جريمة قتل زوجة شابة لـ«حماتها» بوضع السم لها في كوب ليمون بسبب تحريض الأم لابنها على تطليق زوجته، والتي شهدتها محافظة الغربية، وسط دلتا مصر، مؤخراً.. تطرح العديد من التساؤلات الفقهية التي ينبغي أن يعرفها الآباء والأبناء معاً، حيث يجد بعض الأبناء أنفسهم حيارى بين آبائهم وزوجاتهم، فالأم أو الأب لا يستريحان لزوجة الابن، والابن لا يجد عيباً في زوجته يستدعي هدم بيته واستقراره، وهكذا تعيش بعض الأسر في نزاع دائم لا يعرف الابن المسكين كيف يرضي الطرفين، وكيف يوفق بين والديه وزوجته ليعيش حياة هادئة.
ماذا يقول الشرع؟ وبماذا ينصح العلماء في مثل هذه الظروف؟ طرحنا القضية على نخبة من علماء الشريعة الإسلامية.. فماذا أجابوا؟
يقول العالم الأزهري د. سيف قزامل، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بالأزهر «دائماً ننصح الأبناء من الذكور والإناث أن يستفيدوا بنصائح آبائهم وأشقائهم الكبار عند الزواج، فالنصيحة الصادقة يمكن أن تنقذ الابن أو الابنة من زوجة أو زوج سيئ الخلق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة»، وقال صلوات ربي وسلامه عليه ناصحاً وموجهاً الشباب المقبل على الزواج «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». فالدين والخلق يتقدم المال والحسب والجمال لأنه العنصر الأقوى في استقرار العلاقة الزوجية».
لا يجوز شرعاً تدخل الوالد والوالدة أو الإخوة في أمر طلاق زوجته، ولا ينبغي على الزوج طاعتهم في ذلك
ويوضح د. سيف أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، ولا ينبغي أن يلجأ إليه الزوج أو تطلبه الزوجة إلا إذا وصلت العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود، ولم تفلح محاولات التوفيق بينهما. وإذا كان الطلاق رخصة في يد الزوج، فلا ينبغي أن يستعملها إلا عند الضرورة، ولا يجوز لأي شخص أن يتدخل في هذا الأمر حتى وإن كان والديه وإخوته، لأنه حق شخصي لا يتعدى إلى الغير، ولا تعد مخالفة الزوج لوالديه في إبقاء زوجته وعدم طلاقها عقوقاً للوالدين طالما أن الزوج مستقر مع زوجته، وأنها تحفظه في نفسها وماله، وترعى حقوقه وحقوق الآخرين.
وعن تدخل كثير من الآباء والأمهات في حياة أولادهم بعد الزواج، يقول عالم الشريعة الإسلامية الأزهري «لا يجوز شرعاً تدخل الوالد والوالدة أو الإخوة في أمر طلاق زوجته، ولا ينبغي على الزوج طاعتهم في ذلك، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَة الله عَزَّ وَجَلَ».
ويشدد د. سيف على ضرورة أن يعطي الآباء والأمهات أولادهم بعد الزواج قدراً كبيراً من الاستقلال والخصوصية وأن يحترموا حقوقهم الشرعية، ومن بينها حق الابن في الاحتفاظ بزوجته طالما كانت ملتزمة بحقوقه ومستقر في علاقته العاطفية معها، لأن تدخل الآباء والأمهات في حياة أولادهم المتزوجين يسبب كثيراً من المشكلات والأزمات. فهناك زوج يطلق عليه في البيوت «ابن أمه» أي أنه لا يستطيع اتخاذ قرار إلا بعد العودة إلى أمه، وهذا يغضب معظم الزوجات، فالزوجة تريد رجلاً مستقلاً في قراره، يتشاور معها، ويتخذان معاً القرار الذي يحقق مصلحة الأسرة، وهذا لا يتنافى مع بر الولد لأمه والوفاء بحقوقها كاملة من الود والرحمة والتفاني في البر بها.
سألنا د. عبدالله النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: هل من حق الوالدين أن يطالبا ابنهما بتطليق زوجته إذا لم ترق لهما؟
فأجاب «ما قال شرع بذلك، المطلوب من الزوجة شرعاً أن تروق لزوجها وتفي بحقوقه، وتلتزم بطاعته في كل شيء لا يكون فيه معصية لله ورسوله، وإذا ما فعلت الزوجة ذلك فيجب على زوجها الحفاظ عليها وحمايتها، لكنها مطالبة إلى جانب ذلك ببر والدي زوجها، والتعامل معهما بود ورحمة، وأن تكسب تعاطفهما معها، وكل زوجة عاقلة تحرص على ذلك، لأن في هذا كسب لود الزوج، فلا يوجد شاب سوي يقبل أن تهان أمه أو تعامل بجفاء من جانب زوجته».
كل زوج مطالب شرعاً بالإحسان إلى الزوجة حتى ولو كان يكره بعض تصرفاتها
ويضيف «الابن مطالب شرعاً ببر الوالدين، فهذه فريضة واجبة على كل مسلم حيث يأمر الله تعالى ببر الوالدين، والإحسان إليهما، يقول الحق سبحانه: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً»، ويقول جل شأنه: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً»، فهذه الآيات فيها من أوامر الله ما يفرض على كل مسلم بر والديه وطاعتهما والامتثال لهما، فالوالدان طريق المحسنين إلى الجنة».
لكن هذا البر الواجب بالوالدين، كما يقول د. النجار، ينبغي ألا يترتب عليه ظلم للزوجة خاصة إذا كان يستريح لها، ويعيش معها في استقرار وأمان، فكل زوج مطالب شرعاً أيضاً بالإحسان إلى الزوجة حتى ولو كان يكره بعض تصرفاتها، حيث يقول الحق سبحانه: «وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».. فالقرآن الكريم بهذه الآية وغيرها من الآيات التي تحض على إكرام الزوجة يوفر لها كل وسائل الحماية والرعاية في بيت زوجها، وقد قال المفسرون في معنى قوله تعالى «وعاشروهن بالمعروف»: صاحبوهن وعاملوهن بالمعروف، أي بما حض عليه الشرع، وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة والأقوال الحسنة.
تؤكد الداعية الأزهرية د. أمنة نصير، أستاذة العقيدة والثقافة الإسلامية بالأزهر، على أن السبب الأول في هذه المشكلة هو تزوج الابن بعيداً عن رغبة والديه، حيث يصران في كل وقت على التأكيد لابنهما على أنهما كانا على حق، وأن من تزوج منها لم تكن مناسبة له، وهذه مشكلة بعض الحموات حيث ينبغي أن تحترم رغبة ابنها خاصة إذا ما كان قد تزوج بالفعل، وأصبح بينه وبين زوجته ود ومحبة وأبناء.
وتواصل «استقلال الأبناء- ذكوراً وإناثاً- بعد الزواج أمر يدعمه الشرع، وتعاليم الدين تؤكد ضرورة احترام رغبة الأبناء في اختيار شريك الحياة والانفصال عنه، وهناك أسر تجد فيها العكس حيث ينفر الابن من الزوجة التي رشحتها له الأسرة، ويرغب في الانفصال عنها، ولكن الأسرة تصر على استمرار علاقته الزوجية بها. والواقع لا هذا ولا ذاك مطلوب، فلا ينبغي أن تفرض الأسرة زوجة بعينها على الابن وهو لا يستريح لها، كما لا ينبغي أن تجبره على تطليق زوجها اختارها بعواطفه ومشاعرة ومستريح معها».
لا شرع ولا عرف ولا منطق يبيح للأم أن تفرض على ابنها أسلوب حياة لا يريده هو وزوجته، وواجب كل أم أن تعين ابنها على استقرار علاقته بزوجته
وعن رأيها في قول بعض الفقهاء إن مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام شرعاً، توضح الأستاذة الأزهرية «هذا الحكم يكون عندما يكون للأبوين رأياً دينياً وجيهاً ومقنعاً في الزوجة، كأن تكون سيئة الخلق والابن مغرر به ولا يعلم، بمعنى وجود تجاوزات شرعية في سلوك الزوجة، أو كانت لا تفي بحقوق الزوج، أو تدخل في منزله أشخاصاً غير مرغوب فيهم في غيابه بعد الزواج، أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينياً بل الغرض منه مصلحة شخصية أو لمجرد الكيد والعناد، وكان الزواج فيه تكافؤ وينعم الزوج بالاستقرار مع زوجته، فلا حرمة في مخالفة الوالدين فليس من وسائل برهما تطليق الزوجة ظلماً وعدواناً».
وهنا توجه د. أمنة نصير عتاباً لكل أم تحاول فرض سطوتها على حياة ابنها بعد الزواج، «لا شرع ولا عرف ولا منطق يبيح للأم أن تفرض على ابنها أسلوب حياة لا يريده هو وزوجته، وواجب كل أم أن تعين ابنها على استقرار علاقته بزوجته، وأن تنحاز إلى جانب الزوجة إذا ما رأت ظلماً واقعاً عليها من الابن وبعض الأمهات يفعلن ذلك في واقع الحياة وفى بيوت كثيرة، لأن الطلاق استناداً لأسباب واهية يجلب خراب البيوت».
كما توجه د. أمنة نصيحة للزوجات خاصة الصغيرات في السن واللاتي يفتقدن الخبرة، «إرضاء الزوج والاستحواذ على عقله ومشاعره وعواطفه لا يتحقق إلا ببر أمه والإحسان إليها، وكل ابنة تعتقد أنها ستخطف الولد من أمه مخطئة وواهمة، ولو نجحت في ذلك فهي تجلب لزوجها غضب الله وعقابه.. فكوني عوناً لزوجك على بر أمه».