كان عدد من المشاهير الذين انتهت العلاقة الزوجية بينهم قد تورطوا في التشهير بشركاء حياتهم؛ الأمر الذي شغل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الخبرية، مما خلق حالة من الاستياء لدى الرأي العام، خاصة أن أسرار علاقاتهم الزوجية بما فيها من سلبيات وتجاوزات، أصبحت مادة خصبة للنميمة بين الناس، دون احترام لخصوصيات تلك العلاقة التي وصفها الخالق سبحانه بـ«الميثاق الغليظ».
فهل يجوز لأحد الزوجين بعد وقوع الطلاق بينهما، أن يتحدث عن أسباب الطلاق ويشهر بالطرف الآخر؟
وهل يجوز للزوجة أن تعبر عن سعادتها بالطلاق بأية وسيلة؟
وما حكم الشرع في أسرة المرأة التي تمنعها من العودة لزوجها بعد الطلاق، وهناك شكاوى لنساء من ذلك؟
ليعلم المطلقون أنهم يرتكبون إثماً كبيراً بتعمدهم المماطلة أو الامتناع عن تخليص مطلقاتهم من هذا التعليق
يؤكد د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية، وكيل الأزهر سابقاً، أن الإسلام رسم صورة أخلاقية لعلاقة الزوجين بعد الطلاق، فلا يجوز لأحدهما كشف خصوصيات الآخر، ولا الإساءة إليه بكلمة أو وصف، أو الحديث عن الخصال غير المرغوبة فيه والتي دفعته إلى الطلاق.
ويضيف: «عندما يفقد الزوجان الأساس الذي بني عليه الزواج، والذي حدده كتاب ربنا حين قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
يحدث الطلاق، ولا حرج في ذلك، لا من الناحية الشرعية ولا الاجتماعية، ففي ذلك الخير للطرفين، فالإسلام لا يرغم الطرفين أو أحدهما على علاقة زوجية لا تثمر الحب والتفاهم والتعاون على أعباء الحياة، خاصة بعد أن حل الشقاق وربما البغض محل المودة والرحمة.. وإذا كانت شريعتنا الغراء قد شرعت الطلاق لإنهاء مشكلة مستعصية على الحل، فإنها تحظر ظلم أحد الطرفين للآخر، ولكن الواقع الذي نعيشه أن بعض المطلقين والمطلقات يرتكبون مظالم لا مبرر لها مثل: تشهير أحدهما بالآخر، أو حرمانه من الحقوق المشتركة بينهما بعد الطلاق كأن يكون بينهما أولاد ويحرم أحدهما من رؤية الأولاد والاطمئنان عليهم، وغير ذلك من المظالم التي يكون دافعها الانتقام».
ويشير د. شومان إلى بعض المظالم التي تتعرض لها النساء بعد الطلاق، ويقول: «للأسف هناك سلسلة من المظالم تتعرض لها بعض النساء، وهي تنضم لمظالم ما قبل الطلاق التي عساها أن تكون وقعت بين الزوجين قبل أن يتخلصا بالطلاق، ومن هذه المظالم: تعمد بعض المطلقين عدم توثيق الطلاق الذي تم شفوياً لدى جهات التوثيق، حيث تبقى المطلقة في نظر القانون زوجة، فهي قد تزوجت بوثيقة زواج رسمية وتحمل بطاقة هوية مدوناً فيها أنها زوجة لهذا المطلق، وعلى ذلك ترتكب جريمة إن هي أقدمت على الزواج قبل أن تحصل على لقب «مطلقة» رسمياً، مع أنها مطلقة «ديانة» من تاريخ نطق المطلق بطلاقها، وهذه مشكلة تعانيها كثير من المطلقات في مصر. ولرفع هذا الظلم فإن المطلق يلزمه شرعاً وقانوناً أن يوثق طلاقه هذا لتتمكن المطلقة من اختيار الكيفية التي تريدها لحياتها الجديدة.
وحتى في حال الطلاق الرجعي الذي يعيد الزوج فيه زوجته إلى عصمته في العدة، فإنه يلزمه توثيق طلاقه ورجعته حتى يحصي عدد طلقاته، فهو لا يمتلك إلا طلقتين ورجعتين، فإن طلق الثالثة بانت منه بشكل نهائي، حيث يقول الحق سبحانه: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، ولا ينتبه كثير من الرجال وهو يظلم زوجته من باب التنكيل بها ، بمماطلته في توثيق طلاقها، أنه قد يكون أضر بورثته، لأنه إن مات قبل توثيق طلاقه، فإن المطلقة سترثه قانوناً، حيث إنها في نظر القانون أرملته».
ويواصل «ليعلم المطلقون أنهم يرتكبون إثماً كبيراً بتعمدهم المماطلة أو الامتناع عن تخليص مطلقاتهم من هذا التعليق، حيث لا تكون المرأة زوجة له، ولا هي حرة إن أرادت الزواج من غيره، وهذا من العضل المنهي عنه في كتاب ربنا القائل سبحانه: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
لا يجوز لولي المرأة منعها من الزواج بزوجها السابق
سألنا د. شومان: وما حكم الشرع في أسرة المرأة التي تمنعها من العودة لزوجها بعد الطلاق وهناك شكاوى لنساء من ذلك؟
وأجاب: «الخطاب الإلهي في الآية السابقة «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن» يصح حمله على من طلق زوجته فانتهت عدتها منه إن أرادت أن تتزوج من غيره، ويشمل ولي المرأة أيضاً إذا أراد أن يمنعها من الزواج بعد انتهاء عدتها، سواء أكان من زوجها الذي سبق وطلقها رجعياً ولم يردها حتى انتهت عدتها من الطلقة الأولى أو الثانية، أم أرادت أن تتزوج بمطلقها من جديد، وكان هو راغباً في ما رغبت فيه، فلا ينبغي للولي أن يمنعها من الزواج به بحجة أنه سبق وأن طلقها، فقد يقف كل واحد منهما بعد تخلصه من ضغط الخلافات بينهما على أخطائه، ويندم على ترك الأمر يستفحل حتى يصل إلى الفراق، وحتى بعد حصوله لم يستفيدا بمدة العدة التي شرعت لحِكم منها، وهي إتاحة فرصة التفكير والتدبر في المضي قدماً نحو إنهاء هذه العلاقة أو العودة لاستئنافها من جديد، ومع ذلك فقد تمضي المدة وتنقضي العدة وبعدها يكتشف كلاهما أن الخير في العودة إلى استئناف العلاقة الزوجيّة من جديد، وهنا لا يجوز لولي المرأة منعها من الزواج بزوجها السابق؛ بل إن بعض فقهائنا أعطوها الحق إن تعنت وليها في أن تتولى أمر نفسها وتوافق على الزواج من دون وليها تخلصاً من هذا التعنت والعضل».
ويحذر د. شومان من الإساءات المتكررة بين الزوجين لبعضهما بعضاً بعد الطلاق، «ليتذكر أطراف العلاقة الزوجية من الأولياء والزوجين، أن الجميع مطالب بالحرص على استمرار العلاقات الإنسانية بقيمها من العدل والإحسان وذكر الآخر بالخير، وعدم إفشاء عيوبه لقوله تعالى: «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».
وليعلم الجميع أن وصية رسولنا بالنساء الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»، لا تقتصر كما يفهم البعض، على الزوجات الباقيات في كنف الزوجيّة فقط؛ بل هي وصية بالنساء عامة تشمل الأم والبنت والأخت وغيرهن من محارم الرجل، وتشمل الزوجة والمطلقة، وتشمل سائر النساء حتى من لا صلة بينه وبينهن، فالوصية بهن تكون بصيانتهن وعدم إيذائهن بالقول أو الفعل، وبمد يد العون لصاحبات الحاجة منهن كالفقيرات والأرامل».