قبل أيام كنت جالساً أنتظر دوري في صالون الحلاقة فالتقيت بشخص أراه لأول مرة في حياتي ولم أكن أتخيل أن يدور بيننا حوار تجاوز النصف ساعة ونحن لا نعرف بعضنا البعض!
في البداية كان تعارفاً بسيطاً وهذا أمر طبيعي يحدث في مثل هذه الأماكن، ولكن الشيء المستغرب أن الرجل راح يروي لي سيرته الذاتية وتاريخه الوظيفي وأنا كلي آذان صاغية، حتى طلب مني الحلاق الجلوس في مكاني، إلا أن صاحبنا دخل في مواضيع كثيرة متشعبة من دون توقف فطلبت من الحلاق تأجيل الحلاقة لبعض الوقت حتى أعرف نهاية لتلك القصص العالمية!
انتهى الرجل من سرد سيرته الذاتية وكنت أعتقد أن الأمر توقف عند هذا الحد، فدخل في موضوع جديد يتمحور حول تربية الأبناء بين الماضي والحاضر، وهنا وضع الحلاق المنشفة على صدري حيث تأكد أن الرجل لن يغادر الصالون بسهولة، وهنا تذكرت بعض الأساليب التي تعلمتها في دورة فن التعامل مع المتعاملين من خلال النظر إلى الساعة أو استخدام لغة جسد تشير إلى انشغالي عن المتحدث، مع ذلك لم تجد مع ذلك الشخص.. واضطررت للتوقف مجدداً مع تأفف الحلاق من الموقف الصعب الذي وضعنا فيه!
المهم، انتهى الرجل من حديثه فحمدت الله - في نفسي - حمداً كثيراً مباركاً وبدأت أخيراً أنظر إلى المرآة التي أمامي استعداداً للحلاقة، وهنا عاد الرجل ليسألني عن اهتمامي بموضوع السيارات وإذا كان لي أي معرفة بهذا المجال ثم دعاني إلى زيارة محله لاستكمال باقي الحديث هناك، فوعدته خيراً، وهنا دار في خاطري سؤال: إذا كان اللقاء الأول استغرق كل هذا الوقت، فكم سأحتاج في اللقاء الثاني؟!
غادر صاحبنا الصالون، وتنفست الصعداء، ثم أخبرني الحلاق بأن هذا الشخص طيب القلب ويحب الحديث مع الأشخاص الذين يلتقي بهم، وأيدته في ذلك بشرط أن يكون حواراً عابراً لا لقاء صحفياً مطولاً!
كثيراً ما نقابل مثل هؤلاء الأشخاص في أي زمان ومكان، أشخاص بسطاء يتحدثون عن حياتهم اليومية وتجاربهم وقصصهم وخبرتهم العملية، وهذا يعكس شخصيتهم الاجتماعية، إلا أنه في حالة صاحبنا إياه كان من المفترض أن يختصر الحديث ويعمل بشعار المختصر المفيد.. ولكن ما حدث عكس ذلك.. وكنت «أنا الضحية» !