04 يوليو 2021

"كل الأسرة" تفتح ملف الطلاق الغيابي.. هل يجوز بدون علم الزوجة؟! وما حقوقها القانونية والشرعية؟

محررة متعاونة

زوجة مصرية تعيش مع زوجها بمحافظة الدقهلية منذ زواجها في عام 2007 وحتى أسابيع قليلة ماضية وخلال تلك السنوات كانت تعيش مع زوجها حياة هادئة لكن لا تخلو من المشاكل كأي زوجين، وخلال الفترة الماضية توجهت الزوجة إلى مكتب السجل المدني لتجديد بطاقتها الشخصية واستخراج بطاقة جديدة، فوجئت بالموظف يخبرها بأن هناك خطأ في كتابة البيانات وأنها مسجلة لديه بأنها مطلقة وليست متزوجة، لم تصدق الزوجة ما سمعت وذهبت للفحص والتأكد من وجود خطأ أو تشابه أسماء، وهناك اكتشفت صدمة العمر حيث وجدت وثيقة طلاق مسجلة باسمها واسم زوجها منذ أكثر من خمس سنوات وهي لا تعلم عنها أي شيء.

رفضت أذن الزوجة المصدومة وعقلها تصديق ما سمعته ورأته بعينها وخرجت مسرعة لتواجه الزوج بهذه الواقعة الغريبة متمنية أن ينفي الزوج ما سمعت وما رأت، خاصة أنها حملت وأنجبت منه خلال سنوات الطلاق المسجلة رسمياً، لكن رد الزوج كان أكثر قسوة وألماً عليها حيث قال لها بمنتهى البرود: هذا طلاق رسمي وليس شرعي وعموماً «اعتبري نفسك ملك يمين»!!.

ومنذ شهور اكتشفت زوجة ثري مصري يعيش في محافظة المنصورة أنها ظلت تعيش مع زوجها طوال 14 عاماً تحت سقف واحد، وهو مطلقها ويعاشرها كأنها زوجة شرعية له وعندما توفي وقاموا بفتح خزائنه فوجئت بوثيقة طلاقها منه منذ 14 سنة وظهر لها أنه طلقها في السنة الأولى من زواجهما وظل طوال هذه السنوات يعاشرها كزوجة.

فتحت «كل الأسرة» ملف الطلاق الغيابي وطرحت على عدد من أساتذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية وخبراء القانون وعلماء الدين بعض التساؤلات مثل: هل يجوز التطليق الغيابي والزوجة لا تبلغ به؟ ومن المسؤول عن تبليغها وماذا يقول القانون في هذا الشأن؟ وما تأثير صدمة الطلاق الغيابي على نفسية الزوجة وحياتها؟ وكيف تتخطى هذه المحنة؟ وما هي حقوق الزوجة المطلقة غيابياً؟ وما هي عقوبة الزوج الذي عاش مع زوجته حياة زوجية كاملة دون أن يخبرها بالطلاق؟

يعتبر الطلاق الغيابي من أسوأ الظروف التي قد تتعرض لها المرأة، فهو الخبر الأكثر قسوة والأشد ألماً على مسامع الزوجة خاصة إذا لم تبلغ بوقوعه وهنا تكون صدمتها مضاعفة، فكيف للزوج أن يطلق زوجته بدون رغبتها أو حتى علمها؟! بل إن الأمر قد يزداد سوءاً عندما يكون الزوج المطلق غيابياً من مرضى النفوس الذين يخفون الطلاق ويستمرون مع الزوجات يعيشون حياة زوجية كاملة وربما ينجبون المزيد من الأبناء دون إخبارهن بالطلاق، بل إن بعض الزوجات لا يكتشفن أنهن مطلقات إلا بعد وفاة الزوج.

هذه الحوادث ليست حوادث فردية، فملفات محاكم الأحوال الشخصية مليئة بحكايات وقضايا تعبر عن واقع ومعاناة يعيشها كثير من الزوجات تحت وطأة الطلاق الغيابي في عالمنا العربي والإسلامي. وحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر يمثل الطلاق الغيابي نسبة لا تقل عن 15% من نسبة الطلاق في مصر، وهذه نسبة كبيرة ومزعجة للغاية.

الزوجة المطلقة غيابياً لها كافة الحقوق الشرعية والقانونية من نفقات العدة والمتعة ومؤخر الصداق وقائمة منقولاتها ونفقة أولادها ومسكن وحضانة ومصاريف تعليم الأبناء، كما يمكن لها أن ترفع قضية تعويض إذا استطاعت إثبات الضرر الواقع عليها

في البداية، يوضح الدكتور أحمد مهران، المحامي ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن هذه الواقعة تندرج تحت حالات الطلاق الغيابي، وهو الطلاق الذي يقع دون وجود الزوجة أو علمها، بمعنى أن الزوج يطلق الزوجة في عدم حضورها وتعلم أنه طلقها غيابياً منه أو من المأذون أو عن طريق إنذار على يد محضر من المحكمة، ومن الممكن ألا تعلم به الزوجة إلا بعد فترة طويلة أو بعد وفاة الزوج.

ويقول «للأسف تعتقد بعض السيدات عند تطليقها غيابياً أن طليقها قد أفلت من المسؤولية وأن حقها قد ضاع، وقد يوهمها البعض أنه ليس من حقها شكوى الزوج طالما طلقها غيابياً وأنها أصبحت بلا حقوق. والحقيقة عكس ذلك، فالزوجة المطلقة غيابياً لها كافة الحقوق الشرعية والقانونية من نفقات العدة والمتعة ومؤخر الصداق وقائمة منقولاتها ونفقة أولادها ومسكن وحضانة ومصاريف تعليم الأبناء، كما يمكن لها أن ترفع قضية تعويض إذا استطاعت إثبات الضرر الواقع عليها جراء طلاق زوجها لها غيابياً وهي لا تعلم، ما تسبب في وقوع أضرار عليها».

ويؤكد الدكتور أحمد مهران أن آثار الطلاق لا تترتب إلا من تاريخ إعلان الزوجة بالطلاق الغيابي عن طريق المأذون أو بإعلان رسمي على يد محضر من المحكمة يسلمها إشهاد الطلاق، «وهنا تستحق الزوجة نفقة عدة ونفقة متعة ومؤخر صداق كما يمكن للزوجة طلب التمكين من مسكن الزوجية في حالة وجود أطفال في سن الحضانة، كذلك يمكن للزوجة رفع جنحة تبديد بقائمة منقولات الزوجية إذا لم تتمكن من استلام منقولاتها».

ويلفت الدكتور مهران إلى أن الزوجة من حقها إثبات الضرر وسوء نية مطلقها وتعمده معاشرتها معاشرة الأزواج بعد الطلاق الذي انتفى علمها به وأن تعود عليه بالعقوبة الجنائية وتطالبه بتعويض عن الأضرار التي لحقت بها.

وحول عقوبة الزوج الذي يجامع زوجته بعد الطلاق، يقول الدكتور مهران في مثل تلك الحالة هناك غش وتدليس وينعدم الرضا إذا حدث الجماع الجنسي بالغش ولو أثبتت عدم الرضا وعدم العلم يعاقب الزوج بعقوبة الاغتصاب نظراً لانعدام الرضا.

من طلق امرأته دون أن يعلمها فإن الطلاق يقع في حقه ويلتزم به دون أن يقع في حقها قبل أن تعلمه، فآثاره عليه لأنه الذي أوقعه. أما إذا مات ولم تعلم أو مات في الشهر الذي أعلمها فيه ترث منه وتجب لها حقوق الزوجة

ويتفق معه الداعية الإسلامي الدكتور محمد علي في أن الطلاق الغيابي كارثة تحتاج لتقنين قانوني، ويؤكد «الطلاق معناه حل رابطة الزوجية الصحيحة بلفظ الطلاق الصريح أو بعبارة تقوم مقامه تصدر من الزوج، وفي حالة الطلاق غيابياً فلابد من قيام الزوج بإخطار زوجته بالطلاق».

ويقول الدكتور محمد علي «القرآن الكريم أمر بالإشهاد على الطلاق وعلى العدة وعلى الرجعة وهو أمر واجب في هذه الأيام التي انتشر فيها طلاق النساء دون علمهن، أما الطلاق الذي يقع بدون إشهاد فهو ربما كان مناسباً في عصور سابقة كانت وقائع الطلاق تشيع وتنتشر، والإشهاد لا يعارض حق الرجل في الطلاق ولا ينتقص منه بل يثبته ويوثقه».

وحول رأي الشرع في الرجل الذي يطلق زوجته دون إعلامها وأخبارها، يقول الداعية الدكتور محمد علي «من طلق امرأته دون أن يعلمها فإن الطلاق يقع في حقه ويلتزم به دون أن يقع في حقها قبل أن تعلمه، فآثاره عليه لأنه الذي أوقعه. أما إذا مات ولم تعلم أو مات في الشهر الذي أعلمها فيه ترث منه وتجب لها حقوق الزوجة قياساً على من طلق امرأته في مرض الموت. وذلك عملاً بالقاعدة الفقهية من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فإذا أراد حرمانها من الميراث مثلاً عوقب بعكس مقصوده، وهي قاعدة عادلة تسري في الميراث وفي الفقه الإسلامي كله».

أما عن موقف الزوجة شرعاً عن فترة الطلاق الغيابي التي لم تكن تعلم بها فهي ليست آثمة وعلاقتها به علاقة زوجية شرعية يتحمل عنها هو الوزر كاملاً لأنه إذا لم تعلم الزوجة العلم الصحيح بالطلاق كأن تتسلم بنفسها وثيقة الطلاق أو بأي طريقة أخرى تثبت اتصال علمها التام بالطلاق فإن ذلك يرفع عنها المسؤولية الشرعية.

المرأة التي لم تشارك في اتخاذ قرار الانفصال تشعر بالغدر وفقدان الأمان والسند وفقدان الثقة في نفسها

أما الدكتورة زينب مهدي، استشاري الطب النفسي وخبيرة العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، فتؤكد هي الأخرى أن الطلاق الغيابي من أكثر المواقف الصادمة للزوجة، فهو طلاق تم بإرادة منفردة ودون علم الزوجة بل وفي بعض الأحيان تظل المرأة في كنف زوج طلقها وغشها ويعاشرها كزوجة له وهي لا تعلم.. فأي صدمة أشد على المرأة من ذلك؟

وتتعجب الدكتورة زينب مهدي من الزوج الذي طلق زوجته دون رغبتها وعلمها، فأي حق يمنحه ذلك؟ وتقول «لماذا تتزوج المرأة عن طريق مأذون أو محامٍ وشهود وعند الانفصال يقوم الزوج بالطلاق دون حضورها شخصياً وبدون شهود؟!».المرأة عندما تريد الطلاق تلجأ للقضاء والمحاكم وتتنازل عن حقوق عديدة لكي تصل إلى حريتها، وهو بكل بساطة يقوم بالطلاق بدون شهود وبدون علمها وبدون عوائق!!

وتطالب الدكتورة زينب مهدي بإلزام الزوج قانوناً في حالة الطلاق الغيابي بعدم توثيق عقد الطلاق إلا في حالة حضور الزوجة وعلمها وذلك درءاً للمشاكل التي قد تتعرض لها المرأة نتيجة عدم علمها بالطلاق.

وحول تأثير الطلاق المفاجئ على نفسية المرأة، توضح الدكتورة زينب مهدي «الطلاق بشكل عام يهز كيان المرأة ويزلزل حياتها فما بالنا بالزوجة التي تفاجأ بالطلاق؟ بالطبع تدخل في مرحلة من الصدمة والذهول وتصاب بحالة من الاكتئاب والشعور بجرح كبير في كرامتها، فالمرأة التي لم تشارك في اتخاذ قرار الانفصال تشعر بالغدر وفقدان الأمان والسند وفقدان الثقة في نفسها. فكل هذه الأمور من المفترض أن تستمدها من شريك الحياة وقد تؤدي صدمتها الشديدة إلى الانتحار أو إلى ارتكاب جريمة في حق الزوج أو في حق الأبناء نتيجة الصدمة النفسية التي تعرضت لها والتي تكون أشد وأقوى في حالة ما كانت تحب زوجها وتعيش معه بلا مشاكل ولا تتوقع منه الغدر والخيانة».

وتلفت الدكتورة زينب مهدي إلى أن صدمة الطلاق الغيابي تدفع الكثيرات إلى عدم خوض تجربة الزواج مرة أخرى بسبب انعدام ثقتها في الآخرين، فتحرم نفسها من أن تعيش حياتها خوفاً من الوقوع في نفس الفخ مرة أخرى. وتطالب استشارية العلاقات الزوجية بضرورة إعادة صياغة قسيمة الزواج وإضافة نص بضرورة إعلام الزوجة في حالة الطلاق وأن يتم فسخ العقد بحضورها أو حضور وليها، وفي حالة عدم التزام الزوج تحدد عقوبة رادعة لا تحتاج للتقاضي للحفاظ على الأسرة والأولاد.

اقرأ أيضًا: للمرأة المغتربة في الإمارات.. هذه هي حقوقك عند الطلاق