10 ديسمبر 2023

مع انعقاد "قمة المناخ" في الإمارات.. بماذا أوصانا رسولنا العظيم لحماية البيئة من التلوث؟

محرر متعاون

مع انعقاد

كان رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، وسيظل المعلّم الأول للأمّة، والمثل الأعلى لكل المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وقد جاءت أقواله وأفعاله لتؤكد حرصه الشديد على حماية البيئة، والارتقاء بها، والإحسان إليها، ذلك أن رعاية البيئة وحمايتها من التلوث، من أرضٍ، وجبال، وهضاب، ووديان، وصخور، ومعادن، وتربة، وموارد مياه، وهواء، ومكونات حيّة ممثلة في النباتات، والحيوانات، والطيور، والكائنات البحرية، وغيرها، تظهر دائماً، رقيّ الإنسان، وتحضّره، وكان صلى الله عليه وسلم، نموذجاً في الرقيّ والتحضر، فقد كانت عنايته كبيرة بكل ما هو جميل ونظيف، ومفيد للإنسان.

فكيف كان عطاء رسول الإنسانية في الاهتمام بالبيئة والدعوة إلى الإحسان إليها؟

رسولنا الكريم هو الداعية الأبرز لحماية البيئة

في البداية، يؤكد عالم السنّة النبويّة الأزهري د.أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن السنّة النبوية تزخر بكم هائل من التوجيهات النبوية الكريمة التي تؤكد رقيّه السلوكي، صلوات الله وسلامه عليه، وحرصه الشديد على أن يعيش كل المسلمين في بيئة نظيفة، توفر لهم حياة طيبة، وتحميهم من كل ما يضرّ بأجسادهم، أو يؤثر سلباً في نفوسهم، فالبيئة النظيفة الجميلة تدفع الإنسان دائماً إلى أن يعيش حياته في تفاؤل وبهجة، وأن يؤدي أعماله بكفاءة واقتدار.

ويضيف «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هو الداعية الأبرز إلى رعاية البيئة وحمايتها من التلوث، فعطاؤه في هذا المجال وافر، ويؤكد أنه كان رجل دولة يعرف جيداً ما يحقق للإنسان السعادة والرضا، ويحقق للمجتمع الرقيّ والتحضّر. ولذلك صدرت عنه إدانات لكل صور تلويث البيئة، ولكل أشكال الإضرار المتعمد بها، انطلاقاً من عنايته بتوفير كل وسائل الحياة السليمة والكريمة للإنسان. فتوجيهاته، عليه الصلاة والسلام، تؤكد حرصه الشديد على أن يعيش الناس في بيئة نظيفة ليكونوا قادرين على القيام بأعباء مسؤولياتهم على خير وجه».

مع انعقاد

أحاديث نبويّة تحذّر من تلويث البيئة

ويؤكد عالم السنّة النبويّة الأزهري، أن أهم ما في العطاء النبويّ في مجال حماية البيئة أنه- صلوات الله وسلامه عليه- واجه كل صور الإفساد في الأرض، ومن أهم مظاهره «تلوث الماء والهواء، وسطح الأرض، والمزروعات، والحيوانات»، فقد تناولت أحاديث رسول الله- عليه الصلاة والسلام- التحذير والترهيب من تلوث البيئة، والترغيب في حمايتها، حتى إنه ربط بين حماية البيئة وبين الإيمان، وجعل الحفاظ على البيئة جزءاً من عقيدة المسلم، فقال: «الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

تكدّس القمامة في الشوارع أذى يضرّ بالناس، والكلمة التي تخدش الحياء أذى يلوّث البيئة الأخلاقية

والأذى المشار إليه في الحديث الشريف- كما يوضح د.معبد- يشمل كل أنواع الإيذاء التي تلوّث البيئة، وتضرّ بمصالح الناس، وصحتهم، وأذواقهم، ومشاعرهم، فتكدّس القمامة في الشوارع أذى يضرّ بالناس، والكلمة التي تخدش الحياء أذى يلوّث البيئة الأخلاقية، ويخدش حياء الناس، ويفسد أذواقهم، ومكافحة هذا الأذى بكل صوره يُعد من الواجبات الدينية التي يكتمل بها إيمان المؤمن، وليست أمراً هامشياً يمكن التغاضي عنه. وهذا يعني أن كل من يلوّث البيئة متعمداً، بإلقاء بعض القاذورات في الشوارع والطرقات هو (ناقص الإيمان). ولم يكتف الرسول بالتحذير من تلوّث البيئة بإلقاء المخلفات والقاذورات فيها لتؤذي كل خلق الله، بل جاء حثّه على إزالة كل ما يضرّ بالبيئة، أو يشوّه صورتها، فقال في الحديث الصحيح: «.... وإماطة الأذى عن الطريق صدقة».. وما أعظمها من صدقة، فقد يتصدّق الإنسان ببعض ماله ثم يقوم بالإفساد في الأرض عن طريق تلويث البيئة، بالفعل أو القول، فيهدر ما تصدّق به، وقد أخبرنا، صلوات الله وسلامه عليه، أن الله عز وجلّ يشكر من يزيل أدنى شيء يعيق الطرقات، فقال: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخّره، فشكر اللهُ له فغفر له».

مع انعقاد

رسول الإنسانية رائد حماية البيئة في التاريخ

د.آمنة نصير، أستاذة العقيدة والثقافة الإسلامية والعميدة الأزهرية السابقة، تؤكد أن ما قدمه رسول الإنسانية من توجيهات ووصايا كريمة في مجال حماية البيئة والارتقاء به يضعه في مقدمة «رواد حماية البيئة عبر التاريخ»، فقد أسهمت توجيهاته في إنقاذ البيئة من التلوّث منذ أن بعثه الله بالرسالة السماوية الخاتمة (الإسلام)، حتى اليوم، وكل ما هو مطلوب الآن من دعاة الإسلام، في كل مكان، أن يذكّروا الناس بتوجيهات رسولنا العظيم، ووصاياه لحماية البيئة، والارتقاء بها، والإحسان إليها.

وتضيف «لقد حذّر الرسول الكريم كل من يلوّث الطرق، ويؤذي الناس بذلك؛ باللعن من الله سبحانه، ومن الناس، وفي ذلك جاءت أحاديث عدة:

  • في مجال حماية الماء- وهو المورد الأهم للحياة وأهم عنصر من عناصر البيئة- جاءت التوجيهات النبوية واضحة وحاسمة في النهي عن تلويث الماء، بأي سبب من أسباب التلويث، فرسول الله صلى الله عليه وسلّم، يحذّرنا من هذه الرذيلة فيقول: «اتقوا الملاعِن الثلاث: البراز في الموارد- أي موارد الماء، وقارعة الطريق، والظل»، ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، أي الراكد الذي لا يجري، ثم يغتسل منه»، كما يقول صلوات الله وسلامه عليه: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه» كما يقول: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة»، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «لا يبولنّ أحدكم في مستحمه». هذه التوجيهات النبوية الكريمة- كما تؤكد الأستاذة الأزهرية- تحثنا على حماية الماء من الملوثات الطبيعية، وهي تؤكد عطاء رسولنا الكريم في مجال مكافحة التلوّث، خاصة تلوث الماء. فالماء نعمة يجب على الإنسان أن يحافظ عليها، ويحميها من كل أشكال التلوّث، ويتعامل مع هذه النعمة بعقل وحكمة حتى يحفظها الخالق الواهب الرزاق له».
  • في مجال الزراعة.. هناك توجيهات نبوية عدة، تؤكد أهمية الزراعة في الحفاظ على البيئة، فهي تسهم في تنقية الهواء من الملوثات، كما أنها تنشر الجمال في كل مكان تنتشر فيه، ووصايا الرسول هنا كثيرة ومتنوعة، وقد ربط بعضها بالثواب والعقاب، فكل من يزرع زرعاً مفيداً للإنسان، أو الحيوان، أو حتى لنشر الجمال، يُثاب على ذلك.. ومن بين هذه الأحاديث الشهيرة قوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلمٍ يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».

الرسول عليه الصلاة والسلام رفض كل أشكال الضوضاء والإزعاج للآخرين لأنها تمثل تلوثاً سمعياً

  • في مجال التلوّث السمعي.. وتوضح د.آمنة نصير أن العطاء النبوي في مجال حماية البيئة لا يقف عند الحفاظ على الموارد الطبيعية، وحمايتها من كل ما يضرّ بها، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام في فلسفته المتكاملة لحماية البيئة من التلوث جرّم كل سلوك بشري يمثل إزعاجاً، أو إضراراً، نفسيا أو بدنياً، بباقي أفراد المجتمع، ولذلك رفض كل أشكال الضوضاء والإزعاج للآخرين، لأنها تمثل تلوّثاً سمعياً.
  • في مجال التلوث البصري.. وجرّم صلى الله عليه وسلّم، كذلك إشغال الطريق بأي شكل من الأشكال، سواء كان ذلك بإشغاله بمخلّفات البناء، أو القمامة، أو مخلّفات المستشفيات، أو غير ذلك من صور الإشغال التي تعيق حركة الناس، وتضرّ بصحتهم، أو حتى بإشغال الطريق بالجلوس فيه ما يسبب مشقة للآخرين، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والجلوس في الطرقات.. قالوا: يا رسول الله ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال: فإذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه.. قالوا: وما حقه؟ قال: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».

فقد حرص الإسلام على نظافة الطريق، وإزالة العوائق التي تعترض سبيل المارّة، ويتوعد من يأتي شيئاً من ذلك بأشد أنواع الوعيد، كما يضاعف الأجر لمن يسهم في كل ما يجعله صالحاً، ولا يَجِد فيه من يطرقه ما يعكّر صفوه، أو يعطّل عمله.. والمراد بالأذى كل ما يؤذي المارّة، كالحجر، والشوك، والنجاسة، ونحو ذلك.

مع انعقاد

وهكذا يتأكد لنا سبْق رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كل مُصلحي العالم في العناية بالبيئة، والارتقاء بها، والإحسان إليها، وحمايتها من ألوان الفساد، وأشكال التلوّث، ولذلك تزداد حاجة المسلمين، وغير المسلمين، إلى هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، في هذا الجانب، لأن ما نعانيه من فساد وتلوّث بيئي هو أكبر عصيان وتمرّد على تعاليم الإسلام، وآدابه، وتوجيهاته، وأخلاقياته.

نحن في أمسّ الحاجة إلى معرفة ما قدّمه لنا رسولنا العظيم، من رعاية شاملة للبيئة، وحماية مثالية لكل عناصر الكون، وأملنا أن يكون في ذلك ذكرى، وعِبرة، وعِظة، ودعوة للالتزام بتعاليمه، وتوجيهاته، ووصاياه في التعامل مع كل عناصر البيئة، حتى نرتقي بسلوكاتنا، ونعيش حياة طيّبة بعيداً عن التلوّث، والفساد، والعبث، بما أنعم الله به علينا من ماء، وهواء، وخضرة، وجمال طبيعي تزخر به كل بلاد المسلمين.

اقرأ أيضاً:
- في يوم البيئة العالمي.. كيف نحافظ على بيئتنا؟
- الإمارات.. نموذج عالمي ملهم للحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة