د. بدرية الحرمي وزوجها د. سيف درويش على غلاف مجلة كل الأسرة
تعلمت العديد من الدروس خلال جائحة «كورونا»، واكتسبت منها مهارات جديدة في إدارة الأزمات، أهمها تكاتف الجهود في الميدان والعمل بروح الفريق الواحد، وترجمة حب الوطن إلى الإخلاص والسعي الدؤوب لرفع رايته عالياً.
هي الدكتورة بدرية الحرمي، استشاري الصحة العامة، ونائب رئيس جمعية الإمارات للصحة العامة، وخريجة برنامج القيادات التنفيذية لحكومة الإمارات، التقتها الصحفية مروة محمد حسين لنتعرف إلى تجربتها التي وصفتها بالملهمة كونها ضمن أبطال خط الدفاع الأول، وكان الحوار التالي:
أثناء زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد لفريق عمل الجهات المعنية بمواجهة كورونا
عُرف عنها الشجاعة والإقدام بعد أن تعاملت مع أول حالة " كورونا " مؤكدة في الدولة، تحكي لنا " كانت سيدة من الجنسية الصينية عمرها 63 عاماً، قدمت من مدينة ووهان الصينية، برفقة زوجة ابنها وحفيديها لزيارة ابنها الذي يعمل بالدولة، وكانت تعاني أعراض الإنفلونزا وذهبت إلى المستشفى وتم اتباع البروتوكول الوطني المعتمد للحالات المشتبه بها، وعمل فحص «بي سي آر»، وتبين إصابتها بفيروس «كورونا». وأتذكر في ذاك اليوم وبعد انتهاء الدوام الرسمي مرت علي زميلتي لتذكرني بموعد اجتماع الأمهات في مدرسة أبنائنا، وبعد الانتهاء ، كانت الساعة حوالي السادسة ، تلقيت اتصالاً من المختبر يخبرنا أن هناك حالة مشتبه فيها وأنهم في حاجة إلى وقت لعمل الفحص التأكيدي، ولإحساسي بالمسؤولية لم أستطع العودة إلى المنزل وجلست في مكاني أنتظر النتيجة وبعد أن تأكدت من إصابة الحالة تم التواصل مع المسؤولين ومع فريق التقصي والاستجابة لأخذ كافة الإجراءات الاحترازية وعزل المصابة وعمل الفحوص للمخالطين وتأكد إصابة الجميع ما عدا حفيدتها، والحمد لله كانت أعراض الإصابة خفيفة لدى الجميع، وتمت متابعتهم من خلال الفريق الطبي طوال فترة تواجدهم بالمستشفى إلى أن تم شفاؤهم وخروجهم بصحة وعافية".
التطعيمات هي الأداة الأكثر فاعلية للسيطرة أو القضاء على العديد من الأمراض المعدية
في ظل التوجه للتطعيم ضد الفيروس، تؤمن د. بدرية أن التطعيمات هي الأداة الأكثر فاعلية للسيطرة أو القضاء على العديد من الأمراض المعدية، فمن دونها سيكون من الصعب الحد من انتشار الأمراض الخطيرة حول العالم، وتؤكد "بالنسبة للإمارات فقد شهدت انخفاضاً واضحاً في حالات الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها بالتطعيمات منذ انطلاق البرنامج الوطني للتحصين في عام 1980، وتم اعتمادها كدولة خالية من مرض شلل الأطفال في عام 2004، إضافة لذلك انخفضت حالات الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى مثل الحصبة، والحصبة الألمانية، والسعال الديكي، ومن هنا يأتي دور توعية المجتمع بأهمية التطعيمات. ومن مسؤوليتنا كأطباء أن نرسل الصورة الحقيقة لفوائدها بالأساليب التثقيفية المختلفة والحرص على استمرارية هذه الرسائل، لأننا نشهد العديد من المغالطات والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالتطعيمات، والتي تثير الذعر المجتمعي وبالتالي تؤثر في تلقي أفراده للقاحات، مما يوثر بالنهاية في صحتهم وجودة الحياة بمجتمعنا والقدرة على التحكم في انتشار المرض والسيطرة على الوباء".
وتوضح " التطعيم لا يمنع الإصابة لكنه يسهم في التقليل من احتمالية الإصابة بالفيروس والحد من المضاعفات الشديدة ونقله للآخرين، فاللقاح يبطئ انتشار المرض ويساهم في المناعة الجماعية (ما يُسمى مناعة القطيع)، وبالتالي منعه من الانتشار والتناسخ، وهما العمليتان اللتان تسمحان له بتكوين طفرة قد تكون أقدر على مقاومة اللقاحات، فالالتزام بالإجراءات الوقائية الاحترازية التي وضعتها الدولة من الأمور المهمة، والتي يجب ألا نتهاون فيها حتى في حال انخفاض عدد الحالات ، وأن نكون على استعداد لأي طارئ".
وفي ضوء اهتمامها بقضية التبرع بالأعضاء، قامت د. بدرية الحرمي بالتعاون مع زوجها د. سيف درويش بتوعية أفراد أسرتها و تشجيعهم على تبني فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة والتسجيل في «البرنامج الوطني للتبرع بالأعضاء» كونه خدمة إنسانية ووطنية بنفس الوقت، تقول " استحدثنا حملة أطلقنا عليها «أعضائي أمل» عبر وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر عدد من أفراد المجتمع، وقمنا بالرد على استفسارات الناس ومساعدتهم للتسجيل ولتحقيق هذا الهدف النبيل".
بعد إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، عن فتح باب الترشح ضمن الدورة الجديدة لمبادرة أوائل الإمارات، التي تم تخصيصها هذا العام لتكريم التجارب الاستثنائية من شخصيات ومبادرات ضمن عمل خط الدفاع الأول للتصدي لفيروس «كورونا»، رُشحت د. بدرية الحرمي من قبل بعض شخصيات المجتمع ومن الأشخاص المقربين الذين عملت معهم خلال الجائحة، والتي تقول عنها " بغض النظر عن الترشيح فإنني أفتخر بقيامي بواجبي تجاه وطني الغالي".
تشكل وزوجها ثنائياً طبياً مميزاً، فيحرصا معًا على تزويد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي بخبراتهما الطبية، وتوضح " تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أسرع وسيلة إلى الوصول لأفراد المجتمع، وهي مفيدة وناجحة إذا استخدمت بشكل صحيح وهو ما يلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق الأطباء والاختصاصيين في توظيف هذه المنصات لإيصال المعلومات والأفكار المفيدة للناس، وكوني وزوجي في مجال الصحة العامة زادت مسؤوليتنا في رفع الوعي المجتمعي بالتدابير والأساليب الوقائية والتي لها دور بارز للحد من انتشار الأمراض والسلوكيات الضارة، بالإضافة إلى تفنيد الشائعات ودرء مخاطرها عن المجتمع".
اهتمامي بإظهار مشاعري تجاه زوجي له دور بارز في تقربنا وفهمنا لبعض وتحسين العلاقة بيننا وبين أبنائنا
لا يقتصر تعاونهما في مجال العمل فقط بل في جميع مناحي الحياة، تؤكد " وجود زوجي بنفس المهنة أضاف لي الكثير، فبالرغم من انشغالنا لكن هو بالنسبة لي صديقي المقرب الذي يفهمني ويستوعبني، فنحن قبل أن نكون زوجين كنا زملاء في أوقات دراستنا للبورد العربي في طب المجتمع، وكانت تجمعنا الكثير من الأشياء المشتركة، فوجود شريك الحياة بنفس المهنة ليس بالضروري أن يشكل نوعاً من الصعوبات أو المشقة لكنه يمكن أن يكون دافعاً للتقدم والنجاح، خاصة إذا وجد الاحترام والتفاهم المتبادل".
وتردف "الحب هو الإحساس الذي يبحث عنه الجميع ويرغبون في أن يعيشوه مع من يقدرون على منحهم جرعات من المشاعر الصادقة، والتي تجعلهم أقوى وأكثر إيجابية وتفاؤلاً، لكن العديد منا يقف عاجزاً أمام خجله الذي يمنعه من البوح عن هذه المشاعر، التي تنبض بالحياة والدفء والأمان سواء كان ذلك بين الأزواج أو بين الأبناء وأهلهم أو حتى بين الأصدقاء والمحيطين بهم، فمن الضروري التحدث عن مشاعرنا بشفافية مع من نحب وعلينا أن نبدأ بأقرب الأشخاص لدينا، فاهتمامي بإظهار مشاعري تجاه زوجي له دور بارز في تقربنا وفهمنا لبعض وتحسين العلاقة بيننا وبين أبنائنا، فهو بالنسبة لي شريكي بالحياة والنجاح ويستحق مني كل التقدير والاحترام".
هذا الزواج المتلاحم تُوج بثلاثة أطفال، تصفهم "لدي 3 أبناء، غالية (13 عاماً) وهي تشبهني بالشكل وبعض الصفات مثل الصبر وتحمل المسؤولية، كما أنها رحيمة بالحيوانات وتتمنى أن تصبح طبيبة بيطرية في المستقبل، أما ابني الأوسط سعيد (7 سنوات) فيعرف عنه الدقة والنظام وأحب فيه صفة الوضوح والصدق فهو من الشخصيات التي تظهر مشاعرها وتعبر عنها بأسلوب جميل، أما آخر العنقود عالية (6 سنوات) فهي تشبهني بحبها للتحدي وإن كانت عنيدة بعض الشيء إلا أنها مثابرة في الوصول إلى أهدافها".
وتحكي "في بداية الجائحة لم يكن لدي الوقت حتى لرؤية أبنائي، إذ كنت أقضي اليوم كاملاً بالعمل وأعود في ساعات متأخرة إلى المنزل، لتبدأ مهام أخرى وهي الرد على الاستفسارات وكتابة التقارير لساعات متأخرة من الليل، وكنت لا أستطيع تقبيلهم أو التقرب منهم خوفاً من أن أنقل لهم أي عدوى، وأتذكر كم كنت أشتاق لوالديّ وأخوتي، والذين انقطعت عن رؤيتهم لشهور، وأحمد الله تعالى على تفهمهم وزوجي لطبيعة عملي، وكنت دائماً ما أقول لهم إن هذا العمل لمصلحة العباد والبلاد وهذا واجب ورسالة وطنية يجب علينا تأديتها".
أما عن طموحاتها الشخصية والعملية، فتقول "أطمح للارتقاء بمستوى تخصص الصحة العامة بدولتنا الحبيبة وأسعى دائماً لخدمة وطني الغالي، الذي لم يبخل علينا بعطائه، فسعادتي تكمن في خدمة الناس ومساعدتهم من أجل الحفاظ على صحتهم وسلامتهم وتحقيق رؤية حكومتنا وقيادتنا الرشيدة نحو الوصول لمجتمع صحي وآمن، أما على المستوى الشخصي فأتمنى أن أرى أسرتي في زيادة وأن يحفظ أفرادها من كل سوء".
عمل زوجتي في نفس مجالي يجعلنا أقرب من بعضنا فكرياً وعملياً
كما التقينا الدكتور سيف درويش، أخصائي طب المجتمع والمتحدث باسم جمعية الإمارات للصحة العامة، زوج الدكتورة بدرية الحرمي، الذي أكد أن هناك عاملا مشتركا يجمعهما وهو المهنة، وأن نجاح أحدهما دافعا وحافزا للآخر، بل تفوق أحدهما رصيد لكيانهما الموحد وهو الأسرة ، مشيرا إلى أن عمل الزوجين في نفس المهنة لا يسبب أي مشاكل أسرية إذا كانت العلاقة صحية ومبنية على الحب والتقدير والاحترام المتبادل ، مضيفا «عمل زوجتي في نفس مجالي يجعلنا أقرب من بعضنا فكرياً وعملياً، وهو شيء أحبه كثيراً وأعتز به، وأعتقد أن الزوج الذي يواجه مشكلة من عمل رفيقة دربه في نفس المجال هو شخص غير واثق من نفسه وقدراته، وربما ينبع هذا الشعور من تخوفه لنجاح زوجته وأن تكون أكثر شهرة منه، أما الواثق من قدراته فيعتبر نجاحها هو نجاحه، فوراء كل رجل عظيم امرأة ووراء كل امرأة عظيمة رجل، ولا يهم من هو الذي يحتل المقدمة، بل المهم أن يكونا معاً في حالة من النجاح المشترك».
زوجتي مثل أعلى بالنسبة لي وأحب دائماً أن أحتذي بها في كل ما أفعل
وبشأن مشاركته شريكة حياته مشاكل العمل، أجاب «لابد لأي زوجين أن يتشاركا جميع مشاكل وهموم الحياة بما فيها المرتبطة بالعمل، وهنا يكون النصح والتوجيه عاملين أساسيين لنجاحهما، ففي النهاية لابد أن يجمع الطرفين، بالإضافة إلى مشاعر الحب، مشاعر أخرى تدل على الصداقة الحقيقية، والرجل الذي يقف مع زوجته في حل مشاكلها عامة بما فيها تلك المتعلقة بالعمل يتسبب في شعورها بالسعادة الحقيقية، وكذلك الحال ينطبق على شريكة الحياة التي يجب أن تكون سنداً لزوجها».
كما تحدث عن مقومات الزواج الناجح من واقع تجربته، قائلا «زوجتي مثل أعلى بالنسبة لي وأحب دائماً أن أحتذي بها في كل ما أفعل، فهي امرأة ناجحة في حياتها العامة والخاصة لذلك أعتبرها مصدر إلهامي، أما عن مقومات الزواج الناجح فأرى بأنه المبني على أسس صحيحة تبدأ من مرحلة الخطوبة، فالمشاعر العاطفية مع وجود التفاهم المشترك والصداقة بين الزوجين هي عوامل أساسية لنجاح الحياة بينهما، ولا يلزم أن تتطابق أفكار كل من الزوجين ولكن من المهم أن يكمل بعضها بعضاً وهو ما يميز علاقتي بزوجتي الحبيبة».
* نشر الحوار كاملاً في مجلة كل الأسرة ( العدد 1446) بتاريخ 29 يونيو 2021