05 سبتمبر 2021

د. هدى محيو: دلتا.. الشبان هم الضحية الأولى

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو: دلتا.. الشبان هم الضحية الأولى

يبدو أن المتحوِّر «دلتا» آخذ في الفلاحة حول العالم، لكن هذه المرة بين الشبان، وليس بين الشيب. فالأطباء في الولايات المتحدة الذين يعملون في مراكز «كورونا» عبر مختلف الولايات، لاحظوا أن أعمار الكثير من الواصلين الجدد المصابين بـ«كورونا» تراوح بين العشرينات والثلاثينات. كما لاحظوا أن هؤلاء المرضى، الذين هم في أغلبهم غير ملقحين، أشد إصابة من المرضى الشبان الذين استقبلوهم في السنة الماضية في عنابرهم.

ففي المرحلة الأولى من الجائحة، كان المصابون يدخلون إلى المستشفى بعد تمضية أسبوع أو أسبوعين في منازلهم وهم يعانون عوارض المرض. وفي الأغلب كانوا يتلقون العلاج في الغرف العادية قبل أن يحتاجوا إلى العناية المركزة.

بيد أن الأطباء يفيدون اليوم عن إصابة شبان يعانون عوارض أشرس من تلك التي كانت تصيب من سبقهم، حتى إنهم ابتكروا عبارة «المرضى الأكثر شباباً والأشد مرضاً والأسرع تدهوراً نحو الأسوأ». كما أن بعضهم لا يعاني البتة حالة صحية مرافقة، قد تجعلهم أكثر عرضة للمرض أو لتدهور حالتهم بعد الإصابة به.

ويظن الأطباء أن المتحوِّر «دلتا» هو المسؤول عن هذا الوضع، حيث إن ثمانين في المئة من إصابات الولايات المتحدة بـ«كورونا» ناجمة عنه، وينتابهم الشعور أنهم يقفون الآن أمام مرض مختلف تماماً عن سابقه. ففي يناير الماضي كانت أعمار المصابين تحت الخمسين لا تتعدى الـ22 في المئة من المرضى الذين يدخلون إلى المستشفى في حين أنهم صاروا يقاربون النصف اليوم. ويعزو بعض الخبراء سبب انقلاب الموازين والأعمار إلى نسب التلقيح، فنحو نصف من هم دون الأربعين قد تلقوا اللقاح في حين أن ثمانين في المئة ممن هم فوق الستين من العمر قد حصلوا عليه.

وقد ثبت أن اللقاح يحمي بنسبة ستين في المئة من «دلتا» ويقي بالكامل تقريباً من عوارضه الخطرة عند الإصابة به. وفي المقابل اعتبر الكثير من الأطباء أن المصابين الشباب والأكثر صحة هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض الشديد مع متحوِّر «دلتا»، مقارنة مع ما سبقه من أشكال الفيروس، تجد جزءاً كبيراً من هذه الشريحة العمرية في وضعية استهتار بالمرض، والعزوف عن اللقاح، كما لو أنهم يعتبرون أنفسهم فوق المرض، ولا يدركون أن فرصهم صارت متساوية مع الأكبر منهم سناً، والمحميين بواسطة اللقاح.

إضافة إلى الولايات المتحدة، صدرت دراسات في سنغافورة والهند تفيد أن مصابي «دلتا»، دون سن الخامسة والأربعين، يواجهون خطر وفاة أكبر أو خطر احتياجهم إلى العناية المركزة. وتخلص الدراسات إلى القول إنه كلما انتشر الفيروس صار أشد عدوى وشراسة في متحوِّراته كما إن غير الملقحين لقمة سائغة في فمه.

فمتى يقتنع هؤلاء الذين يتظاهرون دفاعاً عن حريتهم في تلقي اللقاح من عدمه أن حدود حريتهم تقف عند حدود عدم إلحاق الأذية بالآخرين؟ ومتى تقتنع الدول الغنية بضرورة إرسال اللقاحات إلى الدول الأشد فقراً، ليس من باب التعاضد العالمي أمام جائحة كونية وحسب، ولكن أقله حتى تحمي نفسها وشعوبها من مرض شلَّ مقومات حياتها، وبات على أعتاب سنته الثالثة؟