29 يونيو 2021

د. باسمة يونس تكتب: لعبة الزجاج والمطاط

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: لعبة الزجاج والمطاط

شبه الرئيس التنفيذي لشركة كوكا كولا «براين دايسون» يوماً الحياة بلعبة مكونة من خمس كرات، أربع منها زجاجية والخامسة فقط من المطاط. وأطلق على الكرات الزجاجية الأربع مسميات الأسرة والصحة والأصدقاء والروح لأنها الأكثر أهمية في حياة كل منا ويجب أن نحرص عليها أكثر من حرصنا على أمور أخرى، فهي إن سقطت من يد الفرد، سوف تنخدش أو تتحطم، وكثير منها ينتهي مهشماً ومتناثراً في الفضاء.

وكانت فكرته عن الحياة بأنها اللعبة الوحيدة التي تتطلب من الشخص الخوف والقلق، فهو رغم اعتقاده بأنه يقف متوازناً فوق قدمين ويتقن اللعب بجميع الكرات الزجاجية وإلقاءها في الهواء كي تظل مرتفعة، يجب أن يكون حريصاً أكثر على تجنب انزلاق أي منها من بين يديه وأن يبقي عينيه عليها، لأن كل واحدة منها ترتبط بالأخرى، فإن سقطت الأسرة لحقتها الصحة وتبعها الأصدقاء، وإن سقطت الصحة تبعتها الأسرة ومعهما الأصدقاء، وإن تحطم الأصدقاء غابت الصحة ومرضت الأسرة معها.

وسمى الكرة الخامسة والمصنوعة من المطاط بالعمل لأنه، أي العمل، هو الكرة الوحيدة التي تلطم وتتلاطم وتقفز وتروح وتأتي فلا تتضرر ولا يضرها سقوط أو ارتفاع وتظل على حالها وشكلها، فهو شخصياً، التحق بشركة كوكا كولا في فنزويلا عام 1978 بعد أن عمل لسنوات عديدة في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي والمكسيك ثم أصبح في 1986 رئيسًا ومديرًا تنفيذيًا للشركة ثم مستشاراً أول وبعدها تقاعد، ليعمل في منصب آخر في نفس الشركة كنائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للعمليات. وكتب مجموعة قصص قصيرة وألف رواية، لكن هذا لا يعني ولن يعني أننا جميعاً قادرون على اللعب بتلك الكرة المطاطية أو الاستهانة بها وتركها تسقط من بين أيدينا أو ترتطم بالأرض، لأننا لو فعلنا ذلك ستعود لتلطمنا في وجوهنا لطمة قاسية غير متوقعة.

ورغم أن خطاب دايسون، يبدو كأنه نصيحة واعية من شخص أدرك قيمة الأسرة والأصدقاء والصحة والروح لكنها ليست النصيحة التي يمكن الأخذ بها بسهولة، فالعمل، رغم اعتباره كرة من المطاط، هو المظلة الحامية للمحافظة على الأسرة والصحة والأصدقاء و التفاني في العمل يعكس الحرص الحقيقي للأفراد تجاه أسرهم وأرواحهم وصحتهم وعلاقاتهم الأخرى بالأصدقاء، أما التوازن، فهو لا يعني التقليل من شأن العمل أو إهماله على حساب أشياء أخرى لأن مجرد الأخذ بفكرة الكرة المطاطية والكرات الزجاجية ستجعلنا نحرص على الزجاجية ونهمل المطاطية عمداً.

إن التوازن نسبي للفرد، فهناك من يدفعهم الانهماك في العمل لتقديس أسرهم ويحصدون بالتالي على ثمار نجاحهم فيه روحياً وصحياً واجتماعياً وقضاء الكثير من وقتنا في العمل ليس شيئاً بغيضاً، أو سلبياً، والكرة التي يراها دايسون مصنوعة من المطاط يعتبرها الكثير منا زجاجية ومن المهم الاحتفاظ بها وحمايتها وعدم التفريط بها بسهولة، وهذا يقتضي منا الانتباه جيداً للنصائح التي نسمعها أو نتعلق بجمالية طرحها، فهي في كثير من الأحيان تزجنا في مواقف صعبة أو تجرنا إلى مناطق معتمة وأفكار متطرفة تمنعنا من تحقيق التوازن الحقيقي الذي قد نملكه لكننا نتخلى عنه ونحن لا ندرك ذلك.