الإمارات.. نموذج عالمي ملهم للحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة
على مدار سنوات طويلة حققت الإمارات ريادة عالمية في ملف الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، والتي أولته اهتماماً بالغاً منذ عقود وجعلت منه منهاج حياة، فالمتابع لتطور تلك الدولة حديثة العهد متجذرة الأصول يستطيع رصد الدور الكبير الذي تلعبه في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، وفي النقل، وتطوير الزراعة المستدامة، وإدارة المحميات الطبيعية، وتحسين البنية التحتية، ومكافحة تلوث الهواء والحفاظ على الموارد الطبيعية من أجل الأجيال القادمة، وغيرها الكثير من الملفات التي تصب في مصلحة البيئة وتوقف نزيف الانبعاثات الضارة.
وتأصيلاً لدور الإمارات البارز ومع إعلان 2023 عام الاستدامة، تحت شعار «اليوم للغد»، شهدت الدولة منذ مطلع العام الجاري العديد من المبادرات والفعاليات والأنشطة المتنوعة، والتي تسلط الضوء على تراث الدولة الغني في الممارسات المستدامة ونشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية وتشجيع المشاركة المجتمعية ليس على الصعيد المحلي بل والعالمي أيضاً، فما هي إلا أيام وتستضيف الإمارات فعاليات الدورة الـ 28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28» والمقرر انعقادها في الفترة بين 30 نوفمبر الجاري إلى 12 ديسمبر المقبل في دبي، وفي السطور التالية نستعرض دور الإمارات الريادي في مكافحة التغير المناخي، وأهمية هذا الحدث العالمي والنتائج المتوقعة منه.
الشيخ الدكتور عبد العزيز علي بن راشد النعيمي، المستشار البيئي لحكومة عجمان، والملقب بـ «الشيخ الأخضر»، يقول «قامت الإمارات بتنفيذ مجموعة من المشاريع والمبادرات المستدامة منذ عقود وما زالت مستمرة في نجاحات مبهرة، بما في ذلك استثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة، والنقل، وتطوير الزراعة المستدامة، وتحسين البنية التحتية، وإدارة المحميات الطبيعية والسياحة البيئية وغيرها، كما تم نشر مؤخراً مفهوم وقيم الاستدامة وتطبيقاتها على موظفي الحكومة، من خلال منصة «جاهز» الرقمية المتكاملة، والتي توفر تجربة تعليمية موحدة وسلسلة لأكثر من 40 ألف موظفاً في الحكومة الاتحادية، حيث تسعى لتعزيز التوعية بالاستدامة والاستهلاك المسؤول، والحفاظ على موارد البيئة والتنوع البيولوجي، والعمل المناخي. وتأتي فكرة شعار «اليوم للغد» وتسمية 2023 بـ «عام الاستدامة» كوسيلة فعالة لتشجيع المشاركة في المبادرات والمشاريع والأنشطة المتعلقة بحفظ البيئة وتحسين الاستدامة في مختلف القطاعات، كما تعكس التسمية أيضاً التزام الإمارات بتحقيق رؤية التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة».
استضافة «كوب 28» تعكس التزام الإمارات بالتنمية المستدامة وتوفير منصة للتعاون الدولي
ويتابع الدكتور عبد العزيز النعيمي «مؤتمر «كوب 28»، الذي تستضيفه الإمارات، يمثل نقطة تحول حاسمة في مجال مكافحة تغير المناخ على الساحة العالمية، ويتوقع أن يسفر عن نتائج وتوصيات تعزز التزام الدول بتحقيق أهداف طموحة للحد من انبعاثات الكربون وتعزيز التمويل لمواجهة تأثيرات تغير المناخ، كما سيكون له تأثير كبير في تعزيز الحلول المبنية على الطبيعة والتعامل مع قضايا الفقدان والضرر. فبما لا يدع مجالاً للشك، استضافة الإمارات له يعكس التزامها القوي بالتنمية المستدامة وتوفير منصة للتعاون الدولي، إذ يمنحها الفرصة لتقديم تجاربها ومشاريعها المبتكرة كوسيلة لتبادل المعرفة والتجارب في مجالي الاستدامة والطاقة المتجددة، وبالتالي يسهم في جذب اهتمام المجتمع الدولي بها، وهذا بدوره يعزز العمل المناخي على الساحة العالمية».
ويكمل الدكتور عبد العزيز النعيمي موجهاً حديثه إلى البشرية «لن يكون هناك بيت للإنسان أفضل من كوكب الأرض الذي يعيش عليه، لذا، يجب علينا احترام هذا البيت الكبير، بتقليل الاستهلاك سواء في الغذاء أو في استهلاك المياه أو في استهلاك الطاقة، وكذلك يجب إعادة التدوير لمجموعة من الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والملابس والأثاث وغيرها، كما ينبغي أن نهتم بالتنوع البيولوجي عبر دعم الحفاظ على الحياة البرية، وتجنب الصيد الجائر، وأن نجعل من تطبيق مبادئ الاستدامة نهج حياة يومياً، والمشاركة في الحملات البيئية والمبادرات التي تصب في هذا الجانب للمساهمة في الحفاظ على البيئة، سواء من خلال التواصل الاجتماعي أو المشاركة في جهود المؤسسات أو المنزل أو المدرسة، فنحن جميعاً مسؤولون عن الحفاظ على بيتنا الكبير».
من جانبه، يبين نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، «إن الاهتمام بالبيئة لا يأتي من فراغ بل هو نتيجة ممارسة مجتمعية. وعلى الرغم من أن الإمارات تعد دولة حديثة، إلا أن مؤسسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وضع الطبيعة والبيئة في طليعة اهتماماته، وسعى بذكاء فطري لإيجاد التوازن بين الإنسان والكائنات والموارد الطبيعية. وأذكر قوله في مقابلة أجريتها معه عام 1997، إنه يزرع الصحراء لتأمين حياة أفضل لمواطنيه وتأمين أجواء مثالية ليس فقط للإنسان، بل والكائنات التي تقاسمه الأرض ذاتها، كما قال إنه حين يزرع غابات في الصحراء فهو يسهم في المحافظة على التوازن البيئي ومكافحة تغير المناخ. وهكذا نرى أن مؤسس الدولة نظر بجدية إلى هذا الموضوع، فقد كان يعمل بالفطرة للحفاظ على التوازن بين البشر والموارد والمخلوقات الأخرى. والحقيقة أن ما قام به مؤسس الدولة في تشجير الصحراء كان عملاً رائداً ويعكس رؤيته للمستقبل، لأن من أهم ما يطرح اليوم في موضوع التصدي لتغير المناخ هو الحفاظ على الغابات الموجودة وزراعة أخرى».
ويكمل نجيب صعب «ليس سراً أن الإمارات وغيرها من بلدان منطقة الخليج، بل والعالم العربي كله، لا تمتلك مخزوناً كافياً من المياه العذبة المتجددة ولا من الأراضي الزراعية، وأبرز ما يمكن أن تواجهه من تحديات في التنمية هو إيجاد الطرق لإدارة المياه بشكل جيد وإيجاد مصادر غير تقليدية لها، وأيضاً التعامل مع ندرة الأراضي الزراعية بتعزيز الكفاءة والإنتاجية واختيار المحاصيل المناسبة. ومنذ سنوات طويلة عملت الإمارات بجدية لمعالجة هذه الأمور، ففي مجال المياه عمدت إلى تحلية مياه البحر، ولم تكتف بذلك، بل بدأت برامج كبيرة لمعالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها للري، وهذا شيء يحسب لها. ففي حالات الندرة هذه علينا جميعاً عدم هدر أي نقطة من المياه واستخدامها بشكل كفء سواء في المنازل أو في الزراعة، وهذا ما قامت به الإمارات منذ أكثر من ثلاثة عقود، إذ إن مياه الصرف كلها تتم معالجتها، إلى جانب تخفيف الهدر في شبكات توزيع المياه.
أما في مجال الزراعة فقد تم الاستغناء عن كثير من الزراعات المستهلكة للمياه بكثرة، واستبدالها بأخرى تتطلب مياهاً أقل. ومن ناحية أخرى قامت الإمارات بعمل رائد في المنطقة هو استخدام مياه الصرف بعد المعالجة في زراعة المساحات الخضراء داخل المدن، فعلى سبيل المثال توجد مساحة خضراء مزروعة في أبوظبي ودبي تفوق نظيرتها في مدن عربية تتمتع بكميات أكبر من المياه العذبة. كما قامت الإمارات بعمل آخر استباقي وهو تحلية المياه الجوفية التي تملحت بسبب الضخ المتزايد الذي أدى إلى دخول مياه البحر إليها، وإعادة ضخها إلى الآبار الجوفية لتبقى مخزوناً احتياطياً للحالات الطارئة وللأجيال القادمة».
مدينة «مصدر» مشروع رائد على مستوى العالم وليس على نطاق المنطقة العربية
وعن دور الإمارات الريادي في مواجهة التغير المناخي، يشير صعب «منذ أن التفت العالم لخطورة تغير المناخ وبدأ الحديث عن وضع حد لارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز الدرجة ونصف درجة مئوية مع نهاية هذا القرن، كانت الإمارات جزءاً من الاتفاقيات المناخية، وهي لم تكتف بذلك بل بدأت بنفسها ووضعت البرامج الجدية لإدارة مواردها بما لا يخل بالتوازن.
فعلى سبيل المثال أسست شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، والتي تعد مشروعاً رائداً على مستوى العالم وليس على نطاق المنطقة العربية فقط، وأهمية الموضوع أن الإمارات، مع أنها دولة غنية بالنفط، بادرت إلى إنشاء شركة كبيرة هدفها الاستثمار في الطاقة المتجددة الناتجة من الشمس والرياح، وبما يقلل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، كما وضعت خططاً متنوعة لاستغلال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، وذلك لتخفيف الانبعاثات سريعاً، وتطبيقاً لمبدأ تنويع مصادر الطاقة وإبقاء الخيارات كلها مفتوحة. ونأمل من استضافتها لـ «كوب 28» تكملة المسيرة والعمل على إحداث تناغم بين الدول المنتجة والمصدرة للطاقة الأحفورية، بما يساعد في اعتماد سياسات تأخذ خطورة التغير المناخي بشكل جدي».
وعن أهم ما ينتظره البعض من «كوب 28»، يعلق نجيب صعب «في «كوب 27» تم إقرار مبدئي لإنشاء صندوق «الخسائر والأضرار»، والمقصود منه دعم الدول الفقيرة للتعامل مع قضايا تغير المناخ، ليس فقط بتخفيف الانبعاثات ولكن بمجابهة التغيرات التي لا يمكن وقفها، أو ما يسمى بالتكيف، فعلينا أن ندرك أن بعض تأثيرات ارتفاع معدلات حرارة الأرض لن يمكن وقفها بالكامل، بل الحد منها والتعامل معها. وهنا يأتي دور الصندوق لمساعدة الدول الفقيرة في هذا المجال.
ونأمل في «كوب 28» أن يتم وضع الاتفاق النهائي لتوزيع المسؤوليات، بتحديد مصادر تمويل العمل المناخي، ومن يدفع، وكم، ولمن.. فالدول الغربية الغنية، التي استخدمت منذ الثورة الصناعية الوقود الأحفوري لدعم صناعاتها وتحقيق معدلات مرتفعة من التنمية، تسببت بمعظم الانبعاثات الكربونية التي تجمعت في الأجواء، ولذا عليها مسؤولية أكبر تجاه العالم الذي يدفع فاتورة التغير المناخي الآن. والواقع أن هناك قبولاً بهذا المبدأ، لكن الخلاف يبقى على توزيع الحصص من الأعباء. ونتمنى أن يوضع حد لهذه التجاذبات في «كوب 28»، بالتوصل إلى تسويات لمصلحة العمل المناخي بما يجنب العالم الوصول إلى كارثة.
ويمكن للإمارات أن تلعب دور الوسيط العادل، لأنها بدأت بنفسها، ليس فقط في توسيع الاعتماد على مصادر الوقود النظيفة داخلياً، بل أيضاً بمساعدتها الدول الأخرى، من خلال استثمارات خارجية في مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم».
وفي هذا الإطار، توضح خنساء إبراهيم البلوكي، مديرة إدارة التوعية البيئية في هيئة البيئة أبوظبي سابقاً، «تغير المناخ قضية عالمية ملحة ولها عواقب وخيمة، وبينما تلعب الحكومات والشركات أدواراً مهمة، فإن عامة الناس لابد وأن يكون لهم دور حاسم في منع وقوع الكوارث المناخية، فالوعي بالتأثير البيئي للاختيارات اليومية أمر ضروري لإحداث تغيير هادف، كما أن تقليل البصمة الكربونية للأفراد ضرورة ملحة والتي تقاس بإجمالي الانبعاثات الناتجة عن أي نشاط للفرد، ويتم قياسها من خلال النظر في عوامل مثل استخدام الطاقة، والنقل، والنظام الغذائي، والنفايات، وخيارات المستهلك البديلة للبيئة».
تقليل البصمة الكربونية للأفراد يسهم في مكافحة تغير المناخ بشكل كبير
تضيف خنساء البلوكي «الحد من مشكلة البصمة الكربونية واجبنا تجاه البيئة كونها تسهم في مكافحة تغير المناخ، وذلك من خلال إقناع الناس باستخدام البدائل الخضراء، والتركيز على قصص النجاح الواقعية لتبنيها والتأكيد على الفوائد الصحية والأثر الإيجابي من جراء ذلك في البيئة، كما يجب تشجيعهم على المشاركة المجتمعية في المبادرات المحلية الداعمة للبيئة، وذكر الحوافز المتاحة والمزايا المالية المحتملة جراء تبني هذا السلوك الحضاري، بجانب الاحتفال بالإنجازات والاعتراف بالتقدم في هذا المجال.
فالإجراءات الفردية مجتمعة تحدث فرقاً كبيراً في مكافحة تغير المناخ، والتزام كل شخص بالحد من بصمته الكربونية، والدعوة إلى التغيير ودعم الاستدامة، أمر حيوي لمنع وقوع كارثة مناخية ومعاً يمكننا حماية كوكبنا للأجيال القادمة، وهو ما تقوم به الإمارات إذ يتجلى ذلك واضحاً في تفكيرها الاستباقي لحفظ الإرث البيئي لمن هم قادمون بعدنا، وأكبر تقدير لهذا الدور هو استضافتها لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة «كوب 28»، والذي نأمل أن يقر بتوصيات ونتائج جازمة تلزم الجميع بمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة للحد من الانبعاثات وآثار التغير المناخي».
عندما نعيش في مجتمع يسوده الانضباط البيئي ينسحب ذلك على مؤسساته المدنية، إذ تروي لنا الدكتورة المهندسة ريفين نبيل دياب، رئيس مبادرات البيئة والاستدامة في مركز اقرأ واستمتع، تجربة مركزها في التعاون مع بعض المؤسسات الحكومية لصون الطبيعة، «يهدف عام الاستدامة إلى نشر الوعي حول القضايا البيئية وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية، ومن هذا المنطلق قررنا أن نكون جزءاً من رؤية الدولة فأطلقنا شعار «من أجل أجيال الغد نزرع فكرة ونحصد وعياً»، وتم تشكيل فريق متخصص لإبراز الجهود التي تقوم بها الدولة في تعزيز العمل الجماعي الدولي لمعالجة تحديات الاستدامة ودورها في البحث عن حلول مبتكرة يستفيد منها الجميع، إذ أطلقنا دورات تدريبية لإعادة التدوير موجهة لكل فئات المجتمع، وقمنا بعمل حملات لتعليم فرز النفايات البلاستيكية من المصدر بالتعاون مع بلدية دبي، كما نظمنا محاضرات توعوية لخبراء في الاستدامة في مجال الوعي البيئي للتعرف إلى أضرار ومخاطر البلاستيك، وكيف نعتني ببيئتنا والطرق والحلول البديلة، وأطلقنا مبادرة اجعل الإحسان للبيئة أسلوب حياة، من خلال تغيير عادات لممارسات بسيطة تهدف إلى الحفاظ على البيئة».
وتتابع د. ريفين دياب «كما أطلقنا مبادرات إنسانية تهدف إلى تجميع البلاستيك وأغطية عبوات الماء، واستخدامهما في الأطراف الاصطناعية أو صنع الكراسي المتحركة، وقمنا بتجميع النفايات الورقية، وتخلصنا عما يزيد على طنين من البلاستيك بطريقة آمنة، واستطعنا التخلص من 3800 كيلوجرام من النفايات الورقية، ومن 150 كيلوجراماً من الألمنيوم، ومازالت مبادراتنا متواصلة».
وتكمل الدكتورة دياب «لـ «عام الاستدامة» أهمية خاصة كونه تستضيف فيه الإمارات أكبر حدث دولي في مجال العمل المناخي وهو مؤتمر «كوب 28»، من أجل التصدي للتحديات في التغير المناخي، وتتشارك فيه الدولة مع جميع دول العالم إنجازاتها في ابتكار الحلول العملية للحفاظ على البيئة، إذ استطاعت على مدى السنوات الخمسين الماضية بناء نموذج عالمي للاستدامة، كالأبنية الذكية الصديقة للبيئة، كما تمكنت خلال فترة وجيزة من تعزيز قدرتها على تنويع الحياة البيولوجية وتعزيز أمنها الغذائي وفق أعلى المعايير العالمية، واهتمت أيضاً بالمبادرات الزراعية الابتكارية والمحافظة على الغطاء النباتي والموارد الطبيعية من خطر الانقراض والتلوث، وغيرها من البرامج التي تصب في هذا الجانب».
إعادة تدوير علب الأدوية
لم يكن أفراد المجتمع في معزل عما تبذله الإمارات من جهود مضنية للحفاظ على البيئة، والذي جعل منها نموذجاً ملهماً لكثير من دول العالم، ومعنا تجربة بطلتها أم اتخذت من مرض ابنتها النادر وسيلة تعبر من خلالها عن تقديرها للبيئة والتي تستحق أن نبذل من أجلها الكثير على حد تعبيرها..
تروي نشمية عبد الوهاب الفيلي، ربة منزل، قصتها في دعم التنمية المستدامة، وتقول «أحب العمل بيدي وشغفي ابتكار شيء من لا شيء، أو بمعنى أدق صنع عمل فني من أشياء محلها القمامة، فإعادة التدوير غاية ارتبطت بها منذ أن كنت في الجامعة».
وتشير نشمية الفيلي «عندما تزوجت وأنجبت ابنتي مزنة وكان لديها إعاقة ذهنية وجسدية، حمدت الله تعالى على هذا الاختبار الصعب والذي اشتد وهي ابنة العامين والنصف عام بعد أن داهمتها نوبات الصرع، والتي كانت تأتي لها أكثر من 10 مرات في اليوم، وهو ما دفع الأطباء إلى زيادة صرف الأدوية للتحكم فيه دون فائدة، ووسط كل هذه الآلام النفسية التي كنت أعيشها وجدت نفسي شاردة العقل باحثة عن متنفس أحول من خلاله محنة ابنتي إلى منحة تغير مجرى حياتي وفي نفس الوقت تصب في مصلحة البيئة، وقررت أن أشارك هذا الملاك البريء ما يدور بمخيلتي لتصبح بعد ذلك ملهمتي، فمنها أستمد أفكاري التي تعبر عن معاناتها، فبدلاً من أن ألقي شرائط وعلب الأدوية في القمامة حولتها إلى لوحات وأعمال فنية.
فعلى سبيل المثال، رسمت لوحة من علب الدواء تعبر عن آلام الصرع، وأخرى تشير إلى حرقان المعدة والمريء الذي يصيبها وتجعلها تبكي من الألم بسبب كثرة الأدوية التي تتناولها، وعلى الرغم من أن ما أفعله شيء بسيط إلا أنه يشعرني بالسعادة لأنه عمل إيجابي يخدم البيئة، التي وهبنا الله تعالى حق الانتفاع بها وفي نفس الوقت الحفاظ عليها كونها نعمة كبيرة».