حوار مع شيرين النويس صاحبة أول مركز متخصص في صعوبات التعلم في الإمارات
لم تكن شيرين النويس لتيأس أو تستسلم للتحديات التي تواجهها، فهي امرأة استثنائية بكل معنى الكلمة، تواجه بالفعل وتبني بالإرادة وتنتصر لإرادة التغيير. مسيرتها المهنية تطل بها على مسيرة شخصية أسرية فيها الكثير من جلالة الموقف والجانب الأمومي وبصمة استثنائية قادها إليها قلبها قبل عقلها.
تجربة النويس، مؤسسة مركز «تعليم» للتدريب وتطوير المهارات في أبوظبي لتلبية احتياجات أطفال «الديسلكسيا» (عسر القراءة)، تعتبر التجربة الأولى من نوعها لكونه المركز الأول في الدولة الذي أولى ذوي صعوبات التعلم مكانتهم وحقهم في التغلب على مشكلاتهم والانخراط في منظومة التعليم والعمل، وكذلك التوعية بهذا الاضطراب.
تصوير: عصام حمزة
بدأت مسيرة النويس مع ابنها محمد الذي اكتشفت، بعد وقت وحضور العديد من المؤتمرات، أنه يعاني «الديسلكسيا»، لتنخرط في تأسيس المركز وينخرط الابن في مسيرة التعليم ويتخصص في مجال الاقتصاد ويعمل في شركة عالمية للتدقيق والتحليل المالي والاقتصادي.
في حوارنا معها، نستنبط قوة إرادتها ونشرع معها أبواب الأحلام التي قادتها إلى أن تعمل وتجتهد لتواكب هذه التجربة الفريدة من نوعها، بالإضافة إلى جوانب مضيئة من حياتها المهنية.
ما العوامل التي واكبت نشأة شيرين النويس وواكبت شخصيتها القيادية؟
نشأت في إمارة أبوظبي وترعرعت وسط أسرة قيادية. فوالدي كان تاجر لؤلؤ وتبلورت شخصيتي منذ ولادتي في أواخر السبعينات إذ تعلمت منه الكفاح في الحياة والصبر كما استقيت الطموح من والدتي.
حين توفي والدي، أصبحت مسؤولة عن إخوتي الأصغر سناً وقمت بإدارة المنزل، وكنت آنذاك أستكمل دراستي حتى وصلت للثانوية العامة. بعدها، تزوجت وأنجبت محمد وآمنة وكنت لم أزل في المرحلة الجامعية. في تلك الفترة، تبلورت شخصيتي بشكل فاعل وأكبر مع قيامي بأدوار عدة حيث كنت الزوجة والأم والطالبة.
أذكر أني حرصت على إكمال دراستي الجامعية وأنا حامل، رغم التحديات، واستطعت أن أتخرج من أمريكا حيث كان زوجي مبتعثاً للدراسة. فكان التحدي أكبر لكوني مغتربة وبعيدة عن أهلي وأماً لطفلين. باشرت رحلة الكفاح والإصرار وكل العوامل المحيطة جعلت مني شخصية قيادية منذ نشأتي.
ماذا تخبريننا عن حكايتك مع ابنك محمد؟
أعتز وأفتخر أن حكايتي مع ابني محمد أطلت بي على قرار فتح هذا المركز المتخصص. فقد لمست الحاجة لهذا النوع من التخصص عندما اكتشفت حالة محمد وحاجته لأسلوب خاص في مجال التدريس لإيصال المعلومة له، كونه يعاني عسر القراءة «الديسلكسيا».
وللأسف، كانت الدولة آنذاك تفتقد هذا النوع من المراكز المتخصصة، فقررت أن أسافر بمحمد إلى الولايات المتحدة لأجد حلاً وليتحول ألمي ومعاناتي إلى أمل لعدد كبير من الأطفال، إذ استطعت أن أبث الأمل في نفوس أمهات كثيرات ليس فقط في الإمارات، بل على مستوى الشرق الأوسط. كان لا بد من تعزيز الوعي لدى الأهالي وبالأخص في ظل عدم قدرتهم على معرفة سبب مشكلات أطفالهم والصعوبات التي تواجههم في القراءة والكتابة كما مواجهة ثقافة العيب من الاعتراف بوجود مشكلة لدى أبنائهم.
ماذا عن المركز ودوره، وكيف يواكب هذا الدور مع جائحة «كوفيد 19»؟
نعتبر المركز الأول المتخصص في صعوبات التعلم بأنواعها الأكاديمية والإدراكية في اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات بوجود أخصائيين مختصين بصعوبات التعلم.
يستهدف المركز من يعانون صعوبات التعلم «عسر القراءة»، ويهدف إلى تدريب وتطوير المهارات لذوي اضطراب «الديسلكسيا»، واستطعنا، في ظل جائحة «كورونا»، أن نكون المركز الأول في الإمارات من نوعه الذي واكب «التعليم عن بعد» وواجه الظروف الصعبة.
فقد دخلت في تحد كبير لعدم الاستسلام والاستدامة في مسيرة عطاء المركز وقدمت جلسات فردية عن بعد للأطفال باشرتها منذ شهر مارس الماضي وإلى اليوم ونجحت في مواجهة التحديات في زمن «كورونا» وحل مشكلات أطفال يعانون «الديسلكسيا» ليس على مستوى الإمارات، بل أيضا على مستوى الخليج.
فأنا أرى أنه من الواجب السير إلى الأمام ورصد مشكلة أبنائنا والتوعية بها على الصعيد المجتمعي من خلال الندوات المجانية في المركز وداخل المدارس ومن خلال الأهل، عبر سرد قصص نجاحهم مع أبنائهم.
والحمدلله، كان هناك وعي كبير لدى ذوي الطلاب في بداية الجائحة، حيث كانت الجلسات العلاجية «عن بعد» مع تزويد الطالب بأوراق العمل قبل الجلسات الأسبوعية المحددة.
وفي الوقت الحالي، يتم البدء باستقبال الطلاب حيث يتم تعقيم المركز يومياً في الصباح ويتم قياس درجة حرارة جميع الموظفين والقائمين في العمل بمركز «تعليم»، كما تعقيم جميع الأدوات المستخدمة في الغرفة الصفية قبل وبعد بدء الجلسة التعليمية للطالب مع التزام الأخصائي والطالب بارتداء الكمامة والقفازات كإجراء وقائي للحفاظ على سلامة الجميع.
قراءة طالبة بعد التدخل المبكر
بمناسبة الحديث عن قصص النجاح، ما هي إنجازات المركز؟ وإلى أي حد ساهم في بلورة هذا الوعي المجتمعي؟
تم شفاء ما يقارب 4000 حالة من داخل الدولة وخارجها منذ بداية افتتاح المركز في 2013.
عند تشخيص الحالات وعلاجها أكاديمياً ونفسياً، أشعر بالراحة والسعادة لقدرتي على مساعدة الأطفال في حل مشكلاتهم ومشكلة الأهالي بالتالي في التفكير بأبنائهم بطريقة مختلفة.
وما القصة التي تركت أثرها فيك ولا تغادر ذاكرتك؟
هناك طالب في الصف الثالث كان لا يجيد كتابة الأحرف ولا يتقن القراءة، ما أثر في شخصيته داخل المدرسة وفي محيطه حيث بات تكوينه النفسي والشخصي ضعيفاً وغير قادر على التحدث أو حتى التواصل مع باقي فئات المجتمع.
وبعد استمراره في المركز لثلاثة أشهر، بات قادراً على القراءة والكتابة وتبلورت ملامح شخصيته بشكل أفضل حيث استطاع تكوين صداقات والاندماج في المجتمع وبات من المتفوقين في رحلته الدراسية.
تقدمين دورات تدريب مجانية للمعلمين، كيف تلمست أثر تلك الدورات في رفد الوعي بهذا الاضطراب؟
أقدم دورات تدريبية مجانية للأهالي والمعلمين، ما يسهل على الأهل طرق التعامل مع أبنائهم وتطبيق استراتيجيات أو إشراك الأبناء في جلسات علاجية من قبل المركز لاطلاع الأهل على حالتهم والإلمام بطرق التعامل معهم بشكل فاعل ومثمر.
التقيت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، ما العبارات التي تتذكرينها خلال هذا اللقاء؟
قصتي بلقاء سمو «أم الإمارات» ما زالت أمام عيني حتى اللحظة، رغم مرور 4 سنوات. كان ذلك عام 2016 حيث لا أستطيع وصف مشاعري وأنا أنظر في بريق عينيها وهي تسمعني وأنا أروي قصتي ورسالتي في العطاء ودوافع افتتاح هدا النوع من المراكز.
كانت تصغي لكلماتي بكل تمعن وشغف. لقد لمست كلماتي قلبها وبادرت إلى تشجيعي على الاستمرار في العطاء وفي التحدي. ما زلت أذكر كلماتها الأخيرة حيث قالت لي: «أنت فخر للوطن وكلنا معك في رسالتك العظيمة» ولمست كتفي بيدها الحانية.
حزت لقب فارسة الوطن العربي - العمل الإنساني وخدمة المجتمع على مستوى الوطن العربي والأمم المتحدة. ما الذي أضافه هذا اللقب إلى عزيمتك في مواجهة التحديات؟
هدا اللقب جاء بترشيح من غرفة وتجارة أبوظبي - قسم سيدات الأعمال حيث إنني عضوة، وتم اختياري لاستلام هدا الوسام واللقب عام 2015. يكفيني فخراً أني استطعت أن أوصل رسالتي في العطاء على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى الأمم المتحدة. هذا اللقب وسام لي ولوطني حيث استطعت أن أتحدى وأواجه كل المعوقات التي اعترضت مسيرتي بعد افتتاح المركز. وبهذا التحدي، استطعت أن أنال هذا اللقب بعد عام واحد من افتتاح المركز.
رسالتي في الحياة هي مساعدة الأفراد على الخروج من الألم إلى الأمل
أمومتك كانت دافعاً لتحويل الألم إلى أمل، ما رسالة شيرين النويس إلى الأمهات؟
رسالتي هي أن العطاء في هذا القطاع المجتمعي لأصحاب الهمم ليس له حدود ولا يمكن أن يتوقف، وأؤكد هذا التوجه بالأخص لكوني أماً ولكون تجربتي مستقاة من معاناة شخصية، مما يجعلها أقوى بكثير من الجانب العلمي والنظري. فأنا على يقين بأن التجربة الشخصية تترجم على أرض الواقع بشكل أقوى عن كون الأمر مجرد مشروع بهدف تجاري بحت. رسالتي في الحياة هي مساعدة الأفراد على الخروج من الألم إلى الأمل.