25 يناير 2021

د. باسمة يونس تكتب: حلم السجينة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: حلم السجينة
الدكتورة ماري جرودا لويس

سألت الأم ابنتها (ماري) عن حلمها، فقالت بأنها تريد أن تصبح طبيبة، وعند سماع ذلك شعرت والدتها بالحزن الشديد لأن الحديث بينهما كان يدور في السجن. لقد تم القبض على ماري بتهمة سرقة سيارة وتحطيمها وكان وجودها في سجن الأحداث كفيلاً بتدمير مستقبلها والقضاء على كل أحلامها.

كانت ماري لويز جرودا طفلة فقيرة من عائلة من عمال المزارع الفقراء في بورتلاند في أوريغون ولها ستة إخوة وأخوات وأربعة شباب آخرين تبناهما والداها وكانوا يعملون كل صيف متنقلين من مزرعة إلى أخرى. وفي سن العاشرة تخلت ماري عن المدرسة بسبب صعوبة الدراسة مما أوقعها في مشاكل متكررة مع سلطات الأحداث. وقبض عليها أخيراً برفقة مراهق متهور كان يقود سيارة مسروقة طاردتها الشرطة وأطلقت عليها النار ما أدى إلى خروجها عن السيطرة وغرقها 80 قدماً في واد. لقد خرجا منها أحياء بأعجوبة ولكن كانت تلك الرحلة القصيرة والممتعة الطريق لسجن ماري في إصلاحية الأحداث.

وفي السجن، ومن بين 150 فتاة، تم اختيارها مع 5 أخريات لحضور برنامج للمراهقين المحرومين بعد أن اهتمت بها إحدى العاملات الاجتماعيات في ذلك الوقت، واكتشفت إصابتها بعسر القراءة، وهو اضطراب يجعل القراءة صعبة على الرغم من قدرات الفرد الطبيعية وذكائه وهو ما جعل ماري تفقد رغبتها في التعلم وأصبحت تكره المدرسة لا إرادياً. كان يمكن معالجة هذا الاضطراب من خلال تعديل طرق التدريس لتلبية احتياجات المصاب، وتقليل الأعراض التي تمنعه من القراءة ومن التعلم، فتمكنت ماري بمساعدة العاملة الاجتماعية من القراءة وبدأت مسيرة التعلم.

وتابعت ماري بعد خروجها من السجن دراستها على الرغم من صعوبتها فقد كان عليها أن تدرس ما يقرب من 16 ساعة في اليوم. وعندما بلغت من العمر 18 عاماً حملت بطفلها الأول وبدأت في العمل في مشغل لدعم نفسها وقبل أن تبدأ في التقديم للجامعات حملت بابنها الثاني وكادت أن تموت بسبب جلطة دماغية أصابتها بعد ولادته. وكان عليها تعلم المشي من جديد وإعادة الكتابة وتعلم الحديث، وعندما رسبت في ثلاث دورات في عامها الأول بدأت تشك في حلمها وكانت على استعداد للانسحاب. ولكن وبدعم من الأصدقاء والمعلمين تابعت حضور الدورات خلال الصيف وأصبح الأمر سهلاً بعد ذلك.

أنهت ماري دراستها وتمكنت في النهاية من الالتحاق بالكلية التي كانت حلمها وحصلت على درجة الدكتوراه في الطب واختارت تخصص طب الأطفال. وها هي اليوم تصبح الدكتورة ماري جرودا لويس التي تعمل حالياً طبيبة في واشنطن وتملك 20 عاماً من الخبرة وأحفاداً وثلاث جوائز من بينها جائزة نيل هيلمن وفيلماً يسرد قصة حياتها الملهمة.

وفي لقاء معها قالت ماري «لقد بدأت في الهروب من المدرسة لأنني لم أكن أعرف ما الذي يتحدثون عنه»، وتابعت بأنها سعيدة لأنه ألقي القبض عليها في ذلك اليوم ولأنها تمكنت بعد ثمانية عشر عاماً من وقوفها خلف أسوار الأسلاك الشائكة لمدرسة هيلكريست للبنات في أوريغون من الحصول على شهادة جعلتها تصبح الدكتورة ماري جرودا لويس، ولأن دخول سجن الأحداث الذي كان يمكن أن يكون نهاية أحلامها كان على العكس من ذلك محطة انطلاقها للنجاح.