تقتل زوجها بسبب إصراره على أخذ راتبها!! ما هو الموقف الشرعي من إنفاق المرأة على بيتها؟
لا تتوقف الخلافات والمشاحنات الزوجية داخل كثير من البيوت العربية بسبب أموال الزوجة، أو راتبها، وإصرار بعض الأزواج على مصادرة أموال زوجاتهم، أو إجبارهنّ على المشاركة برواتبهن في مصروفات البيت، وقد تحسم هذه الخلافات بالحوار الهادئ، وإعلاء مصلحة الأسرة والأولاد، وقد تتطور إلى شجارات تصل بالزوجين إلى طريق مسدود لا حلّ معه سوى التفريق بين الزوجين، وللأسف، أحياناً، قد يؤدي الشجار إلى جرائم عنف، كما حدث مع زوجة شابة طعنت زوجها بسكين في نهاية مشاجرة بسبب إصراره على إنفاق راتبها في البيت، أو ترك العمل.
الرأي الشرعي هنا قد يحلّ المشكلة، لكن المطلوب من كلا الزوجين الاحتكام إليه، ووقف الشجار، والرضا بما قرّره الله ورسوله، لأن فيه العدل والإنصاف بين الطرفين.. وهنا خلاصة ما نصح به علماء الإسلام:
ثقافة ذكورية تهضم حقوق المرأة
بداية يؤكد د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وأستاذ الشريعة الإسلامية، أن المشكلات والصراعات المادية بين الأزواج وزوجاتهم تتفاقم داخل كثير من البيوت بالفعل، نتيجة غياب الرؤية الشرعية الصحيحة عن عقول الزوجين، وتربيتهما داخل قبل الزواج.
ويقول «للأسف الخلافات والمشاحنات المادية تقف وراء نسب كبيرة من الخلافات الزوجية، ومحاكم الأسرة تعجّ بقضايا كثيرة من هذا النوع، والسبب في ذلك هو الثقافة الذكورية، الشائعة، والراسخة في العقول، وهي ثقافة تحرم المرأة من كثير من حقوقها الشرعية، حيث توارث بعض الرجال في عالمنا العربي هضم حقوق نسائهم بصفة عامة، والمادية بصفة خاصة».
يضغط عليها للإنفاق على البيت، ثم عندما تمرض يبحث لها عن فتوى من نوعية أنه غير ملزم بعلاجها
ويضيف «بسبب غياب الثقافة الشرعية الصحيحة التي تحمي حقوق كل من الزوجين؛ يطمع كثير من الرجال في أموال زوجاتهم، وقد يحدث العكس، وتكون المرأة هي الطامعة في مال زوجها، وهنا ينبغي الاحتكام للشريعة الإسلامية، فهي الفيصل، وشريعتنا العادلة نظمت العلاقة المادية بين الزوجين، كما نظمت العلاقة الإنسانية والاجتماعية بينهما».
ويشدّد العالم الأزهري على أن تصاعد الخلافات المادية بين الزوجين يقوّض فرص الاستقرار الأسري الذي نبحث عنه، ونسعى إليه، ولذلك يطالب علماء الإسلام بأن يكثفوا من حملاتهم وجهودهم الدعوية لنشر ثقافة الإسلام الشرعية التي تكفل حقوق كل من الزوجين «يجب أن يكون لمؤسسات الإعلام دور واضح في نشر الثقافة الشرعية، وتبنّي ما يصدر عن مؤسسات الدعوة والإفتاء، في التبصير بالحقوق المادية بين الزوجين، لكي يعرف كل من الزوجين، حقوقه المادية، وواجباته تجاه شريكة حياته، وتجاه أسرته عموماً.
فلا يجوز مساعدة رجل على السطو على مال زوجته، أو إهدار حقوقها المادية، استناداً إلى ثقافة متوارثة، أو عرف فاسد يلزم المرأة بإنفاق كل دخلها على أمور هي من واجبات الزوج شرعاً، وطالما كان الزوج قادراً على الإنفاق على بيته فواجبه أن ينفق، من دون أن يكره زوجته على إنفاق مالها، أو راتبها في البيت، وأن يترك لها حرية الاختيار، ولا يضغط عليها، ويخيّرها بين الإنفاق على البيت أو ترك العمل، ثم عندما تمرض يبحث لها عن فتوى من نوعية أنه غير ملزم بعلاجها!!».
ويواصل «على أمثال هؤلاء الرجال أن يدركوا أن شريعتنا الإسلامية «عادلة ومنصفة»، ولا تقرّ سلوك زوج يطحن زوجته، ويُهلك صحتها، ويستفيد من كفاحها، داخل البيت وخارجه، وعندما تمرض ينفض يده منها، ويطالبها بتدبير نفقات علاجها.. هذا يتصادم مع المودة والرحمة التي جعلها الله أساساً للعلاقة الزوجية».
أخذ المال بدون علم الزوج خيانة للأمانة
ويوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الإسلام كما يحمي حقوق الزوجة المادية، ويجعل لها الولاية على أموالها، ويترك لها حرية الاختيار بين إنفاق أموالها في البيت لمساعدة الزوج على الوفاء بمتطلبات الأسرة.. يحمي أموال الأزواج من سَفه الزوجات، ولا يعطي صكوكاً شرعية تبيح لكل امرأة لا تحسن التفكير الاقتصادي الصحيح في الأخذ من مال زوجها من دون علمه، لأن هذه خيانة للأمانة.
ويقول «المرأة لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، ولا يجوز إجبارها على تقديم أموالها لزوجها تحت ستار المشاركة في الأعباء المادية، لأن كثيراً من الرجال يسعون إلى تقليم أظافر الزوجة المادية، ويستولون على أموالها، سواء التي تؤول إليها من ميراث أو عمل؛ لكي تظل المرأة تتحمل ضغوط زوجها، ولا تفكر في الشكوى من ظلمه، وجبروته.
وهناك زوجات كثيرات أكلهنّ أزواجهنّ لحماً ورموهنّ عظماً، كما يقول المثل، ولذلك فإن العدل هو ما قررته الشريعة الإسلامية من احتفاظ المرأة بأموالها، وأن يترك لها الاختيار في مساعدة زوجها في تكاليف الحياة، لو كان زوجها غير موسر».
عدالة الإسلام توضح المباح والمحظور
من جانبه، يبيّن عالم الشريعة الإسلامية د. محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن تفاقم الخلافات المادية بين الأزواج والزوجات بسبب غياب الثقافة الشرعية عن الرجال والنساء معاً، في ما يتعلق بحقوق كل منهما، ففي ظل غياب الرؤية الشرعية الصحيحة يحدث التجاوز ويحدث الظلم.
ويضيف «غياب الحوار الهادئ العقلاني بين الزوج وزوجته ينتهي بالخلافات التي تتحول، في الأغلب، إلى مشاجرات، وعنف، وطلاق، وقتل، وهو أمر مرفوض ومدان. فالعلاقة الزوجية يجب أن تغلفها الرحمة في كل الأحوال، ومن دون مشاعر الرحمة والمودة تتحول الخلافات إلى صراعات مدمرة، ولذلك، يجب الرجوع لعلماء الشرع لحسم الخلافات المادية بين الزوجين».
وينصح د. الجندي كل زوجين مختلفين حول أمور مادية بالرجوع لعلماء الإسلام، والعمل بما يوجهون إليه، وينصحون به «ينبغي تكثيف فتاوى العلماء ونصائحهم لفضّ الاشتباك وإنهاء الصراع المادي بين الطرفين، وفقاً لعدالة الإسلام، ولتوضيح المباح والمحظور فيها، وتبصير كل من الأزواج والزوجات، بما قررته الشريعة الإسلامية لتنظيم العلاقة المادية بين الطرفين، بما يمنع الظلم، ويوثق العلاقة الإنسانية والاجتماعية بين طرفين أراد الخالق أن تكون بينهما كل صور المودة والرحمة».
ويبيّن «يجب أن نعترف بأن الخلافات المادية بين الزوجين موجودة داخل كثير من البيوت، ولا تنحصر داخل الأسر محدودة الدخل، أو الفقيرة، بل هذه الخلافات والصراعات موجودة داخل العديد من الأسر التي تنعم بالاستقرار المادي، لأن الخطوط الفاصلة بين حق الزوج وواجباته، وحق الزوجة وواجباتها، غير واضحة في أذهان كثير من الأزواج والزوجات.. وهذه الأمور أوضحتها الشريعة الاسلامية توضيحاّ لا يقبل الّلبس».
الزوجة غير مسؤولة عن الإنفاق على بيتها.. ولكن
لكن.. يؤكد د. الجندي أن الخلافات والصراعات المادية بين الزوجين لا تحلّ بسيف الفتاوى الشرعية، والتوجيه الديني وحده، فبعض الأزواج يدركون الموقف الشرعي جيداً، ولكنهم يصرّون على الاستحواذ على أموال زوجاتهم نتيجة سيطرة العناد بين الطرفين.
كما أن هناك زوجات يبحثن عن مبررات شرعية «وهمية»، لبعثرة كل ما تصل أيديهن إليه من أموال أزواجهن.. ويقول «هذه المشكلات تحلّ أكثر بالحوار والتفاهم، وأحكام الشرع هنا تكون هادية للطرفين».
لا يصح أن ترفع الزوجة يدها كليّة عن تحمّل ولو جزء من أعباء الحياة المعيشية
وعن حدود العلاقة المادية بين الزوجين وفقاً لمنظور الشريعة الإسلامية، يوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر «المفروض أن الزوجة - شرعاً وعرفاً- غير مسؤولة عن الإنفاق على بيتها، مادام زوجها قادراً مستطيعاً، ولا ينبغي للزوج أن ينتظر من زوجته المساعدة.
وفي المقابل لا يصح أن ترفع الزوجة يدها كليّة عن تحمّل ولو جزء من أعباء الحياة المعيشية، خاصة إذا كانت قادرة، وحالة زوجها المادية ضعيفة، بشرط أن يتم هذا برضاها ومن دون إجبار من الزوج، والأفضل أن تبادر الزوجة من دون طلب مباشر من الزوج، كأن تشتري هي بعض مستلزمات المنزل من دون أن تشعر زوجها بالحرج، بخاصة أن بعض الأزواج يفضلون الاقتراض، من بنوك أو آخرين، على طلب مساعدة من الزوجة».
وهنا ينصح د. الجندي بأن يقوم كل زوجين ومن الأيام الأولى للزواج، بتحديد هذه الأمور حتى لا يحدث خلاف فيما بعد، حول المسائل المادية يفسد العلاقة بينهما.
الزوجة الذكية تساهم بمالها في المنزل.. دون إكراه
د. فتحية الحنفي أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تشير إلى أن العلاقة الزوجية تقوم على التعاون والمشاركة في كل الأعباء، ومن وفاء الزوجة لزوجها وحسن عشرتها له، أن تقدم له باختيارها، وبمبادرة منها، ما يعينه على توفير مقومات الحياة الكريمة لأسرته، والزوجة الذكية لا تعطي فرصة لزوجها أن يطلب منها، أو يتشاجر معها من أجل المساهمة في أعباء الأسرة المادية، خاصة في هذا العصر الذى يسيطر فيه التضخم على مجتمعاتنا العربية كلها، فحتى الدول التي تتمتع بمستوى معيشي أفضل تعاني الغلاء، وهذا يستدعي التعاون بين الزوجين، بخاصة إذا ما كانت الزوجة عاملة، ويترتب على عملها زيادة الأعباء المادية للأسرة.
انتقال هذه الصراعات من بين جدران البيوت إلى ساحات القضاء وبرامج الفضائيات، أصبح أمراً مثيراً للاستياء
وتشرح «لا ينبغي ترك الصراعات المادية بين الأزواج والزوجات تتصاعد، وتدمّر كيان الأسر، لأن تنامي تلك الخلاقات والصراعات المادية بين الأزواج وزوجاتهم تؤثر في الاستقرار، الأسري والاجتماعي، الذي ننشده..
ونشدّد على أن انتقال هذه الصراعات والخلافات من بين جدران البيوت إلى ساحات القضاء، وبرامج الفضائيات، أصبح أمراً مثيراً للاستياء، ويكشف عن جهل صارخ بتعاليم وأحكام الإسلام، وما قرّرته للمرأة من حقوق، ومن المؤسف أن كثيراً من الصراعات المادية، بين الأزواج والزوجات، تتطور، وتنتج عنها مشاجرات كلامية، تؤدي إلى تبادل السلوك العنيف الذي يصل أحياناً إلى حد القتل، كما يحدث على أرض الواقع في حياتنا المعاصرة».
رأي الشرع في العلاقة المادية بين الزوجين
ونظراً لكثرة النزاعات والمشاحنات الزوجية حول الأمور المادية، قدمت دار الإفتاء المصرية عدة نصائح وتوجيهات شرعية، للرجال والنساء، للقضاء على مصادر النزاع وتوضيح الموقف الشرعي.. أبرزها:
- الزوجة غير ملزمة بالإنفاق على الأسرة، ولو أنفقت لابد أن يكون ذلك بمبادرة شخصية منها من دون إكراه من الزوج، أو أسرته.
- ليس من حق الزوج منع زوجته من عملها بسبب عدم مساهمتها في الأعباء المنزلية، وطالما وافق الزوج على خروجها للعمل فلا يجوز له الرجوع في ذلك، إلا إذا جد جديد في أحوال الأسرة يستدعي أن تتفرغ له الزوجة سواء بالحصول على إجازة من دون راتب، أو ترك العمل نهائياً، والقرار هنا يكون بالتشاور والتفاهم بين الزوجين.
- إذا رأت الزوجة العاملة أن دخل زوجها لا يكفي لمتطلبات الأسرة ينبغي أن تساهم طواعية بجزء من دخلها أو راتبها، لكي تعاون زوجها في توفير مقومات الحياة الكريمة للأسرة.
- الزوجة ملزمة شرعاً بالاقتصاد في مصروفات البيت بما يتلاءم مع دخل الزوج وعدم تحميله أعباء تفرض عليه الاقتراض، والله سبحانه وتعالى يأمرنا بعدم الإسراف في الأكل والشرب، وهو أهم متطلبات الإنسان، ويقول: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا»، وحظر هذا الإسراف ينطبق على كل مصروفات البيت.
- من المحرم شرعاً بُخل الزوج على بيته وهو قادر على ذلك، وخير الأمور التوسط والاعتدال، والله سبحانه وتعالى جعل من صفات المهتدين من عباده «الاعتدال في الإنفاق» فقال: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما»، وكلما أنفق الرجل على زوجته وأولاده في ما هو مباح وحلال؛ نال من الله الأجر والثواب الجزيل، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جعل الإنفاق على الأهل بالمعروف وعلى قدر حاجتهم، من أعظم مجالات الإنفاق، فقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار أنفقه على عياله». وقال: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً يحتَسبُها فَهِي لَهُ صدقَةٌ»، ولذلك نقول لكل رجل: إيّاك والبخل على زوجتك وأولادك بما أنعم الله عليك، فقد حذّرنا الله من البخل بصورة عامة فقال: «وَمَن يَبخَل فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَّفسِهِ»، فما بالنا بمن يبخل على أقرب الناس إليه.. زوجه وأولاده؟
- يجب على الزوج أن يسكن زوجته في بيت آمن على حسب الاستطاعة، وينفق الزوج على زوجته بما تعارف عليه الناس حسب قدرته المالية، كما يجب على الزوج أن ينفق على زوجته من الأمور الضرورية في حدود دخله، ومن ذلك السكنى، فعليه أن يجتهد ويبذل وسعه وطاقته في توفير المسكن الملائم لها، والذي يضمن لها الأمن والصيانة، بما يتناسب مع حالته المادية والمجتمعية، فلا يظلمها، أو يعمل على تشريدها، بل عليه أن ينفق من سعته، قال الله تعالى: «لِيُنفِق ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُۥ فَليُنفِق مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ».
- إذا استدان الزوج من زوجته فعليه الوفاء بدينه، منعاً للتنازع، ولا شك في أن هذا من أبواب الحرص على استقرار الأسرة وسلامتها.
- أموال الزوج أمانة لا يجوز للزوجة الإخلال بهذه الأمانة، وهي ملزمة شرعاً بالرجوع إليه قبل الإنفاق منها على أي شيء خارج متطلبات الأسرة المعهودة، فلا يجوز أن تتصدّق منها، أو تقرض الغير إلا بعد موافقته، ولو تصرفت في شيء من ذلك، من دون الرجوع إليه، كانت آثمة شرعاً، ومفرّطة في الأمانة.
اقرأ أيضاً:
- كيف تتعامل الزوجة الغنية مع زوجها الطمّاع؟
- مفتي مصر: لا يجوز منع الزوجة من العمل إلا في هذه الحالة