كيف تتلاعب الشائعات بمشاعر أولادنا؟ وكيف نعلّمهم كشف الأخبار الكاذبة ونجنّبهم مخاطرها؟
لا شك في أن المعلومات الزائفة، في الآونة الأخيرة، أصبحت تغطي على الأخبار الحقيقية على الإنترنت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، ما أربك الكثير من الأُسر، وجعل الكثير من الأهل يقفون عاجزين أمام هذا الكمّ الهائل من المعلومات المغلوطة التي يستقبلها أولادهم، كل يوم، على الـ«سوشيال ميديا»، وأحياناً يتعاملون معها، بسبب صغر سنّهم وقلة خبرتهم، على أنها أخبار حقيقية. وتؤكد الدراسات الحديثة، بالأرقام، أن أكثر من 86% من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خُدعوا مرة واحدة، على الأقل، بخبر زائف.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على مائدة خبراء التربية والطب النفسي للأطفال والبالغين حول: كيفية بقاء أبنائنا آمنين على الـ«سوشيال ميديا»، بعيداً عن الأخبار الكاذبة؟ وكيف يمكن للأبوين تدريب أولادهم على التمييز بين الأخبار الموثوقة والمعلومات الزائفة؟ وكيف نجنب أبناءنا خطأ الوقوع فريسة للشائعات؟ وما المخاطر المحدقة بهم من جراء تصديقها؟
إدارة وقت الأبناء خير وقاية من مخاطر الـ«سوشيال ميديا»
بداية، يؤكد الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي وعلاج وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين في جامعة عين شمس، أن هذا الأمر من أخطر التحديات التي تواجه الأهل في تربية أولادهم هذه الأيام، خاصة بعد أن أصبحت الـ«سوشيال ميديا» في بعض الأحيان ساحة للأكاذيب والتضليل، وخطراً على الأبناء، لأنها فقدت الهدف الرئيسي منها، وهو التواصل والتقارب بين الأهل والأصدقاء والمعارف، وكذلك التعرف إلى ثقافات وأفكار مختلفة، وتبادل الأخبار والمعرفة، وللأسف تتسبب هذه المواقع والصفحات التي تقدم معلومات مغلوطة بالتأثير في عقول الأبناء، سواء كانوا أطفالاً، أو في عمر المراهقة، والشباب.
ويرى د. إيهاب عيد، أننا حتى لو كنا أمام واقع ينبغي علينا التعايش معه، وهو أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وحياة الأبناء، لكن يجب علينا ألا نتوقف عن توعيتهم طوال الوقت بمخاطر الانسياق الكامل وراء كل المعلومات التي يتلقونها، وتحصينهم ضد الأخبار الكاذبة والمغلوطة، من خلال إعدادهم، تربوياً وتعليمياً، وعدم التهاون في هذا الأمر.
ويقول «للأسف هناك الكثير من الآباء والأمهات لا يدركون مخاطر هذه الأخبار الزائفة على أولادهم، ولا يقتنعون بخطورة الـ«سوشيال ميديا»، بل قد يعتمدون عليها كوسيلة لإلهاء الأطفال الصغار الذين من المفترض ألا يتعاملوا معها نهائياً في هذه السّن الصغيرة. وهناك أيضاً آباء وأمهات آخرون حرموا أولادهم من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، فكانت النتيجة كثيراً من الكبت».
ويشدد الاستشاري النفسي على ضرورة التعامل مع الأمر بحكمة، فلا نترك الحبل على الغارب من دون رقابة ولا نحرمهم نهائياً، فالاعتدال مطلوب، خاصة أنه أصبح هناك برامج وتطبيقات مستحدثة تمكّن أولياء الأمور من التحكم في ممارسات أبنائهم على الهاتف المحمول، فإدارة الوقت خير سلاح لحماية الأبناء من مخاطر الـ«سوشيال ميديا».
مخاطر تعرّض الأبناء للشائعات والأخبار الكاذبة
وتتفق معه الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري الطب النفسي والعلاج الأسري بالقاهرة، في أن الأمر يحتاج إلى الكثير من الرقابة بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، وكل ما يبث فيها من رسائل، مفيدة أو هدامة، تسرق ساعات طويلة من يوم أولادنا وتؤثر، إلى حد كبير، في تفكيرهم، وسلوكهم، ومستقبلهم.
وحول أبرز الآثار السلبية للأخبار الزائفة والشائعات التي يتعرض لها الأبناء من خلال الـ«سوشيال ميديا»، تبيّن د. إيمان عبدالله:
- الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يعرّض الأبناء للكثير من الأكاذيب التي تسبب لهم الاضطرابات، والقلق، وقلة النوم.
- زيادة التعرض للمعلومات الزائفة تؤثر بشكل كبير في التحصيل الدراسي للأبناء، وتجعل ذاكراتهم، وتركيزهم يقل بالتدريج، وتصيبهم بنسيان أية مواد دراسية يتلقونها، وبالتالي يواجهون صعوبات كثيرة في التعلم، بمرور الوقت.
- مواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر الأول لانتشار الشائعات والأخبار المغلوطة، فكل من يمتلك حساباً عليها يمكنه نشر ما يريد من دون رادع، وهذا يشكل خطراً كبيراً على أخلاق ونفسية الأبناء، ليس الأطفال فقط، بل كذلك من هم في عمر المراهقة.
- تتسبب الـ«سوشيال ميديا» بعدم قدرة الأطفال والبالغين على التواصل الاجتماعي الحقيقي والمباشر مع الغير، لأنها تعوّدهم على التواصل عن طريق الرسائل والتعبير عن أنفسهم عن طريق «الإيموجي»، وبالتالي يفشل في التفاعل مع الآخرين وجهاً لوجه.
- التعلق الزائد بالـ«سوشيال ميديا»، وتصديق كل ما ينشر عليها يجعل الأبناء، الصغير منهم والكبير، لا يستجيبون بسهولة لنصائح الآباء والأمهات في كل ما يخص مناحي الحياة، كما أنه يجعل الأبناء كسولين غير قابلين للحوار والنقاش، كأنهم يعيشون مع الأهل غرباء تحت سقف واحد.
خطوات تقصّي الأخبار الكاذبة واكتشافها
أما الدكتورة ياسمين المهدي، استشاري التربية الإيجابية وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أن الآباء الذين يقومون بعمل حسابات لأطفالهم على الـ«سوشيال ميديا» قبل وصولهم سن 13 سنة يضرّونهم من دون أن يشعروا، وتؤكد أن انتشار الأخبار الزائفة على الـ«سوشيال ميديا» يثير مشاعر الأبناء وغرائزهم، وبالتالي يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجد، كي لا ينفلت الزمام، ونجد أولادنا يبتعدون عنا شيئاً فشيئاً، ويصبح الأمر من الصعوبة ليس بقليل، كي نسترد أولادنا من جديد.
وتوضح الدكتورة ياسمين المهدي بعض الخطوات التي يجب تطبيقها لنعلّم أولادنا تقصّي الأخبار الكاذبة واكتشافها وهي:
- أن نتناقش مع أولادنا في أن من ينشر الأخبار على الـ«سوشيال ميديا» في كثير من الأحيان قد يكونون أشخاصاً، أو صفحات، ومواقع مجهولة، وليست متخصصة في نقل وتداول المعلومات.
- أن نطلب منهم دائماً ألّا يصدّقوا أي معلومة قبل التأكد من صحتها، وقد يكون ذلك بمساعدتنا لهم في البداية حتى يتعلموا القيام بالأمر وحدهم ومن دون الحاجة إلى مساعدة.
- أهم، وأول خطوة يجب أن يقوموا بها هي فحص المعلومة، أو الخبر، والتأكد من مصدر المعلومة، وهل هناك رابط يحمل المعلومة نفسها، أم أنها مجرد معلومة بلا مصدر.
- تحرّي طريقة صياغة الكلام والشواهد التي يستدل بها على صدق المعلومة، سواء من صور أو فيديوهات.
- التأكيد على أن الصور المفبركة والفيديوهات المنقوصة أصبحت تملأ صفحات الإنترنت خاصة الـ«سوشيال ميديا»، لذلك هناك إجراءات للبحث عن صدق هذه الشواهد يجب إتباعها قبل تصديق الأمر.
- هل يبدو الشخص، أو المصدر الناقل للمعلومات موثوقاً، أم أنه شخص له أهداف أخرى؟
- تدريب الأبناء على البحث عن معلومات إضافية حول الموضوع للمقارنة، والتحقق من مدى مصداقية ما يرسل إلينا.
دور «جروب الأسرة» في التأكد من المعلومات
من جانبه، يقدم الدكتور حاتم صبري، الخبير النفسي المتخصص في تعديل السلوك بالقاهرة، مجموعة من النصائح للآباء والأمهات تساعدهم على حماية أولادهم من زخم المعلومات الزائفة، والشائعات التي تحيط بهم في الكثير من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي:
- التعامل مع المراهقين يعتبر تحدياً كبيراً في زماننا هذا، خاصة في ما يتعلق بسلوكهم على الإنترنت، والوقت الطويل للبقاء نشطين عليه لساعات طويلة، فلا يجب اتخاذ أسلوب المنح المطلق، أو المنع الكامل، لأن كلتا الطريقتين تؤدي إلى نتائج غير مرضية.
- يجب التحدث مع الأبناء، مراراً وتكراراً، حول ضرورة حماية بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إعطائها، وتداولها بشكل عام مع الآخرين، خاصة الغرباء.
- تدريب الأبناء على إبقاء قدر كبير من تفاصيل حياتهم في خصوصية تامة، وليس على مرأى ومسمع من أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي.. فمشاركة الأحداث والمعلومات وتوثيق الذكريات يجب ألا ينال من حياتنا الشخصية، وخصوصيتها.
- فتح مجال للحوار الدائم مع الأبناء، وعدم نهرهم، والتضييق عليهم في الحوار، ومناقشة كل ما يدور في الحياة العامة، ومقارنته بما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
- يمكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل نافع وإيجابي من خلال عمل «جروب» خاص بالأسرة، ينشر فيه الجميع أهم الأحداث المحيطة، ليبقي الأبناء على مقربة من الأهل طوال الوقت، ويمكن للأب والأم تدقيق المعلومات لمساعدتهم في التمييز ما بين الزائف والحقيقي.
- سرد الأبوين للكثير من الأمثلة أمام الأبناء يعلّمهم كيف يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في خداع الناس ونشر الكثير من المعلومات الكاذبة، خاصة أن الناس على الـ«سوشيال ميديا» هم مجرد أشخاص افتراضيين، وليسوا حقيقيين وبالتالي، فإن نشر المعلومات الزائفة سهل، والعقاب عليها وتعقّب ناشريها يكون أمراً صعباً، لذلك، فإن البقاء بعيداً عنها طوال الوقت أمر مستحيل.
اقرأ أيضاً:
- لهذه الأسباب.. مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من عمق الخلافات
- هل تعكس منشوراتك على الـ«سوشيال ميديا» واقعك؟