20 أكتوبر 2024

الإجهاض.. متى يجوز شرعاً؟ وما هو المُباح والمحظور؟

محرر متعاون

محرر متعاون

الإجهاض.. متى يجوز شرعاً؟ وما هو المُباح والمحظور؟

لا يتوقف السؤال عن الإجهاض في كل البلدان العربية، على الرغم من صدور عشرات الفتاوى، سنوياً، من مؤسسات إفتائية حول الموقف الشرعي، والسبب تعدّد رؤى العلماء، وما يصدر عنهم من ضوابط شرعية تضع حدوداً فاصلة بين المُباح، والمحظور.

لذلك، من المهم أن نعود إلى علماء الفتوى لمعرفة الموقف الشرعي الراجح الذي يتبنّاه الأزهر الشريف، ليكون طريق استنارة لكل امرأة تتعرض لهذا الموقف الصعب، وتُضطر للتضحية بجنينها.

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر «الإجهاض من القضايا المهمة التي تشغل بال كثير من الناس، ويكثر السؤال عن حكمها في لجان الفتوى، والناس فيه ما بين مفرِّط فيبيحونه، أو يفعلونه لسبب، ولغير سبب.. ومانع مضيّق حتى مع وجود المسوّغ للإباحة. وقد تناول الفقهاء هذه المسألة من كل جوانبها، وبيّنوا أحكامها كما وردت في نصوص الشرع، أو قضت بها قواعده».

ويضيف «مما لا خلاف عليه بين الفقهاء، أن الجنين من لحظته الأولى كائن حي له احترامه، فهو بداية خلق جديد يعيش مراحل من النمو والتنقل بين الأطوار، حتى يولد طفلاً، ذكراً أو أنثى؛ ولذا حرّم شرعنا الاعتداء على أمّه، وأوجب في إسقاطه بهذا الاعتداء (الغرّة)، وهي دِية خاصة بالجنين تعدل عشر دِية المرأة؛ لما روي أنّ رسول الله قَضَى في امرأَتَين من هُذيل اقتَتَلتا، فَرَمت إحداهما الأخرى بحَجر، فأَصاب بَطنها وهي حامل، فَقتلت جنينها الذي في بطنها، فاختصمتا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقضى أنّ دِية ما في بطنها غُرّة، عَبدٌ أو أَمَة، والغرة الواجبة في الإجهاض عند فقهاء الحنفيّة خمسمئة درهم».

حكم الإجهاض لعدم الرغبة

كثيراً ما يحدث الإجهاض لعدم رغبة الوالدين في الجنين.. فما حكم الشرع؟ يجيب د. شومان «هذا الأمر تناوله الفقهاء تفصيلاً، حيث قسّموا مدة الحمل إلى مرحلتين؛ تبدأ الأولى من بداية الحمل إلى ما قبل أربعة أشهر..

والمرحلة الثانية تبدأ ببداية الشهر الخامس، وبيّنوا أن الجنين إذا أتمّ أربعة أشهر في رحم أمّه، فلا يجوز التفكير في الإجهاض حيث إنه بتمام الشهر الرابع تُنفخ فيه الروح فيصبح حياً في بطن أمّه، حياة البشر، ويكون الإجهاض قتلاً لهذه الروح التي نُفخت فيه، وهذا لا خلاف عليه بين فقهاء سلفنا الصالح..

والله سبحانه وتعالى يقول:«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً».. لكن لو ثبت، بتقرير طبي معتمد من جهة حكومية، أن في بقاء الجنين خطورة على حياة الأم يصبح إسقاطه من باب الضرورة التي لا تندفع إلا بنزوله، فيجوز إنزاله ؛ أخذاً بقوله تعالى:«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

قبل أربعة أشهر يجوز.. ولكن بشروط

يواصل د. شومان «أمّا ما قبل أربعة أشهر فقد تعدّدت أقوال العلماء في حكم الإجهاض، وسبب اختلافهم يرجع إلى أنّ الجنين في هذه المرحلة لا روح فيه، ويستحيل أن تُنفخ فيه الروح، كما أثبت العلم الحديث، وحيث إنّه لا روح فيه فقد رأى أكثر الفقهاء أن الإجهاض قبل نفخ الروح فيه يختلف عن الإجهاض بعد أن تنفخ فيه الروح بالفعل، وحيث إنه كائن حي مآله إلى نفخ الروح والحياة الكاملة..

فقد رأى بعض الفقهاء تحريم الإجهاض، ولو كان في اليوم الأول من حمله، بينما كرِه البعض الإجهاض من دون تحريم؛ لأنه وإن كان مآله إلى نفخ الروح إلا أنها لم تُنفخ فيه بالفعل، ويرى البعض أن الإجهاض جائز في الأربعين الأولى فقط؛ لأنه في هذه المدة مجرّد ماء في الرحم، فلا شيء في إخراجه، ويرى بعض الفقهاء جواز الإجهاض قبل نفخ الروح فيه، ولم يشترطوا عذراً..

بينما يرى آخرون جواز الإجهاض قبل نفخ الروح فيه لعذر؛ ولعل هذا الرأي الأخير رأي وسط بين هذه الآراء، فلطالما اختلف العلماء إلى هذه الأقوال المتعدّدة، والتي هي في محصّلتها أربعة:منها تجيز في مقابل رأي يُحرّم، وحيث إن كثيراً من الحالات التي تُعرض على لجان الفتوى يكون لصاحبة الحمل عذر قوي قد يصل إلى حالة الضرورة، وكثير من حالات الضرورة لها مخرج استناداً إلى آراء المجتهدين من سلفنا الصالح، وهي جواز الإجهاض، طالما كان بقاؤه يشكل خطراً على حياة الأم، أو يشكل خطراً شديداً على حياة الجنين».

إسقاط جنين السِّفاح

وما الحكم لو كان الحمل نتيجة ارتكاب المرأة جريمة الزنا، أو اغتصابها بالإكراه؟ يبيّن الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر «بقاء هذا الحمل يُعرّض حياتها للخطر الشديد، فقد تُقتل من قِبل أهلها، وإذا لم تُقتل فستحمل عاره ما بقي، كما أن الجنين إن ولد سيبقى يحمل عاراً لا ذنب له فيه، ولا يجد عائلاً يرعاه، وأمام هذه الأضرار يكون الترخيص بالإجهاض قبل نفخ الروح..

أما بعد نفخ الروح فلا يجوز شرعاً، ولو أقدمت أمّ على إسقاط جنين السِّفاح بعد أربعة أشهر تكون آثمة شرعاً، هي ومن يساعدها على ذلك من الأطباء.. والسؤال المهم هنا: لماذا تنتظر من حملت سِفاحاً أربعة أشهر لكي تفكر بعدها في إسقاط الجنين؟».

 

مقالات ذات صلة