6 مايو 2024

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

محرر متعاون

محرر متعاون

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

في بعض البيوت يجد الإنسان نفسه حائراً بين أمّه وزوجته، وقليلٌ جداً من الرجال هم الذين يستطيعون تحقيق الوفاق بين أمهّاتهم وزوجاتهم، نتيجة التنافر بين الطرفين، والخلاف الدائم بينهما.. وهذه المهمة- التي قد تبدو صعبة على الكثيرين- رسم الشرع الحنيف طريقاً واضحاً لها، بحيث يبرّ الزوج بأمه- وهو مطلب شرعي وإنساني- ويفي بحق زوجته، فلا يهينها ولا يهدر حقوقها.. فكيف يتحقق لك؟

كانت إحدى الأمهات اللاتي يقمن في أحد بيوت المسنين في مصر، قد رفضت استقبال ابنها وزوجته في أول يوم من رمضان، عندما جاءا لزيارتها، وطلبت من القائمين على الدار بمنعهما من مقابلتها، وقالت وهي تبكي «أخرجني ابني الذي أفنيت عمري من أجله من بيتي إرضاء لزوجته، ولا أريد مشاهدتهما حتى ألقى ربي». وهي الكلمات التي نقلها مدير الدار لبعض الإعلاميين وتركت أثراً بالغاً في نفوس الجميع.

وفي مقابل هذه القِصة، هناك قصص معاناة كثيرة لزوجات تعرّضن للإهانة في بيوت أزواجهن إرضاء للأمّهات.. فأين يقف الإسلام من هذه السلوكات والتجاوزات السلوكية، إرضاء للأم، أم إرضاء للزوجة؟

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

العدل بين الأم والزوجة.. بالوعي والتقوى

بداية، يؤكد د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن البِر بالأمّ من الواجبات الشرعية والإنسانية التي يجب أن يفي بها كل إنسان يؤمن بالله ورسوله، ويقول «الأم لها مكانة كبيرة في منظومة الإسلام الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، والبِر والاحتفاء بها ليسا مجرد شعارات يردّدها الإنسان ليكتسب لقب «بارّ»، فالأم هي من حملت، وأرضعت، وربّت، وسهرت الليالي، وتحمّلت الأعباء والمسؤوليات تجاه أولادها، وعطاؤها لأبنائها لا يتوقف؛ حتى وهي في مرحلة الشيخوخة، ولذلك فواجب كل إنسان أن يسترضي أمّه بكل ما يستطيع، بشرط ألا يكون هذا الاسترضاء في معصية، أو على حساب أطراف أخرى داخل الأسرة».

ويؤكد د. داود، أن طاعة الابن لأمّه، وحرصه الشديد على البِر بها، لا يعني ظلم الزوجة وقهرها، فكل ابن مطالب طوال الوقت بأن يكون «حَكماً عدلاً بين الطرفين»، فلا يجحد حق أمه إرضاء لزوجته، ولا يهدر حق زوجته إرضاء لأمه، وهذه المهمة قد تبدو صعبة، ومستحيلة، داخل بعض البيوت، بسبب عناد وإصرار كل من الطرفين على موقفه، وهنا يأتي دور الابن الواعي التقي الذي يعرف تعاليم دينه، فهو لا ينحاز لطرف على حساب آخر، والشرع رسم له طريقاً واضحاً للوفاء بحقوق كل من الطرفين، حتى يجمع بين الحسنيين، وهما «البر بالأم والوفاء للزوجة».

ويضيف «يخطئ من يحاول ترضية أمه على حساب زوجته، فالإسلام يرفض ظلم الزوجة إرضاء للأم، بل العدل والإنصاف إعطاء كل ذي حق حقه، فالأم لها حق البِر، والطاعة في غير معصية الخالق، والزوجة لها حق الوفاء والحماية، طالما كانت زوجة صالحة تعرف حقوق زوجها وتفي بها».

وعن سلوك بعض الأبناء الذين ينحازون لأحد الطرفين- الأمّ أو الزوجة-، يؤكد رئيس جامعة الأزهر أنهم بالتأكيد مخطئون، ومخالفون لتعاليم دينهم، فالعدل أساس الاستقرار والسعادة، وقبل ذلك تحقيق رضا الله عزّ وجل، «في حياتنا كثير من الشباب الذين ضحّوا بحقوق أمهاتهم إرضاء لزوجاتهم، وهؤلاء مخطئون وآثمون شرعاً، وينتظرهم عقاب الخالق سبحانه، لأن بِر الأم من الواجبات، وقد أعلى ربنا عزّ وجل منزلتها؛ فجعل الجنة عند قدميها، وكرّر نبيّنا، صلى الله عليه وسلّم، في بِرها الوصية، فقال: «أمّك، ثم أمّك، ثم أمّك، ثم أبوك».. وعلى الأبناء أن يتباروا في ردّ الجميل لها، والوفاء بِبرّها».

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

احذري هذا الزوج

د. أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يدين سلوك كل ابن يظلم أمّه، أو حتى يغضبها إرضاء لزوجته، ويبيّن «نعم هناك كثيرون يفعلون ذلك في كل البلاد العربية، وهو سلوك مشين يرفضه الإسلام، ويدينه، فقد كرّم الوالدين عموماً، والأمّ على وجه الخصوص، فهما سبب وجود الإنسان في هذا العالم، ولا يمكن أن يكون الابن سبب غضبهما أو شقائهما.

والله سبحانه وتعالى يقول: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»، وجعل القرآن الأمر بالإحسـان إليهما بعـد الأمـر بعبادته سبحانه وتعالى، فقال: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، والى جانب حفاوة القرآن بالأم، احتفى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتكرّرت وصاياه الكريمة بها، فالأم أولى الناس بحسن الصحبة، وهي مقدمة على الأب، وفي الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قال: ثُم مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أَبُوك».

كيف تبِر أمّك؟

ويضيف «من مظاهر تكريم الأم في تعاليم ديننا حُسن برّها، والإحسان إليها، ولا يجوز أن يفعل ابن عكس ما أمر الله، ورسوله، ومن يفعل ذلك آثم شرعاً، وينتظره عقاب الخالق سبحانه.. ومن يفعل ذلك إرضاء لزوجته لا ينبغي أن تسعد به الزوجة لأنه إنسان (عاقّ) لأمه، ومن يتخلّى عن أمّه من السهل أن يتخلى عن والديه».

لكن يوضح عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر أن البِر بالأم، والإحسان إليها، لا ينبغي أن يكونا على حساب الزوجة، بمعنى أن يُهدر حقوق زوجته، إرضاء لأمه «لا اعتقد أن هناك أمّاً عاقلة تقبل أن يفعل ابنها ذلك، فكل أمّ حريصة على استقرار ابنها في علاقته مع زوجته، حتى يسعد في حياته، وتستقر أموره».

ومن هنا يقدم د. معبد نصيحته لكل أمّ أن تتجنب المناقشات الحادة مع زوجة ابنها، وألا تتدخل في ما لا يعنيها في علاقة الابن بزوجته، وتضع لنفسها إطاراً أخلاقياً للتعامل معهما، ولا تشغل نفسها طوال الوقت بتفاصيل العلاقة بين الطرفين، فالعلاقة الزوجية تخصّهما فقط، وهما المسؤولان عن رسم صورتها، ولو شكا الابن لأمه سلوك زوجته عليها أن تقوم بدور المصلح الأمين بينهما، وكل أم عاقلة حريصة على مصلحة ابنها تفعل ذلك.

كما ينصح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، كل ابن أن يكون بارّاً بِراً حقيقياً بأمّه «احرص على بِر أمّك، بفعل ما يسعدها، ويرضيها نفسياً، فالبِر الحقيقي بالأم يكون بطاعتها في غير معصية الله، وتحقيق رغباتها المشروعة، وتجنّب ما يسيء إليها، وإدخال السرور على قلبها..

والطاعة تكون في ما شرعه الله، مما فيه منفعة لها، وليس فيه ضرر ظاهر على الابن، فإذا أمرته بشيء محرّم فلا تجب طاعتها، بل تحرم الطاعة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق..

وإلى جانب الطاعة في غير معصية الخالق عز وجل، لا بدّ أن يكون الابن قريباً من أمه، يرعاها على أفضل ما تكون الرعاية، ولذلك قال كثير من العلماء باستحباب سكن الابن مع والديه، أو بالقرب منهما لتقديم الرعاية لهما، والاطمئنان عليهما باستمرار، ومن البّر بالأم الإنفاق عليها إذا كانت في حاجة إلى المال، ولا يوجد لديها ما يكفي لتعيش حياة كريمة بين الناس.. والرسول عليه الصلاة والسلام، يعطي للآباء حق الأخذ من أموال أولادهم ما يكفيهم فيقول: «إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا كسب أولادكم».

وهكذا يكون الإحسان إلى الوالدين، بخاصة الأم بكل الأعمال الطيبة والإنفاق عليها، وطاعتها، والسهر على رعايتها، والدعاء لها ورد الجميل لها».

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

المعاملة الإنسانية للزوجة

من جانبها، تؤكد د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الزوج الواعي الفاهم لتعاليم دينه، لا يجد مشكلة في التعامل بعدالة بين أمه وزوجته، فتعاليم ديننا رسمت لكل طرف حقوقه، والإسلام كرَّم المرأة، أمّاً كانت أم زوجة، ورفع قدرها، وأعلى شأنها، وجرّم إيذاءها، أو إلحاق أي ضرر جسدي أو معنوي بها، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أكرمهنّ إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، وحق الأم مقدم على حق الزوجة، والابن العادل لن يظلم طرفاً لحساب طرف آخر.

وتضيف «غياب التربية الدينية والأخلاقية للأبناء وراء تضحية بعضهم بوالديه من أجل زوجته، وهذه مشكلة نعانيها في واقع الحياة، وعلينا أن نواجهها بنشر المزيد من الوعي بمنظومة الحقوق الشرعية لكل أفراد الأسرة، فالوالدان لهما حقوق، والزوجة لها حقوق، ولا يجوز إهدار حق طرف لإرضاء الآخر، ومن المهم تربية أولادنا- بنين وبنات- على منظومة الحقوق والواجبات المتبادلة بين كل أفراد الأسرة».

وهنا تنصح د. سعاد كل زوجة تعاني سوء معاملة أمّ زوجها بالصبر، والاحتساب، وإدراك حساسية موقف الابن الذي يحاول أن يكسب الطرفين، ولذلك فإن الزوجة الذكية لن تعجز في صياغة علاقتها بأمّ زوجها بشكل يحافظ على حياتها واستقرار علاقة زوجها بأمّه، وبعض الأمهات يشعرن بالغيرة من زوجات أبنائهن، وعلى الزوجة أن تراعي ذلك فقد تكون حماتها من هذا النوع.

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

ماذا تفعل لتوفق بين الأم والزوجة؟

وترفض أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر إساءة معاملة الزوجة، وإهانتها، إرضاء للأم، وتوضح «لا يجوز لزوج أن يهدر حقوق زوجته إرضاء لأيّ أحد داخل الأسرة، فالزوجة في بيت الزوجية لها حقوق، والزوج هو المسؤول الأول في الوفاء بها، والحطّ من شأن الزوجة أمام أسرته، أو أسرتها أمام الآخرين سلوك أحمق يرتكبه بعض الأزواجـ ويعتبرونه مظهراً للرجولة، وهو ليس من الرجولة إطلاقاً».

وتواصل «في واقع الحياة تشكو كثير من الزوجات من تعنيف أزواجهنّ لهنّ بألفاظ نابية أمام الأقارب والأولاد، وهذا سلوك مدان شرعاً، وينبئ عن عدم المروءة، فقد ألزم الإسلام الرجل بتوفير كل وسائل الحماية الأخلاقية والإنسانية للزوجة، ولذلك واجب الرجل أن يعلي من قدر زوجته أمام الآخرين، ومواجهة هفواتها باللين، والرفق، والنصيحة المخلصة».

وتؤكد د. سعاد أن التوفيق بين الأم والزوجة لا يمثل حيرة وقلقاً لأي ابن يمتلك العقل، والحكمة، والعدالة التي جاءت بها تعاليم الإسلام «لا تحار، أعطِ كلاً منهما حقه من دون جور، ولا تكن منحازاً لأمّك على حساب زوجتك، كما لا تكن منحازاً لزوجتك على حساب أمّك.

الحقوق واضحة ومفصلة في تعاليم الإسلام، فالأم لها حق البِر والإحسان، والزوجة لها حق الوفاء والحماية من كل ما يمثل إهانة لها، وعلى كل زوج أن يدرك أن الإسلام رسم للعلاقة الزوجية «صورة مثالية» تتضح من قول الله تعالى: «وعاشروهن بالمعروف»، فهذا أمر إلهي للرجل بمعاشرة زوجته - أي التعامل معها - بالمعروف، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصي كل رجل بزوجته خيراً فيقول: «استوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله».

ومن هذه النصوص التي تحمل وصايا الخالق ورسوله بالنساء، يتأكد أن إهانة الزوجة خروج على تعاليم الإسلام، ولو بغض زوج زوجته فعليه أن يتسلح بقول الله تعالى: «فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».

البعض حائر بين الإثنين.. الشرع ينير لك طريق البِر بالأم والوفاء للزوجة

تطليق الزوجة بدون سبب ليس من البِر

وفي النهاية تبقى الإجابة عن سؤال مهم: هل يجوز للابن تطليق زوجته إرضاء لأمه؟

يجيب د. مجدي عاشور، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية «ليس من البِر بالأم تطليق الزوجة من دون أن ترتكب سلوكاً يستدعي التطليق، ومن يفعل ذلك من الأزواج ظالم، و«آثم شرعاً»، لأن الطلاق عموماً، من دون وجود ما يستدعيه ظلم لا يقبله الإسلام».

ويضيف «للأسف بعض الأبناء قد يفعلون ذلك ويعتبرونه شكلاً من أشكال البِر، والواقع أنه لا علاقة لهذا السلوك الظالم بالبر من قريب، أو بعيد، وإن كنا ننصح الزوجات طوال الوقت بإحسان التعامل مع أمّهات أزواجهنّ فهذا لا يعني إهدار حقوق الزوجة، أو ظلمها، ولا أعتقد أن أمّاً رشيدة تقبل خراب بيت ابنها ترضية لها».

ويؤكد د. عاشور أن في حياتنا الأسرية شباب كثيرون حائرون بين زوجاتهم، وأمهاتهم، وهناك أسر كثيرة مهددة بالانهيار نتيجة تدخل أمّ الزوجة في حياة ابنتها بعد الزواج، وهذه مشكلة يعانيها كثير من البيوت، مع أن ديننا لا يقول بذلك على الإطلاق، فالبيوت تبنى على الاستقلال، ولذلك واجب كل أبوين أن يتركا أولادهما يعيشون بعد الزواج بالطريقة التي تريحهم.

اقرأ أيضاً: هل يجوز شرعاً تطليق الزوجة إرضاء للوالدين؟

 

مقالات ذات صلة