تعدّدت وتنوّعت صور الإسفاف والإساءة للمرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال بعض وسائل الإعلام التي لا تخضع لضوابط أخلاقية..
ولذلك أصبحت المرأة، بخاصة إذا كانت معروفة ومشهورة، وسيلة في يد البعض لجذب مشاهدين ومتابعين، من دون النظر إلى حقها في حماية عرضها، وصيانة سمعتها، والحفاظ على كرامتها، ومعاقبة كل من يدنّس عرضها، أو يتّهمها بالباطل، أو يردّد الإشاعات الكاذبة عنها.
فأين تقف الشريعة الإسلامية من كل صور الإسفاف التي تستهدف المرأة؟
يقول الفقيه الأزهري د. محمد الضويني، وكيل الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء «الشريعة الإسلامية اتخذت كل الإجراءات لحماية أعراض الناس جميعاً، وسمعتهم، وهذا واضح من خلال العقوبات الرادعة التي قرّرها القرآن الكريم، وأمر بتطبيقها على كل من يقذف الأبرياء، ويرميهم بما ليس فيهم».
ويضيف «الإسلام يدين كل التّهم الباطلة، والإشاعات الكاذبة التي يحاول بعض المغرضين إلصاقها بالنساء، ولذلك فقد قررت هذه الشريعة العادلة، المنصفة، الحريصة على تحقيق العدالة بين كل الناس، عقوبة شرعية لمن يقذف المحصنات..
ورد النصّ عليها في قول الحق سبحانه وتعالى: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون.
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم». ومعنى الآية الكريمة أن من يرمي النساء الطاهرات المؤمنات بفاحشة الزنى، ثم لم يأتِ بأربعة شهداء على صحة ما قذفهنّ به..
فهذا القاذف يجب أن ينال عقابه الشرعي، وهو ثمانون جلدة، عقاباً له على ما تفوّه به من سوء في حق هؤلاء المحصنات، ولا تقبلوا لهؤلاء القاذفين شهادة أبداً بسبب إلصاقهم التّهم الكاذبة بمن هنّ بريئات منها».
شروط شرعية لإيقاع العقوبة
وهنا يشدد د. الضويني على أن الشريعة الإسلامية لا تفرط في استخدام عقوباتها، من دون تأكد واطمئنان على ارتكاب الجرم، ولذلك فهي تكفل ضمانات لتوقيع عقوبة القذف على المستحقين لها فعلاً..
فوضعت شروطاً وأحكاماً يجب أن تتوفر في القاذف حتى توقع العقوبة عليه، من أهمها أن يكون «عاقلاً مختاراً وليس مُكرهاً»، فإذا كان المتهم بالقذف في حق غيره صبياً، أو معتوهاً، أو مكرهاً، لا يقام عليه الحد الشرعي، ولكن هذا لا يمنع من تأديبه، وزجره، ومعاقبته بعقوبات أخرى يراها القضاة، وأولو الأمر مناسبة.
ويوضح العالم الأزهري أن هدف الإسلام من توقيع هذه العقوبة على كل من يتهم الناس بالباطل- بخاصة النساء- هو حماية أعراضهن، وكرامتهن، والمحافظة على سمعتهن، وقطع ألسنة السوء، وتوثيق الروابط الاجتماعية فيما بينهم، وبين الآخرين، وقيام العلاقة بين كل أفراد المجتمع على المحبة والمودة والتعاون على البرّ والتقوى.
ويواصل «هذه العقوبات التي يصفها البعض بالقسوة، ويرى أنها عقوبات متخلفة، ولم تعد مناسبة للعصر، هي التي نحتاج إليها اليوم للتصدي للفواحش والجرائم الأخلاقية في مجتمعاتنا، العربية والإسلامية، وكثرت في بعض وسائل الإعلام التهم الباطلة التي تنال من سمعة الشرفاء».
الخوض في الأعراض.. من كبائر الذنوب
من جهته، يتوسع مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في الحكم الشرعي، ويؤكد أن الكلام في أعراض الناس عموماً- من رجال ونساء- بما ليس فيهم من كبائر الذنوب، ومن الغيبة المحرمة شرعاً، لقول الله تعالى: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ»..
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».
فالواجب على الإنسان أن يتحرّى الصدق والدقة في حديثه عن الآخرين رجالاً ونساء، حتى لا يتورط في الإساءة إليهم، ويناله غضب الله، وعقابه، فضلاً عن عذابه في الدنيا بالعقوبات المقررة.
اقرأ أيضاً: موقف الشرع من مشاهير شهّروا بشركاء حياتهم بعد الطلاق