29 نوفمبر 2023

الخلافات الزوجية.. بوابة للأمراض المزمنة والاضطراب النفسي للمرأة

محررة في مجلة كل الأسرة

الخلافات الزوجية.. بوابة للأمراض المزمنة والاضطراب النفسي للمرأة

اعتدنا أن الخلافات الزوجية تؤثر نفسياً واجتماعياً في الزوجة والأبناء، إلا أنه وفي حالات أخرى قد تسبب حدّة المشكلات مع ضغوطات الحياة بالتأثير صحياً في المرأة، وقد يصل الأمر إلى إصابتها ببعض الأمراض العضوية والمزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، الناتجة عن سوء الحالة النفسية.. وفي السطور التالية نناقش مع المختصين، من علماء النفس والمعنيين، في مراكز الإصلاح والتوجيه الأسري، كيفية الحد من هذه المشكلة.

د. نادية الخالدي، دكتوراه في الإرشاد النفسي والصحة النفسية، تقول «العلاقة الزوجية ليست وسيلة للباحثين عن الاستقرار النفسي، بل هي علاقة تنشأ بين المستقرين نفسياً، بالفعل، ولذلك ننصح دائماً المقبلين على الزواج بأن يكونوا مستوعبين لما يُقدمون عليه، فهذا الرباط قائم على الاستعداد النفسي لتقبّل طرف آخر يشاركني الحياة، وأن أكون على أتم الاستعداد لإعطائه مشاعري، ووقتي، واهتمامي، إضافة إلى تهيئة النفس للتحاور والنقاش، وإيجاد مساحة مشتركة لتلاقي الأفكار والآراء. وبلا شك، نحن ندرك جميعاً، أنه بطبيعة الحال لا تخلو أي علاقة زوجية من المنغصات، ولكن تأزمها، وعدم وضع قواعد لحلّها مشكلة كبيرة، لأن هذه النوعية من الخلافات ما هي إلا بوابة للاضطرابات والألم النفسي، وعدم الانتباه لخطورة تصاعدها يؤدي إلى كارثة، فعندما تعاني المرأة مشكلة نفسية فبكل تأكيد ينسحب ذلك إلى مشكلة عضوية، تبدأ باضطرابات في الجهاز الهضمي، ومع تغيير الجسم لنظامه الفسيولوجي، واستسلام المرأة للمشاعر السلبية المكبوتة، يمكن أن يصل الأمر إلى إصابتها بأمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وأخرى عضوية كثيرة قد تصل إلى الأمراض السرطانية».

لابد أن تتوقف المرأة عن كبت المشاعر، والتنفيس عنها ووضع إطار للخلاف

وتضيف الدكتورة نادية الخالدي «لابدّ أن تساعد المرأة نفسها حتى لا ينعكس تأثير الخلافات عليها بصورة سلبية، وتبدأ بالتوقف عن كبت المشاعر، والتنفيس عنها، ووضع إطار للخلاف، كأن تطلب من شريك حياتها تحديد وقت لمناقشة المشكلة موضع الخلاف، والتعبير عمّا بداخلها بصراحة تامة، أو تطلب من الزوج الامتناع عن سلوك معيّن يضايقها، ويسبب لها ألماً نفسياً وجسدياً، وإذا وجدت في أسلوب النقاش ألفاظاً غير لائقة، فعليها أن تطلب منه التوقف عن ذلك تماماً».

الخلافات الزوجية.. بوابة للأمراض المزمنة والاضطراب النفسي للمرأة

وتتابع د. الخالدي «إذا تأزمت المسألة، ووصل الأمر إلى حدّ الأمراض الجسدية، فهنا يجب على الزوج أن ينتبه لأهمية الاستعانة بالمرشد، أو الاختصاصي النفسي، الذي يضعه على المسار الصحيح في إعادة تأهيل تعامله مع الزوجة، والتي تكون هي أيضاً في أمسّ الحاجة للتحدث مع هذا الشخص، للاستفادة من علمه في كيفية تخطّي الخلافات، أو عدم تفاقمها من الأساس، وبعد ذلك تبدأ مرحلة أخرى، وهي إخضاع الزوجين لبرنامج إجباري مدته 3 أشهر، يخضعان فيه لتأهيل نفسي يساعدهما في تنمية مهارتهما على التواصل الجيد، والحوار البنّاء، فأكبر خطأ يقع فيه شركاء الحياة أثناء الخلاف هو التحدث «عن بعض»، وليس «مع بعض»، فالمرأة تفضفض مع إحدى قريباتها، أو صديقتها، والرجل يتكلم مع صديقة، أو زميلة العمل عن مشاكله، كل ذلك يفتح مجال لاتساع الهوة بين الزوجين».

وتضيف د. نادية الخالدي «من الضروري أن يوجد الشريكان وقتاً ترفيهياً خاصاً بهما، من ذلك نزهة بصحبة الأبناء، وأخرى مع بعضهما فقط، بهدف تجديد العلاقة وإيجاد ذكريات مشتركة، كما يجب أن يكون هناك يوم خاص يقضيه كل طرف بصحبة أشخاص يحبهم، يتشارك معهم الحديث ويضحك معهم كي يخرج من روتين الحياة المعتاد، كما يجب تعلّم مهارات المرونة في التعاملات اليومية. وأخيراً البحث عن التجديد، سواء في تنوع الأكلات وطريقة تقديمها، أو في تبديل أثاث المنزل، أو حتى تغيير مكانه المعتاد، وحتى في مظهر الزوجة نفسه، وفي تطوير مهاراتها الحياتية، كأن تبحث لها عن «بيزنس» خاص، أو تعلّم شيء جديد، كل ذلك يجعل هناك مساحة يتنفس فيها الزوجان بعيداً عن بعضهما بعضاً، وحتى لا ينشغل كل طرف بالثاني بطريقة يمكن أن يشعر معها بالملل والضيق».

من جانبه، يؤكد علي الكندي، مدير مركز الإصلاح والتوجيه الأسري بالفجيرة أن «الأسرة لبنة المجتمع ونواته، وقدرتها على التعامل مع المشكلات تُنتج أفراداً أصحّاء، نفسياً وجسدياً، تزدهر بهم المجتمعات، وتنمو وتتقدم، والعكس صحيح، فأي خلل بين قطبي تلك العلاقة ينعكس بالسلب عليهما، ومن ثم الأبناء. وهدفنا في مركز الإصلاح والتوجيه الأسري هو إيجاد صيغ حلول تحدّ من تفاقم تبعات الأزمات التي تحدث جراء الخلافات الزوجية، فعلى سبيل المثال، هناك حالة لامرأة أثرت فيها المشاحنات الزوجية، وأصابتها بمشكلات نفسية أدت إلى سوء حالتها السلوكية، لدرجة وصلت بها إلى إيذاء أطفالها من دون أن تشعر، فما كان من الزوج إلا أن طالب بالحضانة لسلامة أبنائه، والجيد في الأمر أن الزوجة أقرّت بما تعانيه، وتنازلت عن أطفالها لأبيهم من أجل سلامتهم، فقامت جهة الإصلاح بجعل رؤيتهم أمراً مفتوحاً للزوجة متى شاءت، تعويضاً عن حرمانها منهم، وهو حرمان إجباري اضطر القاضي لاتخاذه لمصلحة الأبناء. وحالة أخرى لزوجة لها حساب على موقع التواصل الاجتماعي «تيك توك»، وقد أدى انشغالها بمتابعته إلى تقصيرها الواضح تجاه بيتها، وزوجها، وأولادها، وزادت الخلافات بدرجة كبيرة أثرت في حالتها النفسية، وبالتبعية صحتها العامة، فالمرأة بطبيعتها لا تتحمل الضغط النفسي، وغالباً ما يتحول إلى مرض عضوي، وقد بيّن لها المصلح الأسري عاقبة طلبها بالانفصال، فالطلاق، وإن وقع بسبب ما هي عليه، سيؤدي إلى خسرانها لأولادها البالغين، الذين سيكونون ضحية وفريسة سهلة لأصدقاء السوء، بسبب غياب الأم، وانشغال الأب، وكان لمحاولات المصلح أثر طيب في سلوك هذه الزوجة، ورجعت المياه بينها وبين شريك حياتها إلى مسارها الطبيعي».

الخلافات الزوجية.. بوابة للأمراض المزمنة والاضطراب النفسي للمرأة

ويكمل علي الكندي «من الإجراءات المهمة للحد من الخلافات بين الزوجين هو تخصيص وقت يبحثان فيه المشاكل التي تواجههما، ويسعيان إلى حلها، فكل مشكلة يجب أن يتم تحديد سببها، وأن يتفق الطرفان على صيغة ثابتة حتى لا تتكرر، وإن تكررت فالأمر يعني أنهما تجاوزا الخلاف في المرة السابقة، ولم يتجاوزا أسبابه، أو أنهما وصلا إلى اتفاق لكن أحدهما، أو كلاهما، لم يلتزم به. فالحوار بمعنى الإصغاء والاستيعاب والتأدب في الطرح صمام الأمان في مواجهة كل ما يمرّ به الزوجان من خلاف، كما أن الالتزام بتعاليم الشرع، وما جاء به الدين الحنيف في كل ما يخص الأسرة والعلاقة بين الشريكين هو السراج الذي يجب السير في ضوئه، فالمروءة، والرحمة، والسكينة، وعدم نسيان الفضل، كلها وردت في آيات الذكر الحكيم، مؤكدة على سموّ تلك العلاقة ورقيّها، وضرورة المحافظة عليها، والتي وصفها الخالق بالميثاق الغليظ، فالمواقف وإن كثرت وطالت، تترسخ في ذاكرة كل من الطرفين، خاصة المرأة، وينعكس بالضرورة على شعور كل واحد منهما تجاه الآخر».