجربة» تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده؛ إضافة إلى ما فيها من امتهان للمرأة، وعدم صون لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه الصورة عامل من عوامل هدم القيم والأخلاق في المجتمع.. فـ«زواج التجربة» - كما قال مبتدعوه - هو زواج محظور فيه على كلا الزوجين حلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضي مدة خمس سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطاً مضمناً في عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه.
وأوضح الأزهر أن زواج التجربة المطروح للمناقشة يتضمن بعض الشروط وهي شروط تبطل عقد الزواج، فالشروط المقبولة شرعاً والتي يجب الوفاء بها هي التي لا تعارض بينها وبين مقتضيات عقد الزواج، كاشتراط المرأة ألا يخرجها زوجها من دارها، أو ألا يسافر بها، أو ألا تخرج للعمل، أو ألا يطالبها بخلع الحجاب مثلاً، أو ألا يفرض عليها زياً معيناً يخالف ما أمرت به شريعة الإسلام، فمثل هذه الشروط لا حرج من اشتراطها والوفاء بها، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وقوله سبحانه: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً).
نعم تعاني مجتمعاتنا العربية زيادة ملحوظة في معدلات الطلاق، وهذه المشكلة لا ينبغي علاجها بما يسبب مشكلات أفدح منها
أَعطى الشرع الزوج والزوجة حق حل عقد الزواج إن وُجِد سبب معتبر يدعو إليه
الفقيه الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، يؤكد رفض الشريعة الإسلامية لكل شرط في عقد الزواج يحلل محرماً، أو يحرم حلالاً، ويقول «الإسلام وزن عقد الزواج بميزان حساس يكفل لكل من الزوجين حقوقه ويحافظ على كرامته.. لا يجوز طرح أفكار تتعلق بشكل العلاقة بين الزوجين وضوابط العقد بينهما دون التعرف أولاً إلى موقف الشرع من ذلك، فالزواج عقد يرتبط بالثوابت الدينية، وهي ثوابت عادلة ومنصفة لكلا الزوجين، وليس فيها انحياز لطرف على حساب الطرف الآخر».
ويشدد مفتي مصر الأسبق أن كل خروج على ضوابط ومقررات الشريعة الإسلامية في الزواج والطلاق سيجر للمجتمع مشكلات وأزمات هو في غنى عنها، ويبين «نعم تعاني مجتمعاتنا العربية زيادة ملحوظة في معدلات الطلاق، وهذه المشكلة لا ينبغي علاجها بما يسبب مشكلات أفدح منها».
ويضيف «زيادة معدلات الطلاق تواجه بالوعي بأهمية اختيار كل طرف للآخر، والاهتداء بتوجيهات الإسلام في ذلك، وتواجه بالتربية الإسلامية للأبناء من بنين وبنات وضرورة أن يكون الآباء والأمهات قدوة طيبة لأبنائهم، وتواجه أيضاً بضرورة الالتزام بمنظومة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين».
ويوضح د. واصل أن الفقهاء أوضحوا الشروط المقبولة في عقد الزواج والشروط التي تبطله، فمن الشروط المقبولة اشتراط الزوج ألا تعمل زوجته، وألا تطالبه بخادمة أو مسكن يفوق طاقته المالية مثلا، كما يجوز للزوجة ألا تقيم مع أسرته في منزل واحد، وأن لا يطالبها بالعمل، وألا يأخذ شيئاً من راتبها لو كانت عاملة، وألا يجبرها على خلع ملابسها الشرعية، وألا ينتقل بها من بلدها إلى بلد آخر.. كل هذه الشروط مقبولة ولا شيء فيها.
ويوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن هناك شروطاً يرفضها الإسلام في عقد الزواج، ولو وضعت في العقد «بطلت الشروط وصح عقد الزواج»، وهي الشروط المنافية لعقد الزواج ومقتضياته، أو التي تسقط حقاً واجباً به، كاشتراط الرجل ألا يعطي المرأة مهراً، أو ألا يكون لها نفقة، أو كاشتراط المرأة ألا يطأها زوجها، فكل هذه شروط باطلة لكونها تحرم حلالاً أو تقيده، لهذا لا يجب الوفاء بها ولا تعد شيئاً، مع الحكم بصحة عقد الزواج، لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً».
ويضيف «في مقترحات ما يسمى بـ«زواج التجربة» شرط يمنع الطلاق خلال فترة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان، وهذا الشرط من جملة الشروط الباطلة، حيث أَعطى الشرع الشريف الزوج والزوجة حق حل عقد الزواج إن وُجِد سبب معتبر يدعو إليه، ويوقع الضرر على أحد طرفيه».
وينتهي د. واصل بتقديم النصيحة للجميع بالحفاظ على منظومة الزواج والطلاق بضوابطها وقواعدها الشرعية.
لا يمكن التعامل مع الزواج على أنه «حقل تجارب»
الشريعة الإسلامية سدت منافذ الطلاق بشكل حكيم
د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية ورئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتأهيل الأئمة والدعاة، يعبر عن استيائه من الأفكار والمقترحات التي تطاردنا في العالم العربي وتستهدف أهم علاقة في حياتنا وهي العلاقة الزوجية، ويقول «لا يمكن التعامل مع الزواج على أنه «حقل تجارب» بين الرجال والنساء، فالعلاقة الزوجية أحاطها الإسلام بسياج من التكريم والحماية لا يجوز بأي حال أن نجردها من روابطها الإنسانية والأخلاقية التي أكد عليها الخالق سبحانه في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)».
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية أننا في قضية الزواج نتعامل مع نفوس ومشاعر ووشائج إنسانية، وفي هذا النطاق لا يمكن التعامل مع الأمر باعتبارات مادية، فلا أحد يستطيع أن يجبر زوجة على الحياة مع رجل لا تريده، ولا يجبر زوج على تحمل إنسانة تكرهه وتمنعه من حقوقه الزوجية.
أجاب «الشريعة الإسلامية سدت منافذ الطلاق بشكل حكيم، ووضعت قيوداً وضوابط ينبغي الالتزام بها قبل أن يفكر الزوج في تطليق زوجته، وقبل أن تطلب الزوجة الطلاق وتصر عليه، ولو التزمنا بهذه الضوابط والقيود فنحن ليس في حاجة إلى قيود ما يسمى بزواج التجربة أو غيره. لقد قرر الإسلام أن الطلاق عند توفر أسبابه مباح للرجل، لكن لا ينبغي أن يقدم عليه الرجل إلا عند الحاجة إليه، بل إن المحققين من الفقهاء قالوا: إن الأصل في الطلاق المنع، حتى توجد الحاجة إليه لقوله تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)، ولا شك أن الطلاق مع عدم الحاجة بغي على الزوجة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات»».
ويضيف «على الرغم من أن شريعتنا الغراء أباحت الطلاق إلا أنها جعلته أبغض الحلال إلى الله عز وجل، لذلك اتخذت الكثير من التدابير الواقية من الوقوع في الطلاق إلا عند الضرورة، حتى ولو كان الزوج ينفر من زوجته أو لديه تحفظات على سلوكها فالقرآن يرشده بالتمهل والصبر والاحتمال وعدم التسرع في الطلاق، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»».
اقرأ أيضًا: الزواج السري باطل شرعًا