لم يرق لها أن يأخذها العمل بعيداً عن الأعمال التطوعية التي أمضت فيها أعواماً طويلة، لتساهم في تأسيس جمعية لنشر ثقافة حماية الطفل وتقديم الدعمين النفسي والاجتماعي للمنقطعين عن الدراسة والمعنفين منهم استكمالاً لمسيرتها في خدمة الطفولة.. هي موزة سالم عبد الله الشومي، نائب رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، خبيرة الإرشاد وجودة الحياة في وزارة التربية والتعليم، التي وجدت في يومٍ ما نفسها أماً لجميع أيتام الإمارات مع أيتامها الثلاثة إثر تسنمها إدارة الطفل في وزارة الشؤون الاجتماعية، سبقتها بالعمل في عدة مناصب قيادية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نالت فيه ثقة رؤسائها، واكب فصول عطائها صدور قانون «وديمة» وكانت عضو أحد لجانه الفنية.
كان لنا معها هذا الحوار الشيق:
تصوير سيد رمضان
بدأت العمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كيف ترصدين انتقالك من منصب لآخر في الوزارة؟
على الرغم من صغر سني في ذلك الوقت إلا أني تمكنت من الوصول لمناصب إدارية في وقت قياسي، كثرة الانتقال في الوزارة ساعدني على كسب الخبرة وإجادة العمل في مختلف الأقسام، بدأت العمل في مجال الحسابات والمراقبة المالية الذي أجدته ومن ثم دخلت مجال التدريب، ولثقة رؤساء العمل في قدراتي تسلمت مسؤولية إدارة الخدمات والتجهيزات في الوزارة، خلال عملي في إدارة الشؤون الإدارية في وزارة الشؤون الاجتماعية طورت من العمل الإداري وعملت على إعداد حقائب وبرامج تدريبية للموظفين الجدد، إلى أن جاءت النقلة النوعية لأتسلم إدارة الطفل.
ماذا عنى لكِ تسلم إدارة الطفل؟
رافقت ظروف وفاة زوجي وداعمي الأول صدمة تسلمي إدارة، إضافة إلى كونها بعيدة عن تخصصي في إدارة الأعمال شعرت بالقلق والخوف من التقصير في العمل، طلبت على إثر ذلك مقابلة الوزيرة مريم الرومي، عندها حدثتني «موزة اخترتك لهذا المنصب لأنك أم وشخص لديه روح المبادرة والقيادة والحنان» وجدت نفسي في تحد بأني يجب أن أكون الأم التي تحتضن جميع أطفال الإمارات الأيتام ويكونون أبناء لها.
موزة الشومي أثناء طرحها أهمية إعادة النظر في المناهج الدراسية
عاصرت مرحلة تشريع قانون «وديمة».. ما مساهمتك في هذا المجال؟
حتى عام 2010 لم يعرف القانون بهذا الاسم لكن بعد حادثة الطفلة «وديمة» التي توفيت بسبب تعذيب والدها لها قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن يطلق عليه «قانون وديمة» حيث لم يكن القانون مكتملاً بعد، كنت من مؤسسي المشروع وعضو اللجنة الفنية لمناقشة القانون. «وديمة» بالنسبة لي الابن الذي مرّرت معه بجميع المراحل منذ عام 2008 وحتى صدوره عام 2016، ما ميز القانون موافقته للقوانين والتشريعات الدولية ومواءمته عاداتنا وتقاليدنا المجتمعية والإسلامية بعد الاطلاع على أفضل الممارسات العالمية والعربية للخروج بأفضل القوانين.
قضية الطفلة «وديمة» كانت سبباً في تعجيل صدور القانون على الرغم من كونه في مراحله التشريعية كما أنها فتحت الأبواب على مواد القانون الأخرى كدور المدرسة في متابعة أسباب انقطاع الطالب عن التعليم سواء المستمر أو المتقطع ومتابعة قانون الأحوال الشخصية لأهلية الشخص الحاضن نفسياً وصحياً وجنائياً كما منح «قانون وديمة» الطفل حق تغيير اسمه إن كان فيه انتقاص من كرامته ومحاسبة ومعاقبة استخدام الأطفال كوسيلة للتسول أو استغلالهم اقتصادياً كإشراكهم في عقود الإعلانات أو عقود الاحتراف وبخسهم حقوقهم التعليمية والصحية والأخلاقية، على الرغم من المعارضة الكبيرة التي واجهها القانون من قبل الرأي العام بدايةً على اعتبار أنه تقليد للغرب أو جاء تلبيةً لرغبات منظمات حقوق الإنسان ومع كونه متطلباً دولياً تحفظت دولة الإمارات على بعض مواده ومن ثم رفعت هذه التحفظات ليكون القانون متوائماً مع الاتفاقيات والتشريعات الدولية في الدولة، منها حق الطفل في جنسية الدولة التي ولد فيها وحق منحه جنسية والديه وإلزام والده باستخراج أوراق ثبوتية تضمن له الحقوق التعليمية والصحية وحقه في إثبات الهوية، زاد القانون من ثقافة المجتمع وكشف عن أهمية الحاجة لإعادة النظر في التشريعات واللوائح الموجودة ومناسبتها متطلبات العصر.
أول ما عزمت على تحقيقه بعد انتقالي إلى وزارة التربية والتعليم السعي في تفعيل دور أكبر للمدرسة لدعم الأطفال نفسيًا وتشجيعهم على تنمية مواهبهم
ما الأمر الذي حملت نفسك مسؤوليته منذ انتقالك إلى وزارة التربية والتعليم؟
ذاكرتان هما ما بقيت تحتفظ بهما الطفلة موزة في ذهنها من مرحلة رياض الأطفال كانتا سبباً ودافعاً لها للعمل كناشطة في مجال حماية الطفل، الأولى حبها لمعلمتها ودعمها لموهبتها للرسم وذاكرة مرعبة بسبب تعنيف عاملة النظافة التي عاقبتها بشدة والتي إلى الآن لا زالت ملامح وجهها الغاضب مرسومة في مخيلتها، لذلك كان أول ما عزمت على تحقيقه بعد انتقالي إلى وزارة التربية والتعليم السعي في تفعيل دور أكبر للمدرسة في توفير الدعم النفسي للأطفال وتشجيعهم على تنمية مواهبهم الفنية ومراقبة وتثقيف وتأهيل الكوادر العاملة.
تصوير سيد رمضان
إضافة إلى بصمتك في مجال الطفل والمرأة، تلمسنا اهتمامك بفئة المسنين.
ما جعل من كبار السن محور اهتمامي وجودي في منزل رعايتهم فيه من الأمور المقدسة، توفي جدي وقد تجاوز الـ100 عام، رعيناه ووالدتي دون حاجة لخادمة أو ممرضة مع عجزه عن الحركة وفقدانه للبصر وإصابته بالزهايمر، نشأت على أن خدمة كبار السن أجر ووجودهم في المنزل رحمة وبركة ومدرسة يتعلم منها الأجيال.
ساهمت في تأسيس جمعية الإمارات لحماية الطفل و توليت منصب نائب الرئيس فيها، ما أبرز القضايا التي تردكم؟
وجدت نفسي مقيدة بسبب عملي الوظيفي عن القيام ببعض الأنشطة التي أشعر بأنها واجب علي تأديتها تجاه الأطفال وقضاياهم، لذلك أسست مع 33 شخصاً من المختصين والناشطين ممن يملكون الخبرة لمساعدة الجهات الحكومية التي تحتاج لدعم مجتمعي ونشر ثقافة حماية الطفل ليتعرف إليها الرأي العام وحماية أبنائنا من التكنولوجيا والعالم الافتراضي، أكثر القضايا التي سجلت أعلى النسب هي انقطاع الأطفال عن الدراسة وعدم استكمال التعليم بسبب عجز أولياء الأمور عن الإيفاء بالرسوم الدراسية لأبنائهم خاصة الوافدين لارتفاع الرسوم الدراسية أو التأخر في سدادها، نجهد قدر الإمكان لمساعدة الأطفال على استكمال دراستهم بمعونة الجمعيات الخيرية والإنسانية، ويأتي تضرر الأطفال نتيجة الخلافات الأسرية والعنف من قبل أحد الوالدين والأب بشكل خاص بالدرجة الثانية وهنا يكون دور الجمعية بتقديم الاستشارة وتوجيه الحالة للجهات المختصة.
تصوير سيد رمضان
إلى أي مدى أثر فقد زوجك، وكيف تمكنت من الحفاظ على الطاقة الإيجابية؟
لم يكن الفقد شيئاً غريباً في حياتي خاصةً من جانب الرجال، فقدت الأب أولاً ثم أخويّ الاثنين ومن ثم زوجي، كانت أمي أكبر مثال للصبر وقوة الإيمان عندما صبت جهدها ووقتها على تربيتنا والاهتمام بتعليمنا بعد وفاة والدي حيث كانت تردد «توفي والدكم وأنا لا أملك شهادة» كنا نتساءل عن ذلك وهل تتوقع لنا أن نطلق أو نترمل، بعد أن فقدت ولديها ركزت على الاهتمام بأحفادها وصلة الرحم، فقدي لأهم أربعة رجال في حياتي زادني قوة بأني يمكن أن أعيش دون وجود دور للرجل في حياتي ودافعاً لاستمراري في تأدية رسالتي في تربية أبنائي كأني أقول لزوجي «حرصت على تربية أبنائك وتعليمهم وأنا على الطريق أكمل رسالتي معهم»، ابتعدت عن الحزن وركزت على خدمة دولتي ومجتمعي وأن أكون شخصاً ملهماً للكثير من النساء ممن فقدن أزواجهن أو تطلقن كما كانت والدتي المرأة التي لم تجد القراءة والكتابة ملهمتي، تمكنت من تربية 7 أيتام جعلت منهم أشخاصاً ناجحين يصلون لأعلى المراتب.
تأثرت بشخصية الوزيرة مريم الرومي، وجدت فيها الوزيرة الجادة المستمعة العادلة المتواضعة وتعلمت منها القيادة المرنة
أم لثلاثة أبناء.. كيف تصفين علاقتك بهم؟
عبد الله ابني البكر (17 عاماً)، والتوأم جاسم وظبية (15 عاماً)، أعيش معهم علاقة صداقة قوية أخصص لهم الكثير من الوقت، يلجأون لي في جميع الاستشارات، علمتهم الاعتماد على النفس وأن تكون لهم شخصياتهم المستقلة، كان للأسلوب التوعوي في التربية واستخدام أسلوب اللين والشدة دور كبير في مساحة الحرية التي أعيشها، أشكر الله أني تمكنت أن أصل بهم لهذه المرحلة دون أي مشكلات، تركت لهم حرية اختيار مساراتهم الدراسية لأني لم أرغب أن أكرر تجربتي مع والدتي وأرغمهم على اختيار تخصص لا يرغبون به.
إذا أردنا أن نحدد شخصية تركت بصمة في حياة موزة الشومي، من هي هذه الشخصية؟
أمي تعلمت منها الكثير وما زلت أتعلم، كما تأثرت بشخصية الوزيرة مريم الرومي، وجدت فيها الوزيرة الجادة المستمعة العادلة المتواضعة وتعلمت منها القيادة السلسة المرنة وكيف تصل لجميع الموظفين من أصغر موظف حتى أكبرهم.